الأقباط متحدون - ثلاثة أسئلة مصيرية
  • ١٦:٣٤
  • الاثنين , ٢ يوليو ٢٠١٨
English version

ثلاثة أسئلة مصيرية

مقالات مختارة | إيرينى ثابت

٤١: ٠٢ م +02:00 EET

الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٨

إيرينى ثابت
إيرينى ثابت

ما هو الوقت المناسب؟ من هم الأشخاص المناسبون؟ وما هو العمل المناسب؟ كانت هذه هى الثلاثة أسئلة التى اعتقد الملك أن اجاباتها ستجعله يسلك بشكل صحيح فى الحياة.

"ثلاثة أسئلة" هى قصة قصيرة معروفة للكاتب الروسى العبقرى ليو تولستوى، وفيها يسأل الملك الأسئلة لمستشاريه وحكماء مملكته ولكنه لا يقتنع بإجاباتهم، ثم يذهب للناسك العجوز المشهور بحكمته ليسأله الأسئلة الثلاثة ربما يجد عنده إجابات مقنعة.

كان العجوز يقوم بحفر الأرض فتقدم الملك ليساعده وهو يسأله ويكرر الأسئلة ويشرح للناسك العجوز أهمية إجابة الأسئلة حتى يسلك الملك بحكمة، ولكن الناسك كان صامتا وكأنه يفكر أو ينتظر حتى يحدث حدث ما يكشف الإجابات للملك المتشوق للحكمة.

والأسئلة الثلاثة هى ما يحيرنا فى حياتنا جميعا، دائما نسأل أنفسنا والآخرين، ما هو الوقت المناسب للبدء فى مشروع للزواج؟ لتكوين أسرة؟ للإنجاب؟ لترك الأبناء يعتمدون على أنفسهم؟ للسفر؟ لتغيير المكان؟ لمتابعة الأحلام؟ للتحرر من القيود؟ ما هو الوقت المناسب للاستيقاظ؟ لمقابلة صديق؟ لقضاء المهام اليومية؟ للقراءة؟ ما هو الوقت المناسب للقيام بالأشياء العظيمة؟ وما هو الوقت المناسب للقيام بالمهام العادية؟ وما هو الوقت المناسب للتخلى عن القيام بكل شىء ونسيان الوقت لبعض الوقت؟ وغالبا ما نجدول أيامنا وأسابيعنا، ونلتزم قليلا وننجز بعضا ولا نفى بما خططناه، ونبقى مع الوقت فى صراع مرير، ويبقى الوقت أغلى ما نمتلك وأغلى ما نفقد، فما هى الاجابة النموذجية؟

ثم نسأل أنفسنا من هم الأشخاص المناسبون؟ للصداقة، للارتباط، للحب، للاستشارة، للمرجعية، لكشف الذات أمامهم، لتلقى التوبيخ أو المدح وقبوله منهم؟ من هو الشخص المناسب لتضعه فى وظيفة ما أو تستبعده منها؟ ومن هم الأشخاص الذين من الممكن أن ينجزوا مشروعا لو وضعتهم فى فريق عمل واحد؟ وأحيانا نختار مَن نعتقد أن ثقتنا فيهم ستكون فى محلها، أو قراءتنا لهم ستكون صحيحة، ثم تنجح اختياراتنا أو تفشل، وأحيانا يؤذون مشاعرنا عن قصد أو دون قصد، فنندم ونحزن وتنهار توقعاتنا ونعود ونسأل أنفسنا السؤال المصيرى مرة ومرات: ترى مَن هو الشخص المناسب؟

أما ما هو العمل المناسب؟ فهو السؤال الذى لا يقف عند معنى "الوظيفة" المناسبة؟ بل يتعدى ذلك لمعظم قرارات حياتنا بآداء مهمة ما أم لا، وباختياراتنا لأولويات الحياة، وهل نبدأ بهذا العمل أم ذاك، هل تقوم بوظيفتك بأمانة لكن لا تعمل عملا اضافيا فيها طالما لا تتقاضى أجرا اضافيا؟ هل نقوم بأعمالنا مع آخرين ونتعاون معهم أم نبتعد عن الشراكة؟ هل نتبرع أم نتطوع؟ هل ننعزل ونتقى شر المجتمع أم ننفتح ونتطور ونتغير؟ ما هو القرار المناسب؟ هل ندافع أم نهجم؟ هل نهتم بالبنيان على حساب الإنسان، فقد مات القدماء وبقيت آثارهم خالدة، أم نبنى الإنسان فعقله وقلبه هو الذى يمد البشرية بالخلود ويجعل ليده ما تعمل وليس العكس؟ ونختار، ونقرر، ويظهر لكل عمل ايجابيات وسلبيات، ويبقى السؤال بلا إجابة نموذجية هو الآخر.

وفيما كان الملك يتحدث والناسك صامت، سمعا صرخة رجل جريح آتيا يجرى وسقط على مقربة منهما، تركا معوليهما وحملا الرجل الجريح إلى كوخ الناسك وبسرعة قاما بعلاجه وكان الملك رحيما ومتضعا وشهما فلم يترك الجريح حتى نام، ولكنه لم يستطع العودة إلى قصره إذ كان الليل قد حل والتعب قد ألم به.

وفى الصباح أجاب استيقظ الجريح، ولما اكتشف أن مَن عالجه هو الملك، بكى، أعترف أنه خائن كان يختبئ ليقتل الملك فى طريق عودته من زيارة الناسك، ولما تأخر الملك، خرج الخائن من مخبئه فصادته سهام حراس الملك ولكنه هرب وأنقذه الملك نفسه، وأقسم الرجل بالولاء والخضوع حتى مماته للملك الذى أنقذه من الموت.

نظر الناسك للملك وقال له: إجابات أسئلتك بداخلك، الوقت المناسب هو الآن، حالما جاء الجريح، جريت لتحمله وتعالجه حتى بعد منتصف الليل ولم تفكر فى الوقت، والأشخاص المناسبون هم كل من تقابلهم، لا يهم من هم، الرجل كان خائنا لك، ولم تهتم أن تعرف من هو حين تعاملت معه، والعمل الأهم والأولى والأول هو عمل الرحمة الإنسانية، فأنت تعاملت معه بالرحمة، وهكذا ستفعل مع كل رعاياك.

قد تبدو إجابات الناسك بسيطة أو عبيطة في زمننا هذا، أو تبدو كإجابات نموذجية فى قصة أطفال ساذجة، ولكن الحقيقة المجردة هى أنها اجابات تريح العقل والنفس وتربح للإنسان روحه، فيما يخص الوقت: كل ما تستطيع أن تفعله الآن، افعله قبل فوات الآوان، وفيما يخص الناس: لا تحير عقلك في قراءة هذا وذاك، فقط لا تتوقع شيئا من أحد لا تتعشم، ولا تعاتب، واعط دون أن تنتظر الرد، والأهم تقبل الأشخاص الذين يسوقهم القدر في محيطك وتعايش معهم بنقائصهم وميزاتهم، وغالبًا ستكشف لك الأحداث بعد فترات كافية من الزمن مَن يمكنك الوثوق بهم، وتعلّم فن التجاهل لكل مَن لا تتفاهم معه، أما الأعمال: فكن واقعيا، وأقبل ما تستطيع أن تعمل، ولا تعمل ما يمكن أن تندم عليه يوما، وفوق الكل كن إنسانا فى عملك، تكسب حياتك ونفسك.
نقلا عن مبتدأ

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع