الأقباط متحدون - يا لها من امرأة مختلفة؟
  • ١٦:٤٤
  • الاثنين , ٨ اكتوبر ٢٠١٨
English version

يا لها من امرأة مختلفة؟

مقالات مختارة | نوال السعداوي

٢٧: ٠٦ ص +02:00 EET

الاثنين ٨ اكتوبر ٢٠١٨

نوال السعداوي
نوال السعداوي

الأيام الأخيرة من سبتمبر ٢٠١٨ أشرقت الشمس فى مدينة جوتنبرج بالسويد، حيث كان مهرجان الكتاب العالمى، وكنت هناك، فأنا أحب الشمس حين تشرق فى أقصى الشمال الأوروبى، بعد غيابها طول العام، والسويد بالذات، هى أكثر بلاد العالم تقدما فى العلاقات بين النساء والرجال.

فى الطائرة من مدينة جوتنبرج إلى مدينة ميونيخ بألمانيا بعد انتهاء المؤتمر أول أكتوبر، رأيت عنوانا كبيرا على غلاف مجلة التايم، يقول «خلق الرجال والنساء متساوين»، يبدأ الموضوع كالآتى: «يشعر الآباء المستنيرون فى السويد بالراحة والأمان فى ذكورتهم»، وهذا صحيح فى رأيى، شهدت فى أولى رحلاتى للسويد، منذ نصف قرن، الآباء السويديين يحصلون على إجازة من العمل لرعاية المولود أو المولودة، وإجازة أيضا لمشاركة الزوجة فى آلام الوضع والولادة، وأصبح الكثيرون من الآباء السويديين يفضلون العمل مع الأطفال عن العمل فى الشركات الجشعة والمؤسسات الرأسمالية التى تستنزف دمهم وتفرض عليهم التنافس والصراع.

إلا أن الآباء يختارون العمل مع الأطفال ولا يفرض عليهم بالقوة والإجبار، ويتقاضون رواتب كبيرة مقابل رعايتهم للأطفال والمواليد، لكن الأم فى أغلب بلاد العالم تقوم بهذه الأعمال دون أجر أو بالمجان، ضمن واجبات الأمومة المقدسة المفروضة بالقوة، بالضغوط الاجتماعية والدينية والسياسية، ولخدمة الأسرة التى يملكها الأب وتحمل اسمه بحكم القانون. لهذا كانت الأمومة، وتظل حتى اليوم، هى السجن الأبدى، الذى تحبس فيه أغلب النساء قهرا، بأمر الآلهة الذكور، منذ نشوء النظام الطبقى الأبوى فى التاريخ.

دار الحوار الرئيسى فى المؤتمر بينى وبين الكاتب السويدى الاشتراكى المتقدم فكريا «جوهار بن جلول»، وهو المحرر فى أهم جريدة بالسويد: داجينز نايهتر.

أهم الحوارات تمت بينى وبين المهاجرين إلى السويد من البلاد العربية، نساء ورجالا وشبابا، أغلبهم قرأوا كتبى بالعربية أو المترجمة إلى السويدية، شعرت بينهم بالحنين للوطن والأهل، وتشعب الحوار من السياسة الدولية إلى العربية، ومن الأدب إلى الطب، ومن قضايا النساء والرجال إلى قضايا العمال والفقراء.

أدركت ارتفاع مستوى الحوار وكم يلعب السفر خارج الوطن دورا فى تطور الفكر واتساع المدارك والتخلص من الثوابت والمحرمات السياسية والدينية، كانت أغلب المهاجرات من سوريا والعراق وكردستان وليبيا والسودان واليمن ولبنان، أكثر تقدما من غيرهن، تلعب المعاناة والألم دورا فى التطور والنضج، وتتطور النساء المهاجرات أسرع من الرجال، فالرجل يتشبث أكثر بالميزات الاجتماعية والجنسية والاقتصادية والسياسية التى يمنحها له النظام الأبوى الدينى السائد عالميا ومحليا.

رافقتنى فى هذه الرحلة إلى المهاجرين والمهاجرات الأستاذة «آنا سودسروم»، الرائدة الاجتماعية فى السويد، اشتغلت فى البرلمان السويدى مع الحركة النسائية الاشتراكية، وهى أيضا رئيسة المركز العالمى الذى يحمل اسم «أولوف بالم»، رئيس وزراء السويد الذى تم اغتياله عام ١٩٨٧، بسبب دفاعه عن حق شعب جنوب أفريقيا فى التحرر من حكم الأبارثايد العنصرى، وحق الشعب الفيتنامى فى التحرر من القبضة العسكرية الأمريكية، وتقول السيدة «آنا سودسروم» كان «أولوف بالم» إنسانا مناضلا من أجل تحرر الشعوب، لهذا أنشأنا هذا المركز العالمى باسمه عام ١٩٩٢، لاستمرار العمل بمبادئه وأفكاره عن المساواة والعدل والسلام، وهو مظلة الحركة العمالية لتحرير النساء والفقراء من طغيان الرأسمالية.

نشأت «آنا سودسروم» فى طبقة متوسطة، لكن جدها كان عاملا فقيرا يقطع الأحجار فى الجبل، وقد هاجر أبوها إلى السويد وعمره ثلاث سنوات مع أمه الوحيدة، بعد انفصالها عن أبيه، وعاش مع زوج أمه الفظ الذى أذاقه العذاب، فقرر أن يربى ابنته «آنا سودسروم» لتحارب الظلم وتسعى للحرية والعدل بكل ما تملك من طاقة وفكر، يا لها من امرأة مختلفة؟.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع