الأقباط متحدون - السُّنة تنسخ القرآن
  • ٠٤:٥٠
  • السبت , ١ ديسمبر ٢٠١٨
English version

السُّنة تنسخ القرآن

مقالات مختارة | عادل نعمان

١١: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ١ ديسمبر ٢٠١٨

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

عادل نعمان
هذا المقال بمناسبة حديث فضيلة الإمام الأكبر عن السنة، وضرورة المحافظة عليها من الطعن فيها وفى رواتها، وإلا ضاع ثلاثة أرباع الدين، لكن إذا كانت السنة تنسخ القرآن، فكيف نرضى أن يغيب الأصل أو جزء منه؟

لا تتعجب من العنوان أيها القارئ العزيز، فهى حقيقة يتبعها كثير من العلماء والفقهاء، وتأخذ بها معظم الفرق الإسلامية، وهى (أن السنة تنسخ القرآن، والقرآن فى حاجة إلى السنة، والسنة ليست فى حاجة إلى القرآن).. وأغلب أهل العلم «وحذاق الأئمة» أجازوا أن تنسخ الأحاديث المتواترة القرآن، ومنهم أيضاً من زاد وأجاز أن تنسخ أحاديث الآحاد القرآن أيضاً إلى جانب الأحاديث المتواترة، والأغلب الأعم، فإن الأحاديث «المرويات» أحاديث آحاد. وللحق فمنهم من رفض هذا وهو «الإمام الشافعى» وقال «لا ينسخ القرآن إلا القرآن» وهم الأقلية. والنسخ يعنى إنهاء حكم شرعى بحكم شرعى آخر، والكثير منا يعرف أن القرآن هو الذى ينسخ القرآن ويلغى أحكامه، لكن وجب عليك أيها القارئ العزيز أن تعرف أن كثيراً من الفقهاء والعلماء أجازوا أن ينسخ الحديث (يلغى) حكماً ثابتاً راسخاً محكماً فى القرآن، وأن الظنى من الأحاديث ينسخ المحكم والمطلق من آيات الله. والنسخ ثلاثة أنواع:

الأول- ما نُسخ حكماً وتلاوة، يعنى رفعت «حذفت» الآيات وأحكامها بعد نزولها.

والثانى: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، يُرفع النص «يحذف» ويبقى الحكم معمولاً به ونافذاً.

الثالث والأخير: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، النص موجود والحكم لا يُعمل به، وهو موضوع نتطرق إليه لاحقاً.

واعتبر حذاق الأئمة، كما يطلقون على أنفسهم، أن القرآن الذى فصلت آياته من الخبير الحكيم «الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» (هود: 1)، وكتاب الله الذى أحصى كل شىء «مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىءٍ»، وكتاب الله المحكم الذى «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (فصلت:42) تنسخه وتلغى أحكامه مرويات عن الرسول، تم جمعها بعد قرن ويزيد فى يسر وسهولة، مع احتمال الخطأ والسهو البشرى، وقالوا: أجمع الأئمة على هذا، ولا أدرى أى مؤتمر هذا قد اجتمعوا فيه، وكيف خرجوا علينا بتوصياتهم هذه؟

فما دليل هؤلاء على أن السنة قد نسخت القرآن فى حياة النبى وبعدها؟

أولاً: حديث عن الرسول «لا وصية لوارث»، قالوا: نسخ هذا الحديث الآية القرآنية المحكمة «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» (البقرة: 180)، «والآية هنا تفرض «كُتب عليكم» إلزام وأمر، الوصية للأقربين والوالدين وغيرهم، سواء من الورثة الشرعيين أو غيرهم حال حضور الموت لصاحب الحق، وهى آية قرآنية حكمها ملزم كحكم الصوم «كُتب عليكم الصيام» والوصية كانت تراعى ظروف الناس وأحوالهم، والأكثر احتياجاً، فيزيد طرف على الآخر من الورثة، أو يُعطى نصيباً من أمواله لأقربائه من غير الورثة الشرعيين، أو يراعى أباً أو أماً أو زوجة أكثر من أنصبتهم لحاجة أو مرض أو هرم، وبهذا الحديث لم يعد من حقه إذا حضره الموت، ليس قبل، أن يوصى لأحد من هؤلاء، وفقاً لهذا الحديث الناسخ، ونرد على هذا: أن الوصية الواجبة التى أخذ بها المشرع المصرى عن المذهب «الجعفرى» فى أربعينات القرن الماضى، أخذت بالآية المنسوخة، وكانت جلباً لمصلحة فريق من المحرومين من الإرث، ودرءاً لمفسدة عظيمة عن المجتمع فى الوقت نفسه، ولم يخالفوا شرع الله فى هذا، بل غلبت وانتصرت مصلحة الأمة. الثانى: نسخ آية الجلد، وهى ثابتة فى القرآن تلاوة وحكماً «والزانى والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة»، قالوا: هذه الآية نُسخ حكمها مع بقاء تلاوتها، وحكم هذه الآية الجلد مائة جلدة، ويسرى على الجميع، المحصن بالزواج وغير المحصن، رجلاً أو امرأة. قالوا نسختها آية الرجم وهى آية لا وجود لها فى القرآن «منسوخة» وهى «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم»، وقالوا: يقول عمر فى هذا «فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله ورجمنا بعده»، وفيما قالوه هذه الرواية عن السيدة عائشة، صدقها البعض وكذبها غيرهم، تقول عن هذه الآية (كانت فى صحيفة تحت سريرى، فلما مات الرسول وتشاغلنا بموته دخل داجن «ماعز» فأكلها). وحسب هذه الآية، فإن آية الجلد فى القرآن قد نسختها آية الرجم هذه، ونرد على هؤلاء، إذا كان حد الرجم هو الحكم على الزانية والزانى المحصن، فكيف ننفذ هذا الحد على الأَمَة المحصنة، وعقوبتها نصف عقوبة الحرة فى الرجم؟ فكيف نقسم الموت إلى نصفين، والثانية: لماذا لا تكون هذه الآية قد نزلت، ثم نسختها آية الجلد، وليس العكس، تخفيفاً فى العقوبة، وتمشياً مع الآية «ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها»، واعتبار تخفيف الحكم من الرجم إلى الجلد أحسن وأخف على الناس.

لا يسعنا، فضيلة الإمام.. سوى المحافظة على السنة، ولكن كيف؟ وينتقد بعضها الغير وهم كثر، والجميع عاجز عن الرد، ارفعوا عن كاهلها ما رُوى بالباطل وما تناقلته ألسِنة المنافقين والرواة والمحدثين والنساخ، أو اتركوا الأمر للعقل يفصل بين الجميع.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع