الأقباط متحدون - الأقباط بين الدولة والمجتمع والكنيسة (2)
  • ٠٨:١٨
  • الاربعاء , ٣ اكتوبر ٢٠١٨
English version

الأقباط بين الدولة والمجتمع والكنيسة (2)

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٠٠: ٠٥ م +02:00 EET

الاربعاء ٣ اكتوبر ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

كمال زاخر
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
من اللافت أن يصير الأقباط (المصريون المسيحيون) محل تساؤلات عندما يكون الطرح متعلقاً بالعمل السياسى، من يمثلهم؟، ووضعية الكنيسة فى هذا السياق، وهل لها دور سياسى؟، وهل هى بهذا تعمل بالوكالة عنهم؟، وهى اسئلة تكشف عن اختلالات فى استيعاب مفهوم الدولة القومية، التى تقوم بالأساس على قاعدة المواطنة التى تقفز فوق الإنتماءات الضيقة والذاتية؛ الدين أو النوع أو العرق أو النطاق الجغرافى وغيرها من سلسلة الإنتماءات، وفيها يتحول التعدد والتنوع إلى قيمة إيجابية مضافة إلى الوطن.

وقد استعرضنا فى الجزء الأول من هذا الطرح طيف من وضعية الأقباط فى مرحلتى السادات ومبارك، على أن الأمر فى جذوره لا يتعلق بنظام سياسى أو توجه الدولة فى مرحلة من المراحل، فهو يواجه كل من يقلب فى صفحات وسطور التاريخ الحديث، بتنويعات مختلفة، ولعلنا نذكر أن العهد الملكى قبل ثورة يوليو 52 كان شغوفاً بتوظيف الدين لحساباته السياسية، وقد شهدنا سعى الملك فؤاد، ومن بعده الملك فاروق، ليصبح كل منهما فى وقته خليفة للمسلمين، فى مزايدة على طرح الإخوان وقتها، (1928)، والذى جاء بعد سقوط الحلقة الأخيرة فى الخلافة الغابرة وهى الدولة العثمانية، (1923)، والتى افسدها انتباهة الوفد والنحاس باشا.

لم تدرك منظومة يوليو 52 هذا فذهبت إلى مزايدة من نوع أخر، فحولت الأزهر من مؤسسة دينية فقهية تراثية، إلى جامعة مدنية تضم كل الكليات العلمية، توفرت لها امكانات لوجستية كبيرة، فاذا بها نداً لوزارتى التعليم ما قبل الجامعى والتعليم العالى، وتنتشر عبر سلسلة المعاهد الأزهرية لمراحل ما قبل الجامعة، فى القرى والنجوع، وتسبق الجامعات المصرية فى كلياتها ومدنها الجامعية، وتقتصر فى القبول فيها على المسلمين دون غيرهم، وتؤسس مدينة للبعوث الإسلامية تستقبل فيها طلاباً من ارجاء العالم (الإسلامى). وكان لهذا أثره السلبى على مسارات الإندماج الوطنى، وصارت واحدة من علامات التمييز، بالمخالفة للقواعد الدستورية المصرية والأممية الموقعة عليها مصر والملتزمة بها.

وتعلن الثورة عن سياسة "تمصير مصر" كان هدفها المعلن إحلال المصريين محل الأجانب فى الدواوين والمصالح والشركات، بينما جاء التطبيق يحمل طيفاً من التمييز ضد الأقباط، فى التعيينات الجديدة ليتقلص وجودهم فى هذه الدواوين والمصالح والشركات، ويمتد إلى بعض الوظائف العليا خاصة فى الأجهزة السيادية، ويتواكب معها موجة التأميمات التى شملت الكثير من الشركات والأنشطة وكان نصيب الأقباط الأوفر فيها، واللافت ان هذه الثلاثية انطلقت فى تزامن ملحوظ، مع بداية عقد الستينيات من القرن العشرين.

كان رد الفعل لدى الأقباط فى اتجاهين؛ الأول للقادرين والمتضررين بالإتجاه إلى الهجرة الدائمة للغرب، ليشكلوا القاعدة الأساسية لأقباط المهجر، والثانى للغالبية بالداخل بالإنكفاء على الذات والتحصن بأسوار الكنيسة، الأمر الذى حمل الكنيسة مهمة ليست لها، أمام الضغط الشعبى القبطى، وأمام مسئولية حماية وجودهم، ولم يكن هذا الأمر بادياً فى فترة (عبد الناصر / البابا كيرلس السادس) ربما لوهج الشخصيتين وعدم اكتمال منظومة استهداف الأقباط، وربما بفعل المشروع القومى والحلم القومى، لكن الدور السياسى الفج كان أكثر حضوراً فى المرحلة التالية (السادات / البابا شنودة) ربما بفعل هزيمة يونيو 67 والغياب المباغت والدرامى لعبد الناصر، وربما بسبب تحالفات السادات مع التيارات الإسلامية الراديكالية التى اشرنا اليها قبلاً، وربما لطبيعة الشخصيتين السياسية وطموحاتهما.

وشكلت تحالفات السادات تلك دفعة جديدة فى رد فعل الأقباط، فى ذات الإتجاهين، إذ نشهد موجة تالية من الهجرة الدائمة الى الغرب، من أجيال جديدة ولأسباب مغايرة، ويزداد اللجوء الى اسوار الكنيسة مما يعطيها ثقلاً سياسياً أمام الدولة، الأمر الذى تجلى مع حكم مبارك، فصارت مطالب الأقباط تنطلق من حناجر شباب الأقباط متحصنين بأسوار الكنيسة، ويترجم المشهد ما أوجزته كلمات الدكتور ميلاد حنا، عن ثلاثية الدولة والأقباط والكنيسة.

وتأتى السياسات الإقتصادية الفاسدة والعشوائية والتراخى، وربما القصور، فى حماية الأقباط من هجمات الجماعات الإسلامية المسلحة خاصة فى محافظات الصعيد ذات التواجد المسيحى المكثف، لتؤكد على اختيارات الأقباط فتشهد الهجرة موجات جديدة، تتقدهما الهجرة لأسباب دينية، تضمن قبولها فى دول المهجر، تلتحم بالموجات السابقة لها، وتشكل اداة ضغط تحركها خبراتها المؤلمة، التى دفعتها للهجرة، وتصبح عرضة للتوظيف السياسى من قبل جماعات الضغط واللوبى المناوئ للنظام السياسى عندنا، وتُحمل الدولة الكنيسة مهمة تهدئة اقباط المهجر، دون أن تحرك ساكناً نحو تجفيف المنابع وعلاج الأسباب.
وهكذا نجد انفسنا أمام كنيسة مدفوعة من قبل الإنظمة السياسية المتعاقبة، قبل وبعد 52، للقيام بدور سياسى ليس لها وفقاً لقواعد تكوينها التى تحتم عليها الفصل بين ما هو لله (العمل الروحى والرعوى) وبين ما هو لقيصر (العمل السياسى).

ظنى أن حراك ثورتى 25 يناير / 30 يونيو يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتصحيح جملة العمل السياسى الإعتراضية ـ التى اقتحمت الكنيسة فى ظرف استثنائى ـ من خلال العمل الممنهج لتأسيس دولة المواطنة التى تقوم على محاور العدالة والمساواة عبر آلية القانون، لتسترد الأقباط من خلف اسوار الكنيسة إلى براح الوطن، من خلال اعادة بعث الشارع السياسى فى صحيحه، ودعم الإعلام الوطنى بنوافذه المتعددة، والخروج من مسار المونولوج إلى مسارات الديالوج، والتعامل بحسم مع محاولات تديين الفضاء العام.

ولن يستقيم هذا إلا بالتعامل مع الشأن القبطى باعتباره شأناً وطنياً، والكف عن اعتباره ملفاً أمنياً، تحال اشكالياته إلى الأجهزة الأمنية، والمحكومة بمنهجية ومهنية وأدوات عمل لها قواعدها، فتجد نفسها أمام تشابكات مجتمعية وتاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية ودستورية لا تملك ادوات تفكيكها.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع