الأقباط متحدون - الطلقة ... The Bullet
  • ١٠:٣٥
  • الاربعاء , ٧ نوفمبر ٢٠١٨
English version

الطلقة ... The Bullet

مقالات مختارة | لواء دكتور/ سمير فرج

٤٣: ٠٩ م +02:00 EET

الاربعاء ٧ نوفمبر ٢٠١٨

ارشيفية -  قطار
ارشيفية - قطار

  لواء دكتور/ سمير فرج

منذ عدة سنوات مضت، قمت بزيارة لليابان، وكان برنامجها يتطلب أن نتحرك من طوكيو، العاصمة، إلى إحدى المدن في الجنوب؛ وقبلها، في المساء، أبلغني المسئول عن الزيارة، بأننا سننطلق إلى وجهتنا، باكر، بالقطار، وهو أحدث تكنولوجيا يابانية، ويسمونه "شينكانسن"، والتي تعني باليابانية شبكة قطارات فائقة السرعة، ويطلق عليه الغرب اسم "الطلقة"، “The Bullet”، إذ تصل سرعته إلى ٣١١ ميل/ ساعة؛ أي أننا سنقطع المسافة في ٣٥ دقيقة، فقط، بعدما كانت ذات الرحلة تستغرق ساعتين قبل وجود "الطلقة"، الذي صار أيقونة اليابان حالياً.
 
توجهنا في الصباح، كما هو مقرر، إلى محطة القطار الرئيسية في طوكيو ... ولن أتحدث عن نظام المحطة وانتظامها، فتلك السمات صارت أمور عادية في اليابان. ودخلنا القطار الذي يفوق مستوى نظافته الوصف والخيال، ويضاهي في مقاعده، الدرجة الأولى، في أفضل شركات الطيران العالمية، ومخصص به شاشة تليفزيونية، لكل مقعد، كما أنه مزود بشبكة واي فاي فائقة السرعة. وانطلق القطار في موعده، فلم نشعر بأي اهتزاز، على الإطلاق، مما دفعني لسؤال زميلي الياباني عن السبب، فشرح لي الطريقة العلمية التي تستخدمها اليابان، لتجنب الاهتزازات، وهي بعيدة عن استخدام الفلنكات الاعتيادية. وما هي إلا دقائق بسيطة، وكانت المضيفة تمر علينا بوجبات الإفطار، قبل أن نصل إلى وجهتنا بعد ٣٥ دقيقة تماماً، وفقاُ لما هو محدد سلفاً. فأطلقت لنفسي العنان، متخيلاً أن يكون لدينا، في يوم من الأيام، هذا القطار الفائق السرعة، فنصل من القاهرة إلى الاسكندرية في ٣٥ دقيقة فقط؟
 
وعاد الأمل، مرة أخرى، وأنا أسمع، هذه الأيام، خبر تعاقد مصر مع روسيا، لشراء عربات سكة حديد جديدة، خاصة وأن لي تجربة، ليست بالجيدة، على أفضل وصف، مع قطاراتنا المصرية، عندما كنت محافظاً للأقصر. ففور أن توليت منصبي، بدأت خطة لتطوير وتنمية الأقصر، وكان من ضمنها تطوير محطة السكة الحديد بها، والتي أفتخر بأن أقول أنها صارت أجمل محطة سكة حديد، حالياً، في جمهورية مصر العربية، بفضل من الله، وبفضل التصميم الذي أبدعه المهندس/ *****، على شكل بهو فرعوني، يستقبلك في أول لحظة لك في الأقصر.
 
كان للأقصر قطاري نوم، يومياً، تعتمد عليهما حركة السياحة إلى المحافظة، كانت، هذه القطارات، تتحرك، من القاهرة، في حوالي السابعة مساءاً، وتصل إلى الأقصر في فجر اليوم التالي؛ وغالباً ما يكون معظم الركاب من السياح اليابانيين. ونظراً لعادتي في الاعتماد على عيني، وليس أذني، في تقييم الواقع، فقد قررت خوض تجربة السفر بالقطار بنفسي. ولن أتحدث عن تأخر مواعيد إقلاع القطارات، الذي صار، للأسف، أمراً اعتيادياً. ولكن سأتحدث قليلاً عن مستوى جودة الخدمة المقدمة بالقطارات؛ فرائحة كابينة النوم منفرة، وملايات السرير، وإن بدت مكوية، إلا أن آثار الإهلاك تبدو واضحة عليها، أما البطاطين، فلن تحتاج لسؤال نفسك عن نظافتها، إذ تظهر الإجابة جلية عليها، وعلى الرائحة المنبعثة منها. وبعد فترة قُدمت وجبة العشاء، في صينية، مقسمة لأجزاء، خصص أحدهم للأرز البارد، والآخر به قطعة اللحم مع الخضار السوتيه، والتي أتصور أن حتى القطط الضالة، الموجودة بالفعل معنا في القطار سترفض أكلها!
 
ماذا حدث للقطارات، وخدماتها، أين عربات الطعام، التي كنا نراها في أفلامنا الأبيض والأسود؟ أين ألذ الوجبات التي تقدمها؟ أين أمهر طباخيها، من أهل النوبة، الذين كانوا يعدون أشهى أطباق المكرونة والاسكالوب والبطاطس المحمرة؟ لقد سافرت في تلك القطارات من قبل، بصحبة والدي، وحتى في مقتبل شبابي، وكانت جودتها تتفوق على نظيراتها في الدول الأوروبية.
 
أقول ذلك ونحن على أعتاب ثورة جديدة في القطارات المصرية، وحسب معلوماتي، ومن متابعاتي، فأنا أعلم أن السيد المهندس وزير النقل والمواصلات، رجل نشط للغاية، ويجب أن أقر بمجهوداته التي تظهر آثارها للمواطن العادي. ولكنني أناشده للاستعداد لبذل المزيد من الجهد، استعداداً لوصول العربات الجديدة، بدايةً من تدريب السائقين، ورفع كفاءة قضبان السكك الحديد والفلنكات، لتتمكن من تحمل السرعات العالية، وصولاً إلى خطة الصيانة المنتظرة لهذه العربات الجديدة، وقطع الغيار المطلوبة، لكي نحقق الاكتفاء الذاتي لعدة سنوات، وكذلك مشروع ميكنة المزلقانات. كما أرجو أن يكون من ضمن صفقة عربات السكك الحديدية، عربات نوم وعربات طعام حديثة، لاستغلالها، في حركة السياحة إلى الأقصر وأسوان، التي تعد وجهات جاذبة للسائح، بعد وصوله إلى القاهرة.
 
هذا هو الأمل المنشود من أجل السياحة، ومن أجل المواطن المصري، الذي يستحق وسائل مواصلات كريمة ومحترمة، خاصة أن مصر بها أكبر بنية أساسية لخطوط السكك الحديدية في العالم، وهو الشيء الوحيد الذي استفدنا فيه من الاستعمار البريطاني لمصر، وإن كان قد تم تنفيذها، ضمن خطة المستعمر لتحقيق مصالحه الشخصية، وقت الحرب العالمية الثانية، حيث كانت مصر، آنذاك، مركز المواصلات بين الشرق والغرب، وخاصة لصالح الإمبراطورية البريطانية، وخطوط مواصلاتها إلى الهند.
 
هذه المرة، أكرر سؤالي للسيد وزير النقل والمواصلات، يا ترى لسه الأماني ممكنة أن يكون لدينا قطار الطلقة المصري، الذي يقطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية، مثلاً، في ٣٥ دقيقة فقط؟؟ والله أظن أن الأماني ممكنة ...
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع