الأقباط متحدون - هل العلمانى يكره الشريعة؟
  • ١٩:٢٩
  • الجمعة , ١٤ ديسمبر ٢٠١٨
English version

هل العلمانى يكره الشريعة؟

مقالات مختارة | خالد منتصر

٠٣: ٠٥ م +02:00 EET

الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

هل كل من ينادى بالعلمانية ويطالب بها ينطلق من منظومة عداء أو كراهية مع الشريعة؟، هكذا صدروا إلينا وزيفوا وعينا وجعلونا فى معادلة صفرية إما هذا أو ذاك، وأن حياة العلمانية فى موت الدين والعكس صحيح، هذا الكلام تزوير وخداع وتدليس فكرى يصل إلى حد الجريمة، وهذا السؤال المطروح مثله مثل أن تطرح سؤالاً يقول «هل كل من ينادى بالرسم بالريشة أو العزف بقوس الكمان فى عداوة مع استعمال أنابيب الاختبار داخل المعمل؟!!»، ما علاقة هذا بذاك؟، العلمانية منهج تفكير وتعامل مع الواقع يعمل كبوتقة لتجميع كل الاختلافات الدينية والعرقية والجنسية تحت مظلة المواطنة والقانون، ومختلفة تماماً عن الشريعة التى تحولت إلى منظومة قانونية، منظومة بُذل فيها جهد كبير، لكنها فى النهاية منظومة تخضع للتعديل والتبديل طبقاً للمتغيرات الجديدة، وهى كما قال طه إبراهيم فى كتابه «مساهمة فى أزمة العقل العربى المسلم» ص139: «قولنا عن منظومة الشريعة يشبه ما يمكن أن يقال عن منظومة القانون الرومانى أو بطريقة أقل شمولية عن قوانين حمورابى، وأهل القانون الآن يعدون كل تلك المنظومات مصادر تاريخية للقانون، وليس هناك عداء معها أو محاولة للتقليل من شأنها أو نبذها أو رفض الاستعانة بها، ولكن اليقين أن الزمن قد تجاوز هذه المنظومات سواء فى منطق فكرها أو فى قواعدها أو قوانينها، وهذا ما نلاحظه فى منظومة الشريعة الإسلامية».

والرسالة كانت دعوة للإسلام ولم تكن دعوة للشريعة، ورجال القانون الذين اهتموا بدراسة هذا الجانب التشريعى فى الإسلام وحاولوا فك الاشتباك والالتباس بين الإسلام والشريعة مثل المستشار محمد سعيد العشماوى ود.محمد نور فرحات وجمال البنا وغيرهم، بذلوا الجهد الكثير ودخلوا معارك مواجهة مع رجال الدين الداعين للدولة الدينية الثيوقراطية، الرافعين فى وجوهنا فزاعة الشريعة، المتهمين لكل من ينتقد أو حتى يحاول الفهم بأنه عدو الشريعة، الشريعة يصدرونها إلينا وكأنها كتلة حجرية مصمتة جاهزة ما علينا إلا أن نأخذها كما هى ونستخدمها فوراً، ليس بها أى نتوء بارز قابل للحذف أو خسوف غائر قابل للملء أو أجزاء أصابتها عوامل التعرية وبصمات الزمن بانبعاجات أو تشوهات اختفت معها الملامح والخطوط، وبات واجباً علينا التعامل معها بأزميل المعاصرة لإعادة التشكيل أو بناء تمثال تشريعى جديد، الشريعة مستويات مختلفة وليست كتلة مستوية كما أوهمونا، مستويات تتداخل فيها الألوان والأطياف والظلال، مستوى النصوص القطعية التى هى قليلة جداً، عمومية جداً، تصلح كدلائل استنباط واسترشاد، والمستوى الثانى مستوى الفقه الذى يصفه د.نور فرحات بأن الحلول تختلف فيه لدرجة التناقض لاختلاف الأعراف، وليس علينا إلزام دينى ولا يؤثم من يغير فيها طبقاً للزمن، بل يذهب «فرحات» أبعد من ذلك حين يقول «بل يؤثم من يأخذ بها إذا تعارضت مع أهل زماننا»،

وتعاملنا المتزمت الحرفى الخاطئ مع هذا المستوى الثانى وهو مستوى الفقه كان تعاملاً مَرَضياً نظر إلى النتائج ولم ينظر إلى فن الاستنباط ومنهجه، بالضبط مثلما تتناول شربة وخلطة ابن سينا التى كتبها فى قانونه لكى تعالج بها تليف الكبد أو فيروس «سى» وترفض تناول السوفالدى لأنه دواء جديد لم يكتبه العظيم ابن سينا، وتتناسى أن عظمة ابن سينا هى فى منهجه العلمى وليست فى شَربته وخلطته الدوائية، وهو نفس المنهج الذى أوصل المحدثين إلى الأدوية الحديثة، إنها الوسيلة لا النتيجة، كذلك الفقه، فنحن من فرط كسلنا الفكرى المزمن وكساحنا البحثى المنهجى المقيم، لم نقف عند فن الاستنباط الفقهى بل نظرنا إلى النتائج الجاهزة، فصرنا ديداناً تلتهم أوراق الخريف الذابلة، نظل فى الشرنقة، حتى الحرير لا نصنعه، نأكل أوراقاً ونفرزها أوراقاً أيضاً، وتناسينا أن الشريعة فى معناها العام هى إعمال مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، أما المستوى الثالث الذى أورثنا الخراب والدمار والهلاك وجعلنا فى مؤخرة الدرجة الثالثة لملعب التاريخ، لا نلعب أبداً على بساطه الأخضر، ومحرومين من مشاهدة اللاعبين أيضاً!، مستوى التاريخ الإسلامى الذى ورثنا صراعاته وخلافاته ودماءه وحماقات الكثير من حكامه على أنها صلب الشريعة، فأصبحنا نخلط بين المقاصد العامة وتخريجات الفقهاء وممارسات الحكام، والمستشار العشماوى فى كتابه «أصول الشريعة» يؤكد أن معنى الشريعة هى المنهاج أو الطريق وليست أبداً القانون أو التشريع، ويعبر عن ذلك فى ص 16 بقوله «لو سئل عما يقصد بالشريعة لسكت ربما ظناً بأن اللفظ واضح، سيقول المقصود بالشريعة القرآن دستور حياة، هل آياته الدينية أم نصوصه التشريعية؟، الناسخ أم المنسوخ؟، ما خوطبت به الأمة أم النبى؟، هل الآيات نفسها أم الشروح وكتب الفقه.. الخ»، وإذا كان منهج القرآن هو التطور الدائم والتقدم المستمر لذلك فاكتمال الشريعة التى يحسبونها جامدة جاهزة تكون باستمرار هذا التقدم ودوام هذا التطور، وهذا هو ما فهمه القدماء الذين نريد تحنيطهم أصناماً والذين فهموا أنهم يضعون منهجاً مرناً قابلاً للتغيير وليس نصاً جامداً مجبراً على التوثين، فمالك بن أنس نفسه رفض فرض كتابه الموطأ بواسطة أبى جعفر المنصور، فعل هذا لأن كتابه منهج تفكير لا وثن عبادة، وكأنه يقرأ الغيب، لكننا للأسف لم نقرأ عقل مالك نفسه وغيره من المجتهدين، بعده حاولت السلطة وحاول الحكام فرض مذهب بعينه لكنهم فشلوا، جاءت الدولة العثمانية التى دقت آخر مسمار فى نعش الخلافة بترهلها الفكرى وتخلفها الثقافى وعنادها الطفولى المَرَضى، وفرضت المذهب الحنفى ومجلة الأحكام العدلية،

ومثلها الدولة الصفوية بفرضها المذهب الجعفرى، نزل المذهب بالبراشوت فلم يتجاوز سطح التربة الفكرية إلى الجذور، لأن الأفكار لا تهبط بالبراشوت ولا تفرض قسراً، وإنما تنبع كآبار النفط من تربة المكان والزمان، وتنسج من خيوط وقماش تقاليد وأعراف ومعارف تلك الحقبة وذلك البلد، لذلك لا بد فى كل وقت أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا ونلح عليه، هل فهم الدين استاتيكى أم ديناميكى؟، هل نطبق على الدين قوانين ومعادلات نيوتن للحركة ومفاهيم إينشتاين للنسبية كما أخضع الكون كله لها وفهمناه من خلالها، أم نفهمه ساكناً متصلباً متحجراً كتماثيل الإغريق وجبال الصحارى؟، لو فهمناه متحجراً متجمداً فى فريزر الحرفية، سنطبق مفاهيم الرق ونتناسى أنه كان ضرورة إنتاجية وقتها، وبعد ظهور الآلة البخارية صار عبئاً بعد أن كان مكسباً، وكما يقول جمال البنا فى كتابه «هل يمكن تطبيق الشريعة؟» عن مفاهيم الغنيمة وغيرها من المفاهيم التى ما زالت فى قاموس المؤسسة الدينية «مع الجيش النظامى المحترف اختفت مفاهيم الغنيمة والفىء والجزية...، المواطنة التى كانت فى وثيقة المدينة صارت هى الأساس، الوطن لا الدين»، كذلك التوريث بالنسبة للمرأة كان جزءاً من نظام اقتصادى أعم كان يوجب على الرجل إعالة المرأة، وكما أشار أيضاً جمال البنا فى نفس الكتاب ص68، فى لقطة ذكية وتخريج حصيف: «آيات القرآن تصدر على مستويين، الأول هو الواقع وهو فى هذه الحالة يصلح قدر ما تسمح به الأوضاع لأن التغيير والتطوير له مبادئ وأصول، المستوى الثانى هو الواجب وهنا يعطى القرآن إشارات تحتمل المعانى المطلوبة ويضع المبادئ.. مثل كل الآيات التى تحض على المساواة». ولكن كيف يكون فهم الدين الثابت ديناميكياً؟!
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع