الأقباط متحدون - سعادة السفيرة نهاد حدّاد
  • ١٦:٢٦
  • السبت , ١٧ نوفمبر ٢٠١٨
English version

سعادة السفيرة نهاد حدّاد

مقالات مختارة | مفيد فوزي

١٠: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨

فيروز
فيروز

مفيد فوزي
-١-

صاحبة السعادة لقباً ومحتوى ومعنى ومضمونا.

سفيرتنا إلى النجوم وسفيرة الجمال إلينا. إلى من قال لها الشاعر محمود درويش «الأغنية التى دائماً تنسى أن تكبر وهى التى تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر»، حبيبة الطيور والسهول والمتذوقين فى بقاع الأرض حيث كانوا وتحت أى سماء يتنفسون. نهاد رزق، وديع حداد التى يعرفها العالم بـ«فيروز» المحبة وعلى الأرض السلام. ست الدنيا يا فيروز، فى عيد ميلادك أكتب، ففى ٢١ نوفمبر تبلغين الثالث والثمانين وتبدئين عامك الرابع والثمانين، كذب هؤلاء، فأنت سيدتى السفيرة تعيشين عمر الثانية والأربعين مرتين!

وأنا لست شاعراً يهدى للأحباب قصائد مطرزة بالحب ولست بياع خواتم يزين إصبعك بخاتم الولاء والمحبة، ما أنا إلا كاتب يملك حروفاً ينسجها القلم كلمات، وكلماتى هى ورودى التى لا تذبل. ما أنا إلا درويش فيروزى من دراويش جمهوريتك يسبح فى أطياف صوتك. إننى أكره أن أقدم لك زهوراً صناعية مهما كانت ملونة لأنى لا أحب الهدايا الخريفية وأنت ربيع الحياة ونحبك فى كل الفصول كما تحبك كل الأديان. حين صحوت على مهرجان عصافير سابحاً فى المدى الأزرق فهمت أن عيد ميلادك اقترب. فهل أتصل بك تليفونياً- كما تعودت- فقد تذبح التكنولوجيا لهفتى.. هل أكتب برقية؟ وكيف كلمات قليلة تختزل شوقى الكبير. أنت- كما أعرفك- تؤثرين الإحساس الصامت على الثرثرة وتفضلين المشاعر على الورود. وكيف لا وأنت أرق منشور عاطفى يحرض الناس على المحبة ويحاول رجال الأمن القبض عليه فيجعلهم سكارى حيارى؟ وكيف لا وأنت الشعر والشاعر والأغنية والمغنى؟ أنت سيدتى تروجين لثقافة الجمال وأبجديات الرقى وتنتصرين لتحضير الذوق وتخرجين على رأس مظاهرة تنادى وتهتف بسقوط الذوق المنحط فى الكليبات الهابطة والحوار المتدنى وبالاغتيالات الدينية، أنت ترنيمة حب وترتيلة سلام. وجودك بيننا اعتذار عن الركاكة والقبح فى الحياة. صوتك سيدتى يعتذر عن ضجيج المعارك التافهة.. وصوتك- على المستوى الشخصى يلملم عذاباتى ويصالحنى على روحى ويبدد كآبتى ويضمد جروحى نعم، نحن الفيروزيين نحبك بعمق نهر واتساع صحراء وبعذوبة ينابيع زحلة وبعرض الأفق.

-٢-
ست الدنيا يا فيروز: بعض الناس تصيدوا لى عبارة «حبى لك بلا حدود» على أنها إسقاط لأم كلثوم عن عرشها وقلت إن أم كلثوم وفيروز قمتان، هرمان، أعجوبتان من عجائب الزمان، وقلت إن أم كلثوم هى ضيفة أذنى فى ليالى السهر وأنها تؤرخ لقلبى، يوم علت دقاته، ويوم ذبحت ويوم عاودت الحب ويوم أحس بالحنين يوم ماتت الأشواق ويوم عادت ليالى الهوى، وقلت إن فيروز صديقة الفجر والضحى وعالم الظهيرة وساعة العصارى.

أحياناً أفكر مع الصديقة اللبنانية الفيروزية ريما نجم، لو لم تكن فيروز، هل تمطر؟ هل تورق الأوراق وتثمر؟ وتبدأ بالتعرى وتنساب الجداول ويتهامس العشاق؟ أى لغة سيخترعون؟ لا أتصور الكرة الأرضية بلا فيروز. وتقول ريما نجم لى: بل بائسون، كل الذين أتوا قبلها معاقبون غير مذنبين! حب ريما لفيروز أسطورى! ويوماً ما سمعت نزار قبانى يقول لى: فيروز تتفوق على كل أجهزة العصر وتقنياتها! نعم عندما يصلنا صوتك يا سيدتى ندرك أن الإنسان أكبر من كل آلات العصر وأقماره الصناعية وعندما ينصهر الإنسان مع صوتك يبدو كالمؤمن والإيمان والحياة والموت. عندما يشرق صوتك يسرقنا من أحلامنا وطموحاتنا وشهواتنا وأطماعنا ويرمينا على شاطئ المحبة والوداعة والسماحة، تطبقين مقالة السماء وتوصلين لطرود الفرح لرعاياك فى أصقاع العالم ثم تخلدين إلى نفسك فى بيتك بأنطلياس حزينة دامعة.

-٣-

يا سادة..

فيروز المؤمنة لا تقوم بدور رجل الدين ولا تحل محل أحد. فيروز تشدو فقط فيغدو شدوها صلاة، دون سابق إصرار أو ترصد. تدعونا إلى الصلاة، إلى التأمل الخاشع، إلى نبذ الأحقاد والخلافات. نبرة صوتها تنبئ بذلك وإن كانت الكلمات محددة، فإننا بسماعها نرتد إلى الإيمان ويرتد إلينا إن كان غائباً وترسخ فى أعماقنا طمأنينة لا تضاهى. عاصى الرحبانى وفيروز زوجان نادران. صنعا للبشرية جبلاً من أغنيات روجت للفصحى حيناً وللمحبة حيناً وللغصب الساطع قادم أحياناً أخرى! نعم يوم عرفت الأخوين رحبانى، غدت الرحبنة هى النغمة الصواب فى حنجرتك الماسية ودخلنا عصراً جديداً تزهو به موسيقى الرحابنة، جاءت النغمة الصواب فى زمن التعثر والنشاز. وكيف لا وفى صوتك بحة بلبل وترانيم عشقه ومناجاة صامتة مفعمة بشلالات إيمان، نعم، فى صوتك هدير شلال صاخب يسكب الجمال فى الأذن! وفيه دحرجة صخور صلاته أبت أن تبقى عند التلال وفيه أيضاً وشوشات صباح ربيعى ولا تغيب ابتهالات غيمة تقيم الصلاة. سيدتى، اختصرت الطبيعة فى نبرة صوتك الحبيب الذى تحلقين به من وطن إلى مهجر.

-٤-
جئت إلينا محصنة بالرحبانية وحلقت فى سمائنا المصرية وغنيت لسيد درويش وعبدالوهاب. وكان التعاون بينك وبين السنباطى وشيك الحدوث وكم كنت مشتاقاً للتجربة الفلكية، ولكن أسباباً- غير مفهومة- حالت دون تنفيذ الحلم! وغنيت لمصر شمسك الذهب. ومع ذلك فكل ما انحدر من حنجرة فيروز من شلالات نغم يمثل بشكل أو آخر أغنيات وطنية، حين يخرج الوطن من مفهومه الضيق ونطلقه فى رحابته الحقيقية، ذلك المفهوم الأرقى والأجمل والأكثر حميمية فى كل مقطع أو مفصل أو فاصل وفى كل موال أو افتتاحية أو قفلة.. تنبعث رائحة التراب ويهدر الحنين إلى عودة وربما إلى عناق صخرة، صوت فيروز يحتضن غرباء العالم، ويجمع شملهم فيفوت الفرصة على كولن ولسن وعالم اللامنتمى الذى ابتدعه! الرحبانية أدلوا بشهاداتهم عبر صوت فيروز غير عابئين بقوس المحكمة أو بحضور القضاء أو المحلفين...!

-٥-
راح عاصى الرحبانى يا سيدتى وبقيت وحيدة آخر النهار. ولكن كلنا مسكونون بعاصى الرحبانى وهواجسه وأحلامه فمطلع كل نهار نشرب من نبع عاصى. كلماته، ألحانه، رؤاه فى صوتك وبقى لك زياد ابنك البكر عبقرية أخرى من عبقريات زمن الرحابنة.

ياسفيرة الرقى فى دنيانا، منذ أن سمعك حليم الرومى واطمأن إلى صفاء صوتك الملائكى المقطر وأعطاك اسم «فيروز» وأنت كتاب مرئى مسموع محفور فى القلوب والأفئدة.

وحزبك الكبير عبر خارطة العالم يردد أغنياتك بشغف ويحتفظ بشرائطك وأنا متهم بأنى فيروزى أتألم حين تتألمين وأفرح لفرحك وأحس بوحدتك «ومساهرتك» لزوايا بيتك وأركانه وشموعه!!

وأعرف جيداً أن صوتك الذى لا يصدح مطلقاً داخل بيتك تتلقفه آذان العالم وتحتضنه.

يا ست الدنيا، لك العمر المديد يا سفيرة السعادة، يا نبع المحبة، يا قارورة الحب، يا سبيكة المشاعر، يا حزمة النور والأحاسيس يا صفصافة فوق عنق وعلى كتف بيروت.

يا ونس العمر.

يا حضوراً لا يغيب..

يا صلاة بلا هيكل..

يا أشواقاً بلا مسافة..

يا جواز سفر بلا هوية..

يا حكاية بلا نهاية..

يا رحبانية دون عاصى..

يا مشوار المشاوير..

يا تفاؤلاً يشق الإحباط..

يا أغنية على القلب منقوشة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع