الأقباط متحدون - فخ «التكفير» (1)
  • ١٨:٣٢
  • الاربعاء , ١٠ اكتوبر ٢٠١٨
English version

فخ «التكفير» (1)

مقالات مختارة | د. محمود خليل

٤٥: ٠٦ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٠ اكتوبر ٢٠١٨

د. محمود خليل
د. محمود خليل

الظلال السياسية لتهمة الزندقة (التكفير أو اتهام الغير بالإلحاد) تبدو أكثر تمدداً واتساعاً من الظلال الدينية. تلك نتيجة يمكن أن تستخلصها بسهولة من مطالعة ما سطرته كتب التراث حول أشهر «الزنادقة» وتجاربهم فى «الزندقة». الزندقة فى التعريف اللغوى العربى تعنى: «إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وتطلق على كل شاكّ ملحد ضال». هذا التعريف الذى يتبناه العرب للزندقة ينطق بالسياسة، وليس بالدين، إذ يقوم على فكرة التفتيش عن النوايا، ولا يعلم نية العبد سوى خالقه. وليس من حق عبد أن يتهم عبداً مثله بأنه يُظهر الإيمان ويبطن الكفر، فهلّا شقّ عن قلبه؟، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأسامة بن زيد، عندما حكى له أنه قتل مشركاً شهد قبل أن يموت بألا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وذكر للنبى أن المشرك كان يردد الشهادة تقية الموت، فسأله النبى: «هلّا شققت عن قلبه؟».

فى عدد من كتب التراث تجد ذكراً لبعض الأفكار التى تبناها الزنادقة، لكنها تمر عليها مروراً سريعاً. وهى تعكس فى المجمل رغبة فى التشويه وتبرير الاتهام بالمروق عن الدين، وما يترتب عليه من إجراءات يتخذها مَن يجلس على كرسى السلطة من أجل الانتقام من خصومه السياسيين. من هذه الأفكار إسقاط بعض الفروض والتكليفات الدينية، مثل الصلاة أو الصيام وغيرهما. وهى تهمة تجد جذورها فى تفاعلات حروب مانعى الزكاة والمرتدين فى عصر أبى بكر الصدِّيق، وهى الحرب التى اختلطت فيها الأهداف السياسية بالأهداف الدينية، بصورة يصعب معها الفصل بين النوعين من الأهداف، لكننا نستطيع التأريخ للظهور الصريح لتهمة الزندقة بالصراع السنى - الشيعى، حين مال المتشيعون إلى اتهام حكام بنى أمية بالزندقة، وأنهم ورثوا الإسلام ولم يؤمنوا به. وهو الاتهام الذى كان يقابل بدفاع مستميت من جانب أصحاب المذهب السنى. ظلت التهمة السياسية المتسترة بالدين تنتقل جيلاً بعد جيل حتى وصلت إلى تاريخنا الحديث، فتجلَّت فى الكثير من الخصومات السياسية التى اشتعلت فى عهد محمد على باشا، ثم استخدمتها بعد ذلك الجماعات الإسلامية التى ظهرت على الساحة السياسية، فجعلت من «التكفير» أداة أساسية من أدوات مخاصمة الدولة والمجتمع. ليس الجماعات وفقط، بل لقد لجأ بعض الساسة والحكام إلى توظيف «الزندقة» والاتهام بالكفر والإلحاد كوسيلة لمناجزة الخصوم السياسيين. ولعلك تذكر أن الرئيس «السادات» -رحمه الله- كثيراً ما كان يستخدم هذه التهمة فى وصف المعارضين له، خصوصاً من أبناء التيار اليسارى. وكأنه أراد أن يُحيى سلاحاً أساسياً من «أسلحة الخصومة السياسية»، اقترن بالعديد من الفترات من تاريخ التجربة السياسية الإسلامية.

فى كل الأحوال نستطيع القول بأن الأصل السياسى لتهمة الزندقة واضح فى الكثير من حكايات التراث، خصوصاً تلك الحكايات التى تقص علينا فصولاً من تاريخ الصراع على الحكم، سواء تدثر هذا الصراع بثوب مذهبى (سنى - شيعى)، أو بثوب سياسى محض فوقع بين (حاكم ومعارض).
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع