الأقباط متحدون - الصدأ أصبح صديداً.. ولا نزال نضع على الجرح الغائر «ميكروكروم»!
  • ٠٤:٢٣
  • الأحد , ٩ سبتمبر ٢٠١٨
English version

الصدأ أصبح صديداً.. ولا نزال نضع على الجرح الغائر «ميكروكروم»!

مقالات مختارة | طارق الشناوي

٥٨: ١٠ ص +02:00 EET

الأحد ٩ سبتمبر ٢٠١٨

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 لا أزال أحتفظ بهواية السير مترجلا على كوبرى قريب من بيتى، على هذا الكوبرى تستطيع أن ترى مصر بكل أطيافها، وتنويعاتها،عشرات من حفلات الخطوبة والزواج تقام ليلاً ومئات من صور (السيلفى) يشارك فيها الجميع معازيم أو عابرين، العريس والعروس على سور الكوبرى بينما تبرق هنا وهناك أضواء المحمول، باعة الترمس والحمص والذرة يحتلون الرصيف، الأطفال يمارسون لعب الكرة و(الاستغماية) و(كلو بامية) كلما اشتدت درجة الحرارة وارتفعت أسعار الكازينوهات، وضاقت النوادى بالأعضاء الذين يحاولون جاهدين دفع ثمن الاشتراك، ولهذا يلجأ معظم الناس إلى الكوبرى، فهو لايزال محتفظا بميزة الأرخص، صحيح أصابته مثل كل شىء فى بلادى عدوى تعويم الجنيه، إلا أنه فى النهاية (قضاء أخف من قضاء).

فى الأيام الأخيرة لاحظت عملية تجديد كُبرى، تجرى على رصيف الكوبرى، وبالطبع كانت الإصلاحات تتم صباحاً، قبل أن يتحول الرصيف إلى حديقة وملهى وملعب وكازينو (خمس نجوم)، تابعت العامل وهو يلطخ بفرشة (البوية) المتعاصة باللون الأخضر حديد الكوبرى، وعامل آخر يضع اللون الفضى على أعمدة الكهرباء، وثالث متخصص فى طلاء الأسود والأبيض على أحجار الرصيف، لاحظت أن هناك قدرا من (الطلسأة) فى تنفيذ تلك المهمة، لا يفترض أن تكون ضليعاً فى شؤون الدهان لتدرك أن القاعدة الأولى هى أن تزيل الأتربة أولاً، ثم ثانيا تضع طبقة بطانة، وثالثا وش أو اتنين بوية، ولكن لا أحد يزيل الأتربة، ولا وجود أساسا لطبقة بطانة، فقط فرشاة تتحرك عشوائياً أعلى وأسفل لدهن الحديد، أو بتعبير أدق يتم إضافة لون محبب للنفس وهو الأخضر، سألت العامل كيف يضع البوية مباشرة رغم كل هذه الأتربة؟! أجابنى هذه ليست مسؤوليتى، هناك عامل آخر لم يقم بدوره فى إزالة الأتربة، وأنا طلبوا منى أدهن فدهنت، ليس الكوبرى فقط هو الذى يحتاج إلى التخلص من الأتربة، نعم بلدنا تحتاج إلى وش بوية نضعه بذمة على أغلب أجهزتها، أحياناً نستخدم لوناً براقاً لنخفى التصدع ولو إلى حين، ولا يتجاوز الأمر بضعة أيام وقد تهبط إلى دقائق لنرى القبح يزهو بنفسه و(يختال ضاحكا)، على رأى الشاعر البحترى وهو يصف الربيع فى القصيدة الشهيرة التى كنا ندرسها أيام المدرسة وتبدأ بتلك الشطرة (أتاك الربيع الطلق).
 
القبح يعشعش فى الأعماق وتلك هى (أُم المشاكل)، فهو يكتسب مع الأيام قوة لتألفه أعيننا فلا يثير دهشتنا، أولى خطوات الإصلاح أن تقرأ على العيون قبل الشفاه علامة الاستفهام ليه (؟). إلا أننى مع مرور الزمن أرى القُبح وهو يخرج لسانه للجميع، مؤكداً انتصاره على عوامل فنائه، وهو ما حدث بالضبط للكوبرى الآن، حيث ترى لون البوية صار كئيباً وأعمدة الكهرباء اختفى بريقها، والأرصفة أصيبت بدرجة مستعصية من عمى الألوان، فلا تفرق حتى بين اللونين الأسود والأبيض، عاد الكوبرى كما هو ملىء بالمخلفات، تنتشر فوقه أكياس القمامة، وفى كثير من الأحيان قمامة بلا أكياس.
 
فى كل شؤون حياتنا تعودنا أن نخفى طبقة من الأتربة نضع فوقها اللون المناسب الأخضر أو الفضى، لأن هذه الألوان تملك بريقا لحظيا،، الفوانيس التى انتصبت طوال الكوبرى، انطفأت ليلا واشتعلت نهارا، عاد الغبار مرة أخرى، اختفى البريق ومن جديد عاد الصدأ الذى صار صديدا، الجُرح العميق بحاجة إلى تدخل جراحى، ونحن نضع عليه مطهر خفيف (ميكروكروم).
 
لا أستطيع أن أفهم بعد كل ما جرى من اعتداءات على من يصلى بطقوس أخرى ويتوجه إلى الله بكلمات تختلف فى ظاهرها عما ألفه أغلب المصريين، ورغم ذلك لم ندرك أن الأمر جلل، هناك خلل فى الكثير من المؤسسات، التعليمية والاجتماعية والدينية، فهى لا تلعب دورها فى منح الناس القدرة على استيعاب أن الاختلافات العقائدية من طبيعة الحياة.
 
مع الأسف لا أحد يواجه ولانزال نعتقد أن الحل يكمن فى (وش) بوية، وأحيانا نزيدها إلى وشين!!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع