الأقباط متحدون - فى مثل هذا اليوم.. اغتيال حارس المكاسب الاشتراكية والقطاع العام ومجانية التعليم
  • ١٢:١٨
  • الجمعة , ١٢ اكتوبر ٢٠١٨
English version

فى مثل هذا اليوم.. اغتيال حارس المكاسب الاشتراكية والقطاع العام ومجانية التعليم

سامح جميل

في مثل هذا اليوم

٢٩: ١٠ ص +02:00 EET

الجمعة ١٢ اكتوبر ٢٠١٨

اغتيال حارس المكاسب الاشتراكية والقطاع العام ومجانية التعليم
اغتيال حارس المكاسب الاشتراكية والقطاع العام ومجانية التعليم

فى مثل هذا اليوم 12 اكتوبر 1990م..
جرت عملية الاستفتاء على مبارك رئيسا لفترة ثانية بسهولة وبدون عراقيل فى 5 أكتوبر 1987، ولم يواجه مبارك معارضة تذكر، لأن المعارضة رأت أن فترة تالية قد لا تعنى الكثير لرجل أعلن فى بداية توليه الحكم نيته عدم الاستمرار. ثم إن المعارضة نفسها بدت أقل قوة مما ظهرت عليه فى نهاية عهد أنور السادات.

لم تكن حكومة الدكتور عاطف صدقى تربط بين ما ترفعه من شعارات الإصلاح الاقتصادى وبين الإصلاح السياسى الذى ظل معلقا بلا مبادرات أو تدخلات، غير تدخلات مطبخ كان فى أيدى شخصيات مثل يوسف والى الأمين العام للحزب الوطنى، وكمال الشاذلى الأمين المساعد، وصفوت الشريف وزير الإعلام ومعهم بالطبع الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وأحد أهم أضلاع النظام خلال فترة مبارك الرئاسية الأولى. لعب المحجوب دورا فى إنتاج التشريعات وتفصيلها بما يضمن سيادة الحزب الوطنى ويخدم صعود مبارك فى الحكم.

أدار عاطف صدقى شلة الاقتصاد، فى موازاة «شلة المطبخ السياسى»، التى لعبت الدور الأكثر اتساعا وعمقا، فى ترتيب نظام مغلق يخلو من أى إمكانية لتبادل السلطة. كانت جماعة الإخوان المسلمين تنفذ من ثغرات الحكم وتحقق مكاسب سياسية ونقابية فى مواجهة «طاقم فرعون» فى الحزب الوطنى والبرلمان. وبدا أن اللعبة تعجب مبارك طالما يثق فى سيطرته بلا منافس على السلطة، ووضع جماعة الإخوان خارج منطقة نفوذه. حتى الملف الاقتصادى كان يتركز على ما يراه النظام إنجازات تنموية وبنية أساسية فى الطرق والاتصالات، من دون أن ينتبه إلى العمل فى ملف البطالة والتوظيف، ومعه ملف الفقر، حيث بدت التنمية عرجاء، من حيث اتساع البناء من دون أن تحل أزمة الإسكان، وعلى أطراف كل منطقة فاخرة، كانت هناك عشوائيات تتسع، ومزيد من المواطنين يتجهون لسكنى المقابر. فى 23 يونيو 1984 تولى الدكتور رفعت المحجوب رئاسة مجلس الشعب بعد تعيينه بقرار جمهورى ضمن نسبة التعيين فى المجلس. جاء بعد أن استمر صوفى أبوطالب حتى نوفمبر 1983 وتبعه الدكتور محمد كامل ليلة حتى يونيو 1984، ثم أصبح المحجوب رئيسا للمجلس.

وكان من الشخصيات السياسية ذات التأثير، والخبرة فى مطابخ السياسة والبرلمان، ولد الدكتور رفعت المحجوب فى 23 إبريل 1926 بقرية الزرقا التابعة لمحافظة دمياط وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1948 وأكمل دراساته العليا حتى حصل على الدكتوراه فى الاقتصاد عام 1953 وتدرج فى الوظائف الأكاديمية حتى أصبح عميدا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. وتدرج فى العمل السياسى تولى أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى العربى. وعينه الرئيس السادات عام 1972 فى منصب وزير برئاسة الجمهورية، وفى عام 1975 عينه نائبًا لرئيس الوزراء. وانتخب المحجوب أمينا للاتحاد الاشتراكى عام 1975. وعندما بدأت اتجاهات تغيير مسار الاقتصاد نحو مزيد من الحرية الاقتصادية. كان المحجوب ينتمى لتيار يقاوم الاقتصاد الحر، ويرى أن أى هزة فى بنيان الدعم ومجانية التعليم والعلاج يمكن أن تشكل خطرا على البنيان الاقتصادى والاجتماعى، بينما كانت هناك اتجاهات اقتصادية تطالب بتحرير الاقتصاد من قبضة الدولة، ومنحه المزيد من الحرية، واعتبروا أن استمرار النظام الاقتصادى المغلق يهدر الثروة ويمنع النمو ويضاعف من الفساد والكسل. لعب الدكتور رفعت المحجوب دورا فى تقوية سلطة الحزب الوطنى وإبعاد أى محاولة لاختراقه أو منافسته، وتحالف مع أقطاب النظام صفوت الشريف وكمال الشاذلى ويوسف والى، وفى الرئاسة مع أسامة الباز وجمال عبدالعزيز، فى اختيار رؤساء الوزراء، من خلال ما يشبه اللوبى الذى يقنع مبارك باتخاذ قرارات لصالح جموع الفقراء، وكان المحجوب يطمح إلى أن يكون نائبا للرئيس، عندما كانت هناك إشارات من مبارك لذلك، ومطالب خارجية، بينما كان مبارك يحتفظ لنفسه بالقرار الذى يبدو أنه اتخذه لأسباب عديدة، وترك مبارك من حوله يتصورون أنهم اقتربوا من القمة، فإذا بهم يغادرون الدائرة، وخلال عام 1989 نجح مبارك فى الإطاحة بالمشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، حليفه وزميله الذى لعب دورا فى تقوية موقعه كنائب للسادات، ثم بعد تولى الرئاسة، كما كان شريكه فى صفقات التسليح الأمريكية وبناء علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة. وعندما أنهى أبوغزالة تمرد الأمن المركزى، وظهر كمنافس لمبارك أطاح به مستغلا غضب الأمريكان. وتفاصيل أخرى، لم يكن أبوغزالة يعلن رغبته فى احتلال موقع مبارك وقال عندما طالبوه بإزاحته: إذا فعلت ذلك فسيأتى من يفعله معى. خرج أبوغزالة، وازداد مبارك قوة، فى فترته الرئاسية الثانية، وكان مطبخ السلطة قد صنع دوائر ومفاتيح تبدأ وتنتهى عند مبارك الرئيس. الذى بدا أحيانا بلا بديل، كما كان يقدم نفسه كرئيس حريص على صنع الاستقرار والاحتفاظ بنظام يجمع بين مدارس اقتصادية متناقضة، وحتى عندما كان الحديث يجرى عن الإصلاح الاقتصادى، بقى الإصلاح السياسى بعيدا. دخل الدكتور رفعت المحجوب فى مواجهة ساخنة فى فبراير 1988 ضد أبرز مؤيدى الخصخصة وقتذاك وزير السياحة فؤاد سلطان الذى طالب بهدم وبيع فندق سان ستيفانو بالإسكندرية، ورد عليه الدكتور رفعت المحجوب قائلاً: «اليوم سوف نسمح ببيع الفنادق. وغدا نسمح ببيع المصانع والشركات والمستشفيات»..

كان المحجوب يعلن رفضه لتصفية القطاع العام أو إلغاء مجانية التعليم، ودخل فى مواجهات مع ياسين سراج الدين زعيم المعارضة الوفدية الذى كان يتبنى الاقتصاد الحر، وكان حزب الوفد يتخذ موقفا معارضا للدكتور المحجوب، الذى واجه سراج الدين فى قضية التعليم المجانى، وقال له إنه وعدد من أعضاء الوفد يمتلكون مشروعات خاصة فى التعليم ويدفعون نحو تصفية القطاع العام تمهيدا لتفكيكه وهدمه. لم يكن ياسين سراج الدين وحده بل كان معه أيضا تيار داخل حزب الوفد ينسق مع أفراد داخل النظام يدفعون نحو تبنى الرأسمالية، وشنوا هجوما على القطاع العام والكثير من القطاعات التى اعتبروها نتاجا للحكم الشمولى الناصرى، وتبنت صحيفة الوفد الناطقة بلسان الحزب تحت رئاسة تحرير مصطفى شردى حملة مضادة للقطاع العام ومسرح الدولة بل السد العالى. تزامن ذلك مع تزايد عدد نواب الوفد فى البرلمان، كانوا يرفعون لواء الدعوة إلى الخصخصة التاتشرية واقتصاد السوق وامتدت حملة جريدة الوفد برئاسة مصطفى شردى إلى السد العالى أكبر إنجازات عبدالناصر كانت جريدة الأهالى لسان حال حزب التجمع واليسار تدافع عن عهد عبدالناصر بوصفه عصر السيادة القومية، بينما الوفد تعتبره عصر الدمار. وأصدر فيليب جلاب رئيس تحرير الأهالى كتابه «هل نهدم السد العالى؟» قدم فيه مرافعة عن مزايا السد العالى وكيف حمى مصر من الجفاف والفيضانات ووفر كهرباء للتصنيع. وظل هذا الجدل مستمرا، وظل النظام الاقتصادى خليطا من الشمولية والتحرر. بينما النظام السياسى فى إطار الحزب الواحد مع تعددية شكلية بلا مضمون. والمفارقة أن حزب الوفد وجريدته أيدوا شركات توظيف الأموال وكان هناك تيار سياسى يلعب بكل الأوراق ويحرص على بقائه بالتحالف مع أنصار الدولة الشمولية وأنصار الاقتصاد الحر والتيارات الإسلامية، وهدفه الإبقاء على النظام السياسى مستقرا وبقاؤهم حوله. مبارك الذى كان يعتبر نفسه رمزا للاستقرار. ترك الجدل قائما، خاصة أن صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ونادى الدائنين فى باريس كانوا يدفعون مصر لتبنى روشتة الخصخصة حتى يمكنها أن تجدول ديونها وتستفيد من برامج القروض والمعونات. ووجد من صالحه أن تتصارع الأحزاب نظريا ضد بعضها بينما يواصل توجهاته المتناقضة، انحازت جريدة الوفد ضد القطاع العام، بينما كان الدفاع عن الثورة والتوجه الاشتراكى يأتى من جريدة الأهالى وحزب التجمع، الذى كان يضم اليسار والناصريين، وكانت جريدة الأهالى تحاول البرهنة على أن القطاع العام يمكن لو أحسنت إدارته أن يكون سندا للاقتصاد وأن القطاع يجرى تخريبه عمدا، وأن القطاع الخاص عليه أن يبحث لنفسه عن مشروعات تكون إضافة وألا يكتفى بالمنتجات السطحية والهامشية كالآيس كريم واللبان.. وداخل الحزب الوطنى كان كلا التيارين مستمرين، المحجوب مع الدولة الاشتراكية وفؤاد سلطان وعلى لطفى ومن بعده عاطف صدقى مع إصلاح اقتصادى وتفاوض مع صندوق النقد. ومبارك يغذى نظاما يحتفظ ببعض علامات النظام الاقتصادى الاشتراكى فى الدعم المقدم للسلع والوقود وبطاقات التموين. وفى نفس الوقت صدرت قوانين تتيح حرية السوق والأسعار، بينما الرواتب والأجور فى الحكومة والهيئات العامة بقيت بلا تناسب مع الارتفاعات فى الأسعار. لم يبذل نظام مبارك جهدا فى إعادة بناء نظام اقتصادى يمكنه ضمان عدالة التوزيع، ويناسب ما يرفعه من شعارات عن الاقتصاد الحر. وبالتالى ظل النظام خليطا بين الرأسمالية المشوهة، والاشتراكية الموجهة. من جهته لم يستمع مبارك لدعاوى إنهاء مجانية التعليم، لكنه لم يسع لتطويره، وجعله مثل كثير من الخدمات عند الحد الأدنى. تم إهمال التعليم الحكومى وتركه للعشوائية والاقتراحات التوفيقية، تكدست الفصول والمدارس وألغيت الملاعب ولم تكن حركة بناء المدارس تتناسب مع حجم الزيادة السكانية. وتولى الدكتور أحمد فتحى سرور منصب وزير التعليم فى وزارة عاطف صدقى وانتهج سياسة متناقضة، واستقدم خبراء من الخارج ومستشارين نصحوه بإلغاء الشهادة الابتدائية لتقليل إعداد التلاميذ وخلق سنة فارغة فى الثانوية، كما اتسمت سياسات سرور بالعشوائية واتساع المدارس الخاصة التى كانت أنواعا وأشكالا خاصة لغات وأخرى أجنبية وثالثة لا تخضع لقوانين الدولة فى المصروفات والمناهج، وتجمع بين أنظمة مختلفة. والنتيجة خليط غير متجانس من التعليم الحكومى والخاص والأجنبى. ينعكس فى إنتاج خريجين بلا إمكانات. وما جرى فى التعليم جرى مع ملف العلاج، الذى تم إهماله تماما، وبقيت المستشفيات الحكومية المركزية والعامة، بلا تطوير، وانخفضت موازنة الصحة مقارنة بالإنفاق، وتراجعت أحوال المستشفيات العامة، وأصبح المجتمع منقسم طبقيا وتعليميا، وانحدر مستوى التعليم، ومستوى العلاج. والغريب أن فتحى سرور كوفئ بعد ذلك برئاسة مجلس الشعب خلفا للدكتور رفعت المحجوب الذى تم اغتياله فى اكتوبر1990.

وكان شهر أغسطس 1990 فارقا فى تاريخ مصر والعالم العربى فقد قرر الرئيس العراقى صدام حسين اجتياح الكويت بالقوات العراقية فجر 2 أغسطس ليبدأ فصل جديد من أكثر فصول العالم العربى إثارة، حرك العالم بقيادة أمريكا ضده، ويومها قاد حسنى مبارك الدول العربية فى مواجهة صدام حسين وغزو الكويت وانضم لتحالف دولى بقيادة أمريكا لتحرير الكويت. وفاز بأرباح صبت فى موازنة الدولة منها إسقاط ديون، والحصول على منح، ودعم أمريكى لعملية السلام التى تحركت فى الشرق الأوسط. وفى أحد أيام أغسطس 1990، تم اغتيال الدكتور علاء محيى الدين المتحدث الرسمى باسم الجماعة الإسلامية فى شارع ترسا بالهرم حيث أطلق عليه مجهولون النار واتهمت الجماعة الاسلامية الأمن باغتيال علاء محيى الدين. وفى يوم الجمعة 12 اكتوبر 1990 كان موكب الدكتور رفعت المحجوب متجها للقاء وفد برلمانى سورى فى فندق الميرديان، وعند فندق سميراميس هدأت سيارة المحجوب من سرعتها حتى تنحرف فى اتجاه الكورنيش فى طريقها إلى الميريديان..

وفى لحظات خرج من تحت الأرض أربعة شبان لا يزيد أكبرهم على 25 سنة، يركبون دراجتين بخاريتين ويحملون أسلحة آلية حاصروا السيارتين ثم ترجلوا وراحوا يطلقون النار على من فيهما بلا توقف.. ومن بين 450 طلقة خرجت من أسلحتهم استقرت ثمانين طلقة فى جسد الدكتور رفعت المحجوب وحارسه الشخصى الجالس إلى جواره المقدم عمرو سعد الشربينى وسائقه كمال عبدالمطلب وموظف بمجلس الشعب هو عبدالعال على رمضان. نفذت العملية بدرجة عالية من الاحتراف.. واستقل الجناة الموتوسيكلين وهربوا فى الاتجاه المعاكس، إلا واحدا لم يتمكن من اللحاق بهم فأجبر سائق تاكسى على حمله.. وعند إشارة فندق رمسيس هيلتون غادر التاكسى شاهرا سلاحه وحاول بعض المواطنين الإمساك به إلا أنه أكمل مهمة إطلاق النار وتسلل إلى منطقة المول التجارى للفندق إلى المنطقة العشوائية القريبة واختفى. كان هناك ضحية أخرى ساقها قدرها هو العميد عادل سليم بمباحث القاهرة، تلقى بلاغا بغرق شاب فى النيل فجاء هو والملازم أول حاتم حمدى إلى مكان الحادث، وحاول مطاردة المتهم الهارب بسيارته وهو فى سيارة التاكسى ولحق به فى إشارة المرور القريبة من هيلتون رمسيس لكن المتهم أفرغ فيه دفعة رشاش قتلته فى الحال وأصابت مساعده. قال شهود عيان إن الجناة ليسوا مصريين، وقال موظف بشركة لتأجير السيارات «ملامح الجناة ليست مصرية»..

بينما قال موظف بهيلتون رمسيس: «المتهم الهارب كانت لهجته شامية».. ونشرت الصحف رسومات تخيلية للجناة بدت فيها ملامحهم خليجية أو فارسية، وصدرت صحف اليوم التالى وأغلبها ينسب لمصادر أمنية أن الجريمة قادمة من الخارج. كان واضحا أن الجناة لديهم معلومات دقيقة سهلت عملهم، منها علمهم بموعد لقاء بين المحجوب ورئيس البرلمان السورى، والطريق الذى سيسلكه ولحظة وصوله إلى المكان المتفق عليه لإطلاق النار عليه.. اللافت للنظر أن الطريق أغلق فى وجه وزير الداخلية وهو فى طريقه إلى مكتبه ثم فتح ليمر منه رئيس مجلس الشعب السابق ليلقى حتفه. وقالت تقارير أمنية وصحفية إن الجناة كانوا يستهدفون وزير الداخلية عبدالحليم موسى، ردا على اغتيال علاء محيى الدين المتحدث الرسمى باسم الجماعة الإسلامية. وفى المحاكمة قال ضباط أمن الدولة إن قتل الدكتور رفعت المحجوب كان رد فعل لاحتجاز زوجات أمراء الجماعات قبل الحادث بنحو شهرين ونصف الشهر.. ومنهن فاطمة معوض زوجة صفوت عبدالغنى المتهم الأول فى القضية والسيدة وحيدة عبدالمقصود زوجة عبود الزمر.. ولكن.. الشهود لم يتعرفوا على واحد من المتهمين الذين عرضتهم عليهم المحكمة. أجهزة الأمن قبضت على مئات من أعضاء الجماعات الإسلامية وقدمت 27 منهم إلى محكمة أمن دولة العليا طوارئ فى 10 يونيو 1991 وبعد 100 جلسة انتهت المحكمة إلى قرارها فى 10 يونيو 1993 إلى براءة 17 متهما وسجن عشرة من 3 إلى 15 سنة بتهم ليست لها علاقة بجريمة القتل.. منها التزوير وإحراز مفرقعات وأسلحة وكارنيهات نقابة المحامين. لم تأخذ المحكمة باعترافات المتهمين خاصة طالب الهندسة وقتها محمد النجار الذى قبض عليه أمام كليته فى يوم 27 أكتوبر 1990 بعد أن شاهد زميلين له يسقطان قتلى برصاص الشرطة.. بل إنه هو نفسه أصيب برصاصة فى رقبته.. وقالت المحكمة فى حيثياتها : «إن الشرطة كان يسهل عليها قتله لكنها ردت إليه حياته حتى يكون تحت سيطرتها ينفذ مطيعا ما يطلب منه وما يؤمر به..

بل كان يزيد على رجالها تطوعا وتزلفا فضلا عن التعذيب الذى كان يتعرض له حتى جعلوا منه راويا للأقاويل التى يلقنونها له ليدلى بها فى التحقيقات معتمدا على ذاكرته».. محمد النجار فى الجلسات الأخيرة من المحاكمة تراجع عن كل ما قال صارخا: «إنهم يضربوننى فى مكان لا أعرفه، يأخذوننى من السجن إليه والاعترافات التى أدليت بها كلها بناء على كلام ضباط أمن الدولة الذين أملونى الإجابات والشهادات». وفجر الرائد محمد بركات مفاجأة أشار إليها منتصر الزيات فى كتابه «من قتل المحجوب؟» «اقتصر دور أمن الدولة فى عملية القبض على محمد النجار على تأمين المكان وتولت جهة غامضة مجهولة قيادة وإدارة العملية.. هى التى ضبطت محمد النجار.. وتساءل منتصر الزيات: «لو كانت هذه الجهة مصرية لما خفيت على الشهود لأن جهات الأمن المصرية على تعددها تعرف بعضها البعض.. فمن الذى قبض على محمد النجار؟.. هل هو الموساد؟ أم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كما أن بعض أمناء الشرطة أكدوا فى التحقيقات وجود جهة أخرى لا يعرفونها ولكن كان هناك اتصال لاسلكى بها».

المستشار وحيد محمود رئيس محكمة الاستئناف الأسبق الذى أصدر الحكم ببراءة المتهمين باغتيال المحجوب تحدث لجريدة الوفد فى 21 إبريل 2011، وقال: شعرت بالتناقض فى الأدلة التى جمعها ضباط أمن الدولة وتناقض الأقوال ورأيت أن الجهاز يحاول إقامة الدلائل على أشخاص معينين، ولا أستطيع الجزم بالتلفيق لكنهم بالغوا فى إثبات التهمة وتم قتل اثنين من منفذى العملية. المستشار وحيد محمود نفى أن يكون أى طرف فى الدولة تدخل أو أنه تعرض لأى ضغوط. والمفارقة أن المحامى عبدالغفار محمد عن المتهمين بقتل المحجوب، هو نفسه رئيس محكمة أمن الدولة العليا التى نظرت أكبر وأهم قضية فى عهد مبارك، وهى قضية الجهاد الكبرى التى ضمت 302 متهم، سواء المشاركون والمخططون لاغتيال الرئيس السادات عام 1981 وقلب نظام الحكم، واستمر نظرها نحو 4 سنوات، وكان على رأس المتهمين أيمن الظواهرى، وعمر عبدالرحمن وجميع قيادات الجماعة الإسلامية.. وفى 30 سبتمبر 1984 حكم ببراءة مائة وتسعين متهماً، وثلاثة وثلاثون حكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات وسبعة عشر متهما أخذوا حكما بالمؤبد، وباقى المتهمين أخذوا أحكاما ما بين السجن خمسة وعشرة وخمسة عشر عاما. وخرج عبدالغفار على المعاش 1989 واشتغل بالمحاماة، وتولى الدفاع عن بعض من شاركوا فى اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الراحل، الذى كان صديقه وزميله. وقال المستشار وحيد محمود إنه لا يعرف من قتل المحجوب وإنه أصدر حكمه ببراءة المتهمين باغتيال المحجوب بعد التيقن، وكانت هناك 6 من زوجات المتهمين اعترفن على أزواجهن ورد القاضى: أعرف واحدة منهن وهى زوجة ممدوح يوسف التى اعترفت بأن زوجها أخبرها بقتله للمحجوب واعترفت فى النيابة لكنها عندما حضرت إلى المحكمة أنكرت فأحضرت نصا قانونيا يقضى ببطلان شهادة الزوجة على زوجها إذا أسر إليها بسر وتكون شهادتها باطلة مثلها مثل الطبيب أو المحامى. وقال: إن المتهمين تعرضوا لتعذيب شديد لو أننى تعرضت لمثله لاعترفت بقتل حسنى مبارك. لكن القاضى نفى أن يكون تعرض لأى ضغوط من السلطة التنفيذية أو من الرئيس مبارك وقال: لو مورست أى ضغوط لتنحيت على الفور..

وأشهد أن القضاء كان مستقلا. وقال إن جهاز مباحث أمن الدولة وقع فى تناقضات فى أماكن ضبط المتهمين والسلاح المستخدم، قالوا إنه أكثر من سلاح واتضح أنه سلاح واحد. غير التناقض فى أقوال الشهود «كل ذلك شككنى فى التحريات، نافيا أن يكون لديه علم بأن أطرافا فى الدولة متورطة فى اغتيال المحجوب». وطلبت المحكمة حضور وزير الداخلية عبدالحليم موسى ويقول القاضى: طلبته فى المحكمة وسألته واقفا والطريف أن المتهمين أشاروا عليه بالجلوس فقلت لهم «يعنى قلبكم عليه قوى ده كان هو المستهدف». وقال القاضى: إن وزير الداخلية أكد أن مرتكبى الحادث ليسوا مصريين وهذا كان بفعل أجنبى. ظل حادث اغتيال رفعت المحجوب لغزا ما تزال هناك محاولات لفك مفاتيحه، وهل كان الاغتيال بداية عصر أم نهايته. لكنه كان مقدمة لموجة من العنف والإرهاب، استمرت سنوات، وبقى اغتيال المحجوب لغزا ثارت حوله أقاويل، لكنها تبقى بلا أدلة ولا قرائن، فقد ظهرت أقوال وبلاغات ونسبت اتهامات إلى أسرة الراحل الدكتور رفعت المحجوب اتهمت مبارك وأطرافا من النظام بالتورط فى اغتياله لأنه كان يمثل عقبة أمام ترتيبات سياسية. ونسب لأسرة المحجوب أقوال بأنه كان يملك خزانة مستندات، حصل عليها من علوى حافظ حول شركة السلاح التى ساهم فيها حسنى مبارك مع حسين سالم والمشير أبوغزالة، وأن علوى حافظ أعطى نسخة للمحجوب، رفض رئيس مجلس الشعب إعطاءها لصفوت الشريف عندما طلبها بتعليمات من مبارك. وفى جلسة مجلس الشعب برئاسة المحجوب فى 5 مارس 1990 فجر عضو مجلس الشعب الراحل علوى حافظ قضية تجارة السلاح المتورط فيها حسين سالم صديق مبارك ومنير ثابت واللواء عبدالحليم أبوغزالة مع شركة «الأجنحة البيضاء» الأمريكية واتهمهم بالتلاعب بالمعونات. وكان يشير بالاتهام إلى مبارك. وأثناء الاستجواب حمل صفوت الشريف تعليمات من مبارك أرسلها إلى الدكتور رفعت المحجوب طالبه فيها بشطب كل الأسماء التى ذكرها علوى حافظ من المضبطة. وبالفعل فإن المحجوب شطب بنفسه كل الأسماء، وقرر حفظ الاستجواب والعودة للجدول. كانت هذه القضية أحد أهم القضايا التى لاتزال غامضة فى سجلات السياسة، وكانت سببا لاتهامات وجهت لمبارك وحسين سالم والعلاقة بينهما. وقد أشار إليها كارم يحيى فى مجموعة تحقيقات استقصائية بالأهرام «رحلة البحث عن حسين سالم». الدكتور رفعت المحجوب كان من ضمن العشرة المعينين بالمجلس لكنه دخل فى مواجهات مع وزير السياحة فؤاد سلطان الذى كان يتحالف مع نواب الوفد فى الحملة على القطاع العام وكانت هناك مواجهة بين المحجوب وفؤاد سلطان فى فبراير 1988 تحت قبة البرلمان وكان المحجوب اعتاد النزول من منصة رئيس الجلسة إلى منصة الأعضاء ويومها قال لفؤاد سلطان «النهارده هنسمح ببيع الفنادق وبكره نسمح ببيع المصانع والشركات والمستشفيات.. من الشيطان الذى يقف وراء هذا كله؟». ويومها نقل البعض لمبارك تفسيرات بأنه يقصده بالإشارة. كان مبارك مترددا بين تيار الخصخصة، ويتراجع أمام هجوم السياسيين من أنصار مكتسبات ثورة يوليو، داخل الحزب الوطنى ومنهم الدكتور رفعت المحجوب. ..!!