الأقباط متحدون - الى الانبا بيشوى (العالى والسامى)
  • ١٧:١٧
  • الاربعاء , ٣ اكتوبر ٢٠١٨
English version

الى الانبا بيشوى (العالى والسامى)

البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين

مساحة رأي

١٠: ١٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٣ اكتوبر ٢٠١٨

 الانبا بيشوى
الانبا بيشوى

كلمات من القلب (الساعة الرابعة صباحا يوم الاربعاء 4 اكتوبر 2018 ).
(المسيح لم يفتش عن أبطال صامتين ’ وقد توجع هو حتى درجة (الشك) فى أن الله الأب قد تركه !) المطران جورج خضر

الأب اثناسيوس حنين – اليونان

نعم سيدى لم تكن أبدا من الأبطال الصامتون !

لا أكتب لكى أنعيك ’ فسوف يتسابق الخطباء والمفوهون والفاهمون’ الشامتون منهم والموضوعيون ’ النفسانيون منهم والروحانيون ’ الناموسيون منهم واللاهوتيون ’ وأنت لهم خير خطيب ومعلم ومفوه ’ وكما لا أسطر هذه السطور لأرثيك لأن الرثاء هو للموتى ’ ونحن لا ننبش القبور بل نذهب لنسجد عند القبر الفارغ ونحن فى العهد الجديد قد أنتقلنا من كثرة السنين وعددها الى نوعية الحياة وعدتها ’فالقيامة قد ألقت وشاحهها على العمر وابتلعت أمتداده فى ضيائها فأضحى سحرها أكثر جاذبية من أفقية السنين وعددها وبتنا نتذوق القياميات هنا نكهة الحياة ومعناها. واكتبها قبل أن يواروك الثرى حتى تسمعنى فى رقادك لأننى ’ وللأسف ’ لم يمكننى التواصل معك فى أواخر أيام حياتك ! وأنت ’ وبالرغم من رحيلك المبكر (1942 -2018 ) ستظل حيا بانجازاتك وقائما بحضورك ’ وعلامة حوار عميق وموضع جدل كبيروهى الترجمة الصحيحة من النص اليونانى الذى أحببته لاية (علامة تقاوم ) لوقا 2 ’ 34 ’ كسيدك يسوع ’و سيرتك سيتناولها الباحثون واللاهوتيون ’ بل والمؤرخون لتاريخ مصر المعاصر ’ بما لك ما عليك ’ حسب تعبير معلمك ’ كعلامة من علامات زمان الكنيسة القبطية المعاصرة .

أنت (بيشوى) العالى والسامى وحقا كنت ساميا فى ميلادك اذا انت سليل العائلات الثرية دنيا ودينا ’ وكنت ساميا فى ذكائك اذا تفوقت على أترابك فى أحد أصعب كليات الجامعات ’وهى الهندسة ’ والتى تتطلب ذهنا وقادا وهمة لا تعرف الكلل وطموحا كبيرا ونفسا صلبة ’ وكنت عاليا فى تفوقك ’ اذ تم تعيينك معيدا فى الكلية وانت غض ولم يتجاوز عمرك الخامسة والعشرين ’ كما كنت عاليا فى تجردك و اشواقك الروحية اذ ’ وبمجرد ’ أن سمعت عن يسوع الناصرى من اكابر الروح فى المدينة العظمى الاسكندرية القمامصة بيشوى كامل و تادرس يعقوب ’ أحدهما أمسك بناصية الروح

والسماويات والبساطة والأخر أمسك بتلابيب العلم والابائيات والكثافة ’ أمسكته ’ وأنت شاب فى مقتبل العمر ولا ينقصك جمال الوجه ولا طول القامة وفروعها ولا جاه العائلة ولا أمال المستقبل ’ أمسكته مع عذراء النشيد الفقيرة وأنت الغنى ’ ولم ترخه ! كما كنت عاليا فى تطلعاتك اذا جاورت بطريركا ذو شأن فى الكنيسة وعلامة فارقة فى تارخها وهو البابا شنودة الثالث ’ وكان ’ قداسته ’ من الفطنة والذكاء حيث التقط ذكائك وشم رائحة طموحك ’ وكانت الكنيسة وقتها فى أمس الحاجة لكوادر شابة وشبعانة ! ودفع بك فى الطريق الملوكى الرهبانى والكنيسة القبطية دائما وليدة الصحراء ومن ثم الكهنوتى لكى ما ترتقى سدته وتصعد عتباته بسرعة البرق وفى زمن قياسى وصرت اسقفا فى سن الثلاثين ’ والقضية ليت فى السن لأن الاسقف فى تراث الكنيسة الجامعة هو من كان (دوما مخطوفا الى السماء واللاهوت وينزل الى الدنيا اذا ارسلته اليها النعمة والخدمة ) . الذكاء ليس ذنب والطموح ليس وصمة ’ الذكاء لم يكن ذنبك ’ الذنب هو هو فى الغباء العميم الذى ظنت أنه يحيط بك . أنت جاهدتم لكى تربطم السماويات بالارضيات حسب طاقكتم !. لا ندعى الكمال لأحد وأنت لم تدعيه يوما وأن بدا واضحا فى ثقتكم بانفسكم وموقعكم السامى ’ فلكل جواد كبوة وجل من لا يسهو وهذا سيشكل فصلا من تاريخ كنيسة مصر لابد وأن يكتب بعناية تاريخية وموضوعية علمية وحب روحانى كبير ثيؤلوجى وتواضع مسيحيانى خرستولوجى وامحاء ذات اكليسيولوجى وكلها تعبيرات أحببتموها وأفضتم معنا فى تذوقها والخوض فى غمار أعماقها فى جلسات طالت وقاربنا فيها مطلع الفجر .

عرفناك عاليا فى الاكليريكية ولمسنا فرحتكم الحقيقة بعودتنا من اليونان ظافرون بعلوم الأغريق ولغة الأباء التى أحببتها وأشتقت لاتقانها وتتلمذت لها بصدق وشوق جديد على معطيات واقعنا الكنسى الا ما ندر. ولمست فرحكتم بتعيينى مدرس للباترولوجى .
سيدى

التقيت بكم فى ساحات العلم وقاعات الدرس وبعد أن شرفتمونى بتعليم ’ الباترولوجى ’ ووقتها تكلمت عن أوريجينوس ’ وعند خروجى من قاعة الدرس

الدرس التقيتنى بشوشا وأعربتم عن عدم اتفاقكم مع ما قلته ’ ووعدتنى أن ترد على ما قلته فى محاضرتك ووعدتكم بالحضور للتلمذة . بدايات عالية (بيشوية ) وواعدة ونموذجا لحوار اكليريكى فى حجمك مع لاهوتى علمانى فى حجمى . كنت عاليا فى تطلعاتك اللاهوتية اذ وبالرغم من عدم تمتعكم بفرصة دراسة اللاهوت اكاديميا كما فعلتم مع علوم الهندسة ’ الا أنكم كنتم عصاميا فى تعلمكم اللاهوت بالخبرة والقرأة الشخصية والحوار الهادئ مرة والعنيف مرات مع الدارسين وقد تفوقتم فى فن اللاهوت الدفاعى بمخاطره . كان يذهلنا فيكم ’ ونحن نصحبكم الى المحافل الدولية ’ انكم تحاورون اللاهوتيين الكبار فى العالم بقوة وثقة وان اسعفتكم المراجع وغافلكم الـتأصيل وخانكم التعبير ’آ كنتم ’ بتواضع كبير’ تلجأون الي أهل العلم ’ نحن أخوتك الأصاغر و أذكر انه وحين ارسل اليكم رهبان جبل أثوس رسالة مطولة ردا على تقريركم فى لقاء كبيرهم فى اثينا وكان ضعفى مترجمكم الخاص فى اللقاء وهو من اللقأأت المفصلية فى تاريخ الحوار اللاهوتى مع الروم الارثوكس ’ لم تتورع عن أن تستدعينى مع الصديق د.جوزيف موريس لكى نسهر طوال الليل ’وانتم الاسقف الذى لا ينام ’ لكى ما ننقل لكم الى العربية فحوى الرسالة .

كنت عاليا فى طموحاتك أذا صرت الرجل الثانى فى كنيسة عريقة بحجم الكنيسة القبطية وموضع ثقة بطريركها المطلقة وكنتم جديرين بهذه الثقة وأهلا لها . ونجحتم فى كل مهمة أوكلها اليكم مهما كلفت وكلفتكم وكلفت الكنيسة .كانت الكنيسة عندكم ’ كما عند الاقباط منذ الفتح العربى ’ هى البطريرك . كنتم أمينا لتراث لم تخترعوه بل ورثتموه ! خاصة أن الاقباط باتوا مستضعفون ويشعرون أن لا دور لهم ولا كلمة تسمع ولا يملكون الأشياء التى لها وزن فى تسيير دفة الاحداث فى المحروسة !

كنت عاليا فى حبكم لمصر ’ أذكر اننى فى حماسى فى الدفاع عن الاقباط فى أثناء خدمتى الكهنوتية فى اليونان ’ أن أغضبت أحد سفرائنا فى اليونان ’ فما كان منكم الا أن تصروا على تراضوه وأن أعتذر له ونقدم له هدية ’ معا ’ وسط فرحة شعب الكنيسة فى اثينا بالمصالحة بين الكنيسة والدولة ممثلة فى كاهنها المتحمس والحر وسفيرها المتمسك والتراثى .

لن ننسى ما حيينا لا ننسى أنكم أول اسقف قبطى يوقع عقد تأسيس كنيسة قبطية فى عرين الاسد الارثوذكسى ’ فى اليونان ’ وكان لخبرتكم الهندسية وعلاقتكم المسكونية وهيبتكم الرعوية الدور الكبير وكانتك زياراتكم الكثيرة لاثينا سبب فرحة وبهجة وحوار وعراك ونقاش ومواجهات ومصادمات ومصالحات لخير الكنيسة التى تتبأوا الأن باسقفها وكهنتها وشعبها العظيم ’ مكان ومكانة فى العاصمة الهيللينية . كما أنكم كنتم تتذوقون الجمال وحب الطبيعة والأثار والأديرة اليونانية وااللقمة الحلوة واللمة البسيطة ’ ومرة صاحبتكم الى المتحف القومى فى اثينا ’ ودخلت بكم الى قاعة التمائيل اليونانية العارية ’ فهربتم وكدتم تتركون ثوبكم فى يد الهيلليينية العارية مع يوسف العفيف ’ وقلتم لى معاتبا (دى حضارة ايه دى العريانة دى ! يا ابونا اثناسيوس ). وقتها تعلمت ’ منكم ’ أن الثقافة اليونانية صريحة حتى التعرى بينما الثقافة المصرية خجولة حتى الانزواء !

سيدى البيشوى العالى أنا اثق أنكم قد احببتمونى كما أحببتكم أن وعائلتى (بنتى سارة بكيت حينما اخبرتها خبر رحيلكم فى غربتها فى باريس) وأنتم أول من زكيتمونى لهذه الخدمة المملوئة سرا ’ وأثق أن معطيات كثيرة عملت للخير بيننا وعمرى ما ها أزعل منك وانت مش زعلان منى ! وكم وددت لو قرأتم قبل رقادكم رسالتى الأخيرة لقداسة البابا تاوضروس أبثه فيها شجونى وحبى وخضوعى ولكنى أثق أنكم كنتم تشتاق لرجوعى ! وكما اثق أنكم ترقدون فرحا أننى أخدم فى كنيسة أحببتموها وعشقتم لغتها وموسيقاها وأشتقتم وسعيتم وحققتم الكثير فى طريق الاتحاد بها ونحن نسير على دروب الوحدة .

أنت عالى فى أنك نجحت أن تفرض نفسك على تاريخ وأحداث الكنيسة القبطية المعاصر والذى لن يستطيع أن يتجاهلك فيها باحث أو دارس أو مؤرخ أو حاج الى الست دميانة ’ هذا اذا أراد الانصاف لنفسه وللكنيسة ولمصرنا الحبيبة والولادة . رحلة سعيدة يا من أحببت الطيران ويا من عشقت الأسفار . سامحنى وصلى لى .

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع