الأقباط متحدون - صفحة الجريمة دفتر أحوال الوطن
  • ٠٠:٥٥
  • الاربعاء , ٢٦ سبتمبر ٢٠١٨
English version

صفحة الجريمة دفتر أحوال الوطن

مقالات مختارة | خالد منتصر

١٢: ٠٦ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

أهم صفحة فى الجرائد المصرية ليست الصفحة الأولى، بل هى صفحة الجريمة. منها تستطيع أن تقيس نبض ودرجة حرارة عقل وجسد الوطن، ولذلك أعتبر الملف الذى أصدرته «الوطن» فى عددها أمس هو أهم ملفات هذا العام الصحفية. ولو أردنا خيراً وتقدماً لهذا الوطن لا بد أن يعكف كل علماء الاجتماع والنفس وكل مسئولى الحكومة على دراسته وتحليله، لا بد أن يكون أهم ملف على مكتب الوزيرة غادة والى، وعلى مكتب وزير الداخلية، بل لا بد أن يكون على مكتب الرئيس شخصياً، فالمكتوب فى هذا الملف الشامل الذكى هو رصد لأخطر ما يمر به الوطن، ألا وهو الشرخ الاجتماعى والتصدع السلوكى، فما كنا نراهن عليه من تماسك أسرى يستطيع ترميم أى خراب وغلق أى خرّاج ووقف أى نزيف، قد ذهب مع الريح، وصارت مجرد كلمة أو خناقة أو خلاف فى الرأى أو قرص ترامادول أو نظرة شبق كافية لقتل أسرة وذبح أشقاء وخنق أبناء وتقطيع جثث زوجات وأزواج. أنادى بأن يكون هذا الملف هو قضيتنا المقبلة وحل تشابكاته وارتباكاته هو مشروعنا القومى الملح. يطرح الملف سؤالاً أعمق من مجرد الخلافات الأسرية وجرائم القتل، يطرح أيضاً قضية تعريف الأمن والقانون خارج صفحات الكتب الأكاديمية، تذكرت بعد قراءة الملف قصة «الجريمة» لنجيب محفوظ، فى نهايتها يدور حوار عبقرى بين بطل القصة وأحد ضباط الشرطة، يسأله فيه الضابط باستخفاف قائلاً:

1 - ما واجبنا فى رأيك؟

2 - واجبكم أن تحققوا العدالة.

3 - لا، بل واجبنا هو حفظ الأمن.

4 - وهل يُحفظ الأمن بإهدار العدالة؟

5 - وربما بإهدار جميع القيم!

6 - تفكيرك هو اللعنة.

7 - هل تخيلت ما يمكن أن يقع لو حققنا العدالة؟

8 - سيقع عاجلاً أو آجلاً.

9- فكر طويلاً، بلا مثالية كاذبة، قبل أن تكتب تقريرك، ماذا ستكتب؟

10 - سأكتب أن جميع القيم مهدرة، ولكن الأمن مستتب!!

انتهى الحوار بهذه الجملة التى تحمل بصمة نجيب محفوظ التى تنفذ إلى أعماق الأعماق، والتى تلخص لنا فى نفس الوقت الصراع الأبدى بين العدالة والأمن، ويطرح السؤال الصعب والمحرج وهو: هل لا بد بالضرورة من أن يترجم الأمن مفهوم العدل وأن يكون تطبيقاً أميناً له؟ لا يكفى التحسر بأننا كنا زمان حلوين وطيبين وشعب متدين بطبعه، لا بد أن نتحرك سريعاً ونجيب عن أسئلة الملف، لماذا العنف الأسرى تجاه الفتيات أكثر؟ هل هذا العنف ضد المرأة له خلفية ثقافية أو دينية؟ هل الجيل الحالى قد تصالح مع العنف والقبح؟ لماذا جرائم الميراث التى كل أطرافها يحفظون الآيات ويعرفون أحكامها ويدّعون الإيمان والتدين ويأكلون حقوق بعضهم فيه، هل المخدرات هى السبب؟ هل الأفلام الإباحية هى سبب الجرائم الجنسية؟ هل برامج «التوك شو» هى المرض أم هى العرَض؟ هل اتهام الدراما صحيح؟ أسئلة تحتاج الإجابة وتحتاج أكثر صراحة المواجهة وعدم الالتفاف، نحن نراوغ بتعليق كل خطايانا على شماعة الإعلام والدراما والفن الهابط، لا بد أن نحفر إلى العمق والجذور لا أن نظل ناظرين محملقين فى الثمار وننسى السماد الذى نغذى به الجريمة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع