الأقباط متحدون - ¬¬¬الخلافة العباسية والانحدار (جزء أول)
  • ١٥:٤٣
  • الاثنين , ١٠ سبتمبر ٢٠١٨
English version

¬¬¬الخلافة العباسية والانحدار (جزء أول)

فاروق عطية

مساحة رأي

١٧: ٠١ م +02:00 EET

الاثنين ١٠ سبتمبر ٢٠١٨

كتب : فاروق عطيه 
 

استمرت الخلافة العباسية لمدة ثلاثة قرون، مرّت بعدة مراحل مختلفة كأي امبراطورية في التاريخ بدأت قوية وحين وصلت لأوج قوتها وعُناها بدأت في التراخي رويدا رويدا حتي وصلت للإضمحلال، والمراحل التي مرت بها هي:

العصر العباسي الأول: عندما انتصر الرعيل الأول من العباسيين علي الأمويين في موقعة نهر الزاب وفرّ الخليفة الأموي، وطارد جيش العباسيين بقيادة عبد الله بن علي فلول جيش الأمويين وخليفتهم مروان بن محمد الذي لجأ إلي دمشق. ضرب العباسيون حصاراً علي المدينة استمر عدة أيام ثم دخلها جيش العباسيين وتتبع قادة الدولة الأموية و قتلهم جميعاً عدا الخليفة مروان الذي فرّ إلي مصر فتبعه جيش العباسيين حتي أوقعوا به في بلدة بوصير في الفيوم فقتلوه و قطعوا رأسه و ارسلوها إلي خليفتهم أبي العباس، الذي سُمي في التاريخ بأبي العباس السفاح لبطشه ببني أمية و قتله عدد هائل منهم. حتي قبور بني أمية لم تسلم من بطشه فقام بنبشها وإحراقها وعلي رأسها قبر معاوية بن أبي سفيان. قاموا بنقل عاصمة الخلافة من دمشق إلى الكوفة، ثم الأنبار قبل أن يقوموا بتشييد مدينة بغداد لتكون عاصمتهم التي ازدهرت طيلة ثلاث قرون من الزمن وأصبحت أكبر مدن العالم وأجملها وحاضرة العلوم والفنون. وعرفت المرحلة الأولي بالعصر الذهبي خاصة خلال عهدي هارون الرشيد وابنه المأمون، زاد الاهتمام بالإصلاحات الداخلية كبناء المساجد الكبيرة والقصور الفخمة كما استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد، وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية. كما بنيت الجسور والقناطر الكبيرة وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الأنهار ذلك لتشجيع الزراعة. نشطت الحركة العلمية وازدهرت ترجمة كتب العلوم الإغريقية والهندية والفهلوية إلى اللغة العربية على يد السريان والفرس والروم والقبط من أهالي الدولة العباسية، الذين عملوا على تطوير تلك العلوم وابتكروا عدة اختراعات مفيدة كالساعة المائية، كما ازدهرت الفلسفة، واكتمل تدوين المذاهب الفقهية الكبرى: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية عند أهل السنة، والجعفرية والزيدية عند الشيعة، وبرزت الكثير من الأعمال الأدبية والفنية مثل كتاب ألف ليلة وليلة وغيرها. ساهم أهل الكتاب من المسيحيين واليهود والصابئة بهذه النهضة الحضارية، وبرز منهم علماء وأدباء وفلاسفة كبار.
 
خلال بداية خلافته، اعتمد الرشيد على البرامكة وعهد إلى يحيى البرمكي بالوزارات، مانحًا إياه صلاحيات مطلقة، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 805م حين زاد نفوذ البرامكة وتخوّف الرشيد من امتداد نفوذهم وزيادة أموالهم وميل الناس إليهم، فصادر أموالهم وقتل قادتهم وسجن القسم الأكبر منهم. توفي هارون الرشيد عام 809م في خراسان وأخذت البيعة لابنه الأمين وفقًا لوصية والده التي نصت أيضًا ان يخلف المأمون أخاه الأمين، إلا أن الأمين سريعًا ما خلع أخاه من ولاية العهد وعين ابنه موسى الناطق بالحق وليًا للعهد. 
 
كان المأمون آنذاك في خراسان، فلما علم أن أخاه قد خلعه عن ولاية العهد أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، واستمرت الحروب بينهما أربع سنوات، إلى أن استطاع المأمون محاصرة بغداد والتغلب على الأمين وقتله عام 813م ظافرًا بالخلافة. تفرّد عهد المأمون بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك واهتمام خاص بعلوم اليونان، وقد أسس جامعة بيت الحكمة عام 830م في بغداد والتي كانت من كبريات جامعات عصرها، واختُرع في عهده الاسطرلاب وعدد من الآلات التقنية الأخرى، وحاول العلماء قياس محيط الأرض ما يدلّ على الاعتراف بكرويتها من ناحية وتطور العلوم من ناحية ثانية؛ وكانت عمليات الترجمة التي رعاها هو وحاشيته وولاته، أبرز سمات عهده، إذ نُقلت خلالها العلوم والآداب السريانية والفارسية واليونانية إلى العربية، اكتسبت من خلاله اللغة العربية مكانة مرموقة إذ تحولت من لغة شعر وأدب فحسب إلى لغة علم وفلسفة. أثر الانفتاح الثقافي على المعتقدات الدينية، فقال المأمون بخلق القرآن وأجبر الناس على الحذو في هذه الصيغة، كما أعلن أن المعتزلة عقيدة الدولة الرسمية، ثم عهد بولاية العهد قسطًا من الزمن لعلي الرضا الشيعي وأخذ الشعار الأخضر بدلاً من الشعار الأسود، ثم عاد إلى شعار بني العباس الأسود وعيّن أخاه وليًا للعهد. وزار المأمون مصر ودمشق وتوفي ودفن بطرسوس شمال بلاد الشام في 10 أغسطس سنة 833م، الموافق فيه 19 رجب سنة 218ه.ـ
أخذت البيعة لأخيه محمد المعتصم بالله الذي بنى مدينة سامراء وفتح عمورية قرب أنقرة مسقط رأس العائلة الإمبراطورية البيزنطية، واستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما افتتحها سلفه المأمون، ولعلّ قضاءه على ثورة بابك الخرمي التي أسست دولة شاسعة في أذربيجان وجوارها منذ عهد المأمون أبرز أعماله؛ إذ إن بابك الخرمي قد مزج بين الإسلام والمجوسية وأسس دينًا هجينًا وعمد إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية جذرية مما ساهم في بقائه عصيًا على الدولة العباسية عشرين عامًا إلى أن استطاع القائد التركي أفشين القضاء عليه، ومن الثورات الأخرى ثورة الزط جنوب العراق وإجلاء المعتصم إياهم إلى الأناضول. كانت والدة المعتصم تركية، لذلك فقد أحاط نفسه بالحرس التركي كما فعل أخوه المأمون مع الفرس، وكان قوام الحرس التركي بداية عهد المعتصم أربعة آلاف رجل، غير أنه استقدم المزيد من قبائلهم عامًا بعد عامًا ما آثار قلاقل واضطرابات في بغداد اضطر معها الخليفة لنقل عاصمته إلى سامراء.
 
وإثر وفاته عام 842م بويع ابنه الواثق بالله واستمر في سياسة والده القائمة على استيراد القبائل التركية ومنحهم الوظاف العالية في الدولة وجعلهم قوام الجيش فعليًا، وكان الواثق قد خلع على القائد التركي أشناس لقب «السلطان» مما مهد لضعف الدولة وزوال سيطرة الخلفاء عليها، وإثر وفاته عام 847م بويع أخوه أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بالخلافة سنة 232هـ، والذي يحدد أغلب المؤرخين تاريخ خلافته كبداية لانحطاط الدولة العباسية.
 
العصر العباسي الثاني: هي الفترة من عام 847م حتى سقوط الدولة العباسية وسقوط بغداد (1258م) ومقتل أكثر من 2 مليون من سكانها وحرق مكتباتها وإعدام علمائها على يد المغول بقيادة هولاكو خان التتاري وانتقال العاصمة العباسية إلى القاهرة. بدأ العصر العباسي الثاني بخلافة المتوكل سنة 232هـ/ 847م، وينتهى في 334هـ/ 946م، في خلافة المستكفى بالله عبد الله بن المكتفى بن المعتضد. ويعرف العصر العباسي الثاني بعصر "نفوذ الأتراك" حيث برز العنصر التركي، واستأثر بالمناصب الكبرى في الدولة، وسيطر على الإدارة والجيش. وقد تمت الاستعانة بهذا العنصر التركي المجلوب من إقليم "تركستان" و"بلاد ما وراء النهر"، استعان بهم المأمون والمعتصم في العصر "العباسى الأول". وظهرت بوادر هذا الضعف في مستهل هذا العصر الذي تختلف ملامحه عن العصر العباسي الأول. وامتازت هذه الفترة بعدم استقرار الخلفاء طويلا في الحكم وعدم امتلاكهم السلطة المطلقة للحكم فكانت سلطتهم اسميه أي لا يملكون سوى الدعاء لهم علي المنابر وسك اسم الخليفة على العملة، بسبب امتلاك القادة العسكريين والوزراء الأتراك الذين اتسعت رقعتهم في الدولة العباسية، للسلطة الحقيقية في قيادة الجيوش وتعيين الخلفاء مثلما يشائون. 
 
أبرز أحداث هذا العصر هو استقلال الولاة والسلاطين في شؤون ولاياتهم بل وأسس بعضهم دولا مستقلة تمامًا، وتدخل السلاطين والجيش في تعيين الخلفاء. توفي أول السلاطين الأتراك أشناس عام 844م وخلفه وصيف التركي، وعندما توفي الخليفة الواثق عام 847م لم تكن مبايعة المتوكل على الله أن تتم لولا رغبة السلطان وصيف، في وقت كانت الأسرة العباسية والمقربين منها، تميل لمبايعة محمد بن الواثق بالخلافة.
 
حاول المتوكل على الله الثورة على واقعه، فقتل عددًا من قواد الجيش كابن الزيات وإيناخ، ونقل عاصمة الدولة إلى دمشق عام 858م إلا أنه اضطر العودة إلى سامراء بعد شهرين فقط بضغط الأتراك، وقام أيضًا بتحويل المذهب الرسمي من المذهب المعتزلي إلى المذهب السني الشافعي. وأمر المتوكل على الله عام 850م بهدم ضريح الحسين بن علي في كربلاء وضريح علي بن أبي طالب في النجف ومنع الناس من زيارتهما، كما أمر بهدم جميع الكنائس في العراق ومناطق أخرى وكذلك الكنس اليهودية مع وضع شارات معينة على لباس المسيحيين واليهود ومنعهم من ركوب الخيل. أخيرًا اتفق بعض الجند الأتراك مع ابنه المنتصر بالله على قتله في مجلس شرابه في 10 ديسمبر 861م، الموافق 3 شوّال 247هـ غير أن خلافة المنتصر بالله لم تطل إذ سرعان ما قضى عليه الأتراك بالسم في مايو 862م، وبويع أبو العباس أحمد المستعين بالله ابن المعتصم بالله بالخلافة، لأن رجال السلطان لم يرد أن يبايع أحد أولاد المتوكل خليفة. وقد أطلق المؤرخون علي هذه الفتؤة اسم: فترة بداية الانهيار (847-862م).
 
أطلق المؤرخون علي الفترة (862-1055م) عهد الفتن والحروب الداخلية. شهدت خلافة المستعين بالله استقلال خرسان وطبرستان، وانحصرت وظيفة السلطان بعائلة بغا التركي، ما مهد لظهور الفتن بين الأتراك أنفسهم، وبايع الجند المعتز بالله خليفة وأرسل جيشا قوامه خمسون ألف مقاتل إلى بغداد فقام أهلها بمبايعة المعتز حقنا للدماء، بل أن المستعين نفسه بايع المعتز إلا أن الخليفة الجديد قتل سلفه.
 
وفي خلافة المعتز بالله قامت الدولة الطولونية في مصر، والتي لم تترك للخليفة سوى الخطبة والسكة، واستولى يعقوب الصفار على بلاد فارس. ورغم مسالمة المعتز للأتراك وتعيين من شاؤوا في مناصب الدولة العليا، إلا أنهم قد خلعوه عام 870م لتردي الوضع الاقتصادي ونضوب خزينة الدولة، وبايعوا المهتدي بالله بن الواثق بالخلافة، وقد مات المعتز في سجنه من العطش والجوع.
 
حاول المهتدي كسر شوكة الأتراك، فقتل قائدهم بايكال بعد أشهر من توليه الخلافة، فقتله الأتراك ولم يمض على خلافته عام واحد بعد؛ وبويع المعتمد على الله بن المتوكل على الله خليفة، وفي عهده ثار الزنوج في البصرة وواسط وعاثوا فسادًا في بغداد نفسها، احتجاجًا على سوء الأوضاع الاقتصادية والمعاملة الاجتماعية الدونية، كما أكمل الطولونيون استقلالهم بمصر مانعين السيادة الاسمية للخليفة المتمثلة بذكر اسمه في الخطبة، وقد استطاع الطولونيون السيطرة على أغلب بلاد الشام فلم يبق للعباسيين سوى العراق. وفي عهد المعتمد كانت وفاة الإمامين البخاري ومسلم الذين اشتهرا بجمع الأحاديث النبوية، وظهور الإسماعيلية.
 
توفي المعتمد على الله عام 892م، وبويع المعتضد بالله خليفة، وكانت خلافته وخلافة ابنه المكتفي بالله تحسنًا في الأوضاع الاقتصادية والسياسية على السواء، كما استعاد العباسيون مصر وهزموا الإسماعيلية في عدة مواقع، وظهرت الدولة السامانية التي استعادت طبرستان وسيطرت على بلاد فارس وخراسان مع حفظ السلطة الاسمية للخليفة، كما أعيدت عاصمة الدولة إلى بغداد.
 
وإثر وفاة المكتفي في أغسطس 908م، بويع المقتدر بالله خليفة، إلا أنه خلع مرتين: الأولى في بداية عهده وبويع عبد الله بن المعتز الذي قتل في اليوم التالي خلال الفتن، فكانت خلافته يومًا واحدًا ولم يعتبره جميع المؤرخين خليفة، والثانية عام 929م حيث خلعه الجند ورجال الدولة بسبب سيطرة النساء والخدم على الدولة إلا أنه عاد بعد ثلاثة أيام، واستمر في الخلافة حتى قتل عام 932م خلال معركة بينه وبين مؤنس التركي أحد قواد الجيش، وأصبح أخاه القاهر بالله خليفة، إلا أن مؤنس نفسه خلعه بعد عامين وسمل عيناه وسجنه، وفي خلافته ظهرت الدولة البويهية في بلاد فارس وخراسان، كما استقلت تونس والجزائر وليبيا نهائيًا مع ظهور الدولة الفاطمية التي قضت على حكم الدولة الأغلبية، وبنو رستم وبنو مدرار، والذين وإن استقلوا فعليًا عن الدولة العباسية إلا أنهم حفظوا سيادتها الاسمية.
 
وفي خلافة الراضي بالله، ظهرت الدولة الإخشيدية في مصر وسيطرت على أجزاء واسعة من بلاد الشام وأصبح نفوذ أمير الأمراء من القوة بحيث أنه عندما مات الراضي بالله عام 940م لم تتم مبايعة الخليفة مباشرة خلافًا للعرف القائم منذ عهد أبو بكر، بل انتظر أسبوعًا لحين عودة بجكم أمير الأمراء من واسط ومبايعته المتقي لله. السنوات اللاحقة أصبحت صراعًا على منصب أمير الأمراء، فتوالى بعد بجكم، ابن البريدي ثم كورتكين فابن رابق، وقُتل ابن رايق وتولي ابن حمدان امارة الأمراء، ثم تلاه تورون الذي سجن الخليفة المتقي بالله وسمل عينيه وبايع المستكفي بالله عام 944م، إلا أنه خلع عام 946م، وقد توالى في خلافته القصيرة ثلاثة في منصب أمير الأمراء، هم تورون وابن شيرزاد ومعز الدولة بن بويه مؤسسًا الدولة البويهية. خلع معز الدولة الخليفة وعيّن المطيع لله خليفة؛ وقد شهدت خلافته امتداد نفوذ الفاطميين من تونس إلى مصر وبلاد الشام، بحيث أصبح العالم الإسلامي مقسمًا على ثلاثة خلفاء في آن واحد، في قرطبة والقاهرة وبغداد، أضعفهم سلطة خليفة بغداد.
 
 
 
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد