الأقباط متحدون - 100 مليون صحة
  • ٢٠:١٨
  • الخميس , ٤ اكتوبر ٢٠١٨
English version

100 مليون صحة

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٥٩: ٠٦ ص +02:00 EET

الخميس ٤ اكتوبر ٢٠١٨

سحر الجعارة
سحر الجعارة

كان أول الوجع مع الكاتب الصحفى الكبير «مجدى مهنا»، كان «مجدى» كتوماً، لا يعرف الشكوى، ولا يبوح بآلامه، ولا حتى بهزائمه المهنية.. وحين نقلت قناة «دريم» لقاءً للكاتب «محمد حسنين هيكل» وتحدث خلاله عن «توريث الحكم»، قامت الدنيا ولم تقعد إلا بإقالة «مجدى» من منصبه كرئيس تحرير لجريدة «الوفد»، خاصة أنه حاور الدكتور «أحمد بهجت»، مالك القناة.. تحدثت إليه فجاءنى صوته مطمئناً، وقال ببساطة إن «هيكل» قال له: «ما دمت تكتب، لا تهم المناصب».. لم يكن أحدنا يتصور أن هذا الكائن النورانى، الذى لم يعادِ أحداً فى حياته على الإطلاق، ولم يندم على ما قدّمه للمهنة والعمل النقابى وللحياة يعانى فى صمت.. وأن كبده يتآكل بفعل «فيروس C»!.

وأنه يبحث عن متطوع بـ«فص كبد» ليُجرى جراحة لزراعة الكبد.. الغريب أنه فى نفس الوقت كنت أعانى من محنة إنسانية حادة، وكان «مجدى» أول من بادر بالوقوف إلى جوارى ومنحنى بعضاً من نوره ليدلنى على طريق الخروج (!!).. دون أن ينتظر كلمة تقدير أو ثناء، كان كل همه أن أقف مرة أخرى على قدمى وأن أتشبث بقلمى لأنجو من دوامتى.. وكان رجل الأعمال المعروف «صلاح دياب» قد قرر أن يتحمّل مصاريف علاج «مهنا».. الكاتب الذى كان يسجل برنامجه ويكتب «فى الممنوع»، وهو يتألم فى صمت!.

كان كما كتبت عنه من «الذين يحترقون فجأة»، ومن الذين يحترفون عشق الحياة، ولم تكد فرحتنا تكتمل بنجاة «مهنا»، حتى علمت منه بأن الفيروس تحور، وأن «دلالات الأورام» ارتفعت، وهذا معناه أن «السرطان» قد انتشر بجسده.. هذا الحوار الغريب دار بيننا بعدما سجلت معه حلقة عن «زراعة الأعضاء».. كنت أحاوره، وفى المقابل كانت الكاتبة «صافيناز كاظم» شديدة القسوة، تدوس على جراحه بكل شراسة، وكأنها فى «حلبة مصارعة»!.

ثم تكرّرت المأساة بنفس تفاصيلها مع اختلافات طفيفة، مع أقرب الأصدقاء الذى أعزه كمن يحتضن جرحه نازفاً، وكأننى أهمس لنفسى بمقولة الأمهات الشهيرة: «يا كبد أمك».. وهو تعبير شديد الدقة فى وصف العلاقة الروحية التى تربط الأشخاص بأحبائهم.. لكن فى هذه المرة عشنا تنويعات على نفس نغمة الحزن، وكأن المكتوب علينا أن «نغنى ونحارب» كما يقول أهل الشام، أو نرقص دائماً «كالمذبوح من شدة الألم».. هاجم فيروس C كبد صديقى «المزروع» بضراوة، ولم يكن فى قوة بأس «مهنا»، ولا فى تمسكه بالحياة.

كان صديقى يائساً، مكتئباً رافضاً للعلاج بعقار «الإنترفيرون» الذى لا يتحمّل آثاره الجانبية إلا القليل من البشر.. ولم يكن عقار «السوفالدى» قد دخل إلى مصر، وفرض علينا أن نستورد ثلاث علب، بما يعادل نحو 200 ألف جنيه.. حتى تنتهى مفاوضات الأستاذ الدكتور «عادل عدوى»، وزير الصحة الأسبق، مع الشركة المنتجة لعقار «السوفالدى» لتحصل عليه مصر بسعر زهيد.. وبالفعل نجح «عدوى» فى التوصّل إلى اتفاق مع الشركة وأكمل صديقى علاجه بيسر!.

لماذا تذكرت هذه المآسى الآن، وتذكرت كل من عرفتهم يتعالجون بالإنترفيرون أو السوفالدى، تذكرتهم مع بدء حملة الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، تحت شعار «100 مليون صحة»، للقضاء على فيروس C، والكشف عن الأمراض غير السارية، التى تستهدف نحو 50 مليون مواطن مصرى.

وتسعى الحملة إلى الكشف المبكر عن الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدى C، إلى جانب التقييم والعلاج من خلال وحدات علاج الفيروسات الكبدية المنتشرة فى جميع محافظات الجمهورية، وكذا الكشف المبكر عن السكرى وارتفاع ضغط الدم والسمنة.

وكنت أتمنى على السيد الرئيس أن تتضمّن الحملة التطعيم ضد فيروس B، وهو الأكثر شراسة، لأنه يتحول إلى خلايا سرطانية.. كما أناشد السيد الرئيس، (لأنه الوحيد القادر على الإصلاح بحكم صلاحياته الدستورية)، ألا يتحمل المواطن البسيط تكاليف ما يكلف سيادته وزارة الصحة به من مبادرات، سواء علاج «الحالات الطارئة» أو علاج فيروس C.. فلا نجد أخباراً هنا وهناك تؤكد وضع مبالغ كبيرة على «المواطن الغلبان» عند استخراج رخصة القيادة أو السيارة أو استخراج جواز السفر أو تجديده «لصالح وزارة الصحة».. لأن هذه الأخبار -إن صحت- تهدر القيمة المعنوية والسياسية لتلك المبادرات.

«100 مليون صحة» هى مبادرة القيادة السياسية، ولا يجوز لصغار المسئولين والقائمين على تنفيذها أن يفسدوها.. اقرأ المقال من أوله، وساعتها ستذهب لتطمئن على صحتك بالكشف المبكر والعلاج إن كنت تحتاجه.. و«100 مليون صحة».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع