الأقباط متحدون - كف القمر مبتورة
  • ١١:١٣
  • السبت , ٢٠ اكتوبر ٢٠١٨
English version

كف القمر مبتورة

مقالات مختارة | سحر الجعارة

١٥: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٠ اكتوبر ٢٠١٨

سحر الجعارة
سحر الجعارة

كانت الأم العجوز تفتش عن خمس أصابع مبتورة من كفها التى زحفت إليها التجاعيد، ربما يكفيها أصبع واحد شر الأطفال الذين يقذفونها بالحجارة، أو يحميها ممن يقتحمون منزلها المبنى بـ(الطوب اللبن أو النيئ كما يطلقون عليه) فى منطقة معزولة من صعيد مصر، ليسرقوها، حتى سرقوا جدران البيت طوبة خلف طوبة، (وهى تصرخ تنادى أبناءها الخمسة الذين سرقتهم الحياة)!.

لقد فقدت أصابع كفها: (كف القمر)، حين ذهب كل شاب يفتش عن لقمة العيش بعيدا عن «فقر الصعيد»، وتفرقوا ما بين مهن حلال وأخرى حرام.. وظلت الأم العجوز تنتظر طلتهم، حضنهم الدافئ لتشعر بالأمان.. وبعد أن مرت سنون طويلة فقدت معها الأمل فى أن تجمعهم معا على «الطبلية»، أوصت الأم (قامت بدورها النجمة الفاتنة «وفاء عامر») الابن الأكبر، (قام بدوره النجم الراحل خالد صالح)، فقط لتجمعهم لحظة وداع!.

لم يعد البيت الذى تساقطت جدرانه يعنيها، ولا شغب الحرامية والأطفال يقلقها، لقد أنهكها المرض واغتالها الحزن والانتظار الطويل.. تكفيها إذاً لحظة عناق تعوضها عن العمر الذى أضاعته صبرا ووجعا.

فى فيلم «كف القمر» للمخرج «خالد يوسف» تفرّق الأبناء فى موقف السيارات، هربوا من سطوة الأخ الأكبر الذى جمعهم عنوة، وذهبوا خلف «الجنيه» الذى أصبح غايتهم الوحيدة، بعد أن عرفوا الشبع، فتجمدت أحاسيسهم، وماتت مشاعرهم.. لقد تركوا تأنيب الضمير والإحساس بالذنب والانتماء فى «كف القمر» حين رحلوا.. الآن لم يعد يعنيهم إلا جمع المال، لأنه أهم وأروع من لحظة احتضار الأم أو حضور دفنها وجنازتها!.

وهكذا وصل الابن الأكبر إليها متأخرا، فقط لتسأله عن باقى أصابع كفها، عن سندها فى الحياة ودعائها فى الآخرة.. وهذا ما تكرر فى مؤسسة «أولاد البطراوى» للمسنين فى قلب القاهرة.. فبعد مناشدات عديدة على موقع «فيسبوك»، تنادى الأم «زينب حافظ الشرقاوى» على أولادها الذين لم ترهم منذ 30 عاما وهى قعيدة ومريضة، أودعها بها أحد أقاربها الذى كانت تعيش بمنزله.. وبعد أن توصلت المباحث لعناوينهم، ذهب الأبناء ليروا أما لا يعرفون ملامحها، لقد سقطت من ذاكرتهم يوم خرجت من حياتهم (دون أن يعرف أحد الأسباب)، وادعى أحد الأبناء أنه سأل عنها قريبهم الذى كانت تقيم عنده، فقال إنها ماتت.. لكن الابن البار لم يسأل حتى عن قبر الأم التى جاءت به إلى الحياة!.

أنا عادة لا أصدق ما يكتب على مواقع التواصل الاجتماعى، فقررت الاتصال برقم المشرفة على حالتها الحاجة «عفاف».. التى أكدت لى أنها ذهبت إليهم فى حالة يرثى لها من تقيحات نتيجة الشلل وعدم الاهتمام بها، وأنها بكامل وعيها، وأن المؤسسة تقبل مثل هذه الحالات وتعتنى بها مجانا!.

نعم.. مجانا، ولها على وجه الأرض أبناء بينهم رجلان وامرأتان، ليسوا أطفالا أقل من تحمل المسؤولية، ولا نساء قابعات فى خانة «قلة الحيلة».. وفى المرة الثانية للزيارة ذهب الأخوان ومعهما إحدى الزوجتين، وبكل تعنت طلبوا «تقريرا طبيا» عن حالتها!!.

(خالد وعلاء وصباح وهدى)، لقد حرصت على حذف اسم الأب حتى لا أجرح مكانتكم الاجتماعية، فقط أسأل: من أين جاءتكم غلظة القلب وكل هذه القسوة؟.. ألم ينظر أحدكم إلى الغد ويخاف من لحظة أن يرميه أولاده ليكون مصيره مثل مصير أمه، فهذا هو الدرس الذى تعلموه منكم؟!.

إن «دعوة» منها بالرضا أو الغضب كفيلة بتغيير مصيركم.. فاحذروا غضبها، يكفيكم ما نلتموه من لعنات كل من قرأ قصتها!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع