الأقباط متحدون - هل ذهبت دماء فرج فودة هدراً؟! (١)
  • ٠١:٠٣
  • السبت , ١٦ يونيو ٢٠١٨
English version

هل ذهبت دماء فرج فودة هدراً؟! (١)

مقالات مختارة | خالد منتصر

٥٤: ٠٨ ص +02:00 EET

السبت ١٦ يونيو ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

هل الرصاص الذى أطلق على شهيد التنوير فرج فودة من رشاش الغدر والخسة والجهل هو آخر الرصاص؟، هل صمت الكلاشينكوف عن استهداف المفكرين؟، أم ما زال هناك رصاص ينطلق، ورشاشات تستهدف، وسجون تقمع، ومحتسب يتربص؟!، هذا هو السؤال الذى يجب أن نجيب عنه بعد ٢٦ عاماً على اغتيال هذا المفكر الشجاع الذى قتلناه حياً بيننا بالإهمال واللامبالاة، ثم اغتلناه ثانية بعد رحيله بالتخلى عن أفكاره، وسد آذاننا وغلق عقولنا عن نشرها وتقبّلها وتبنيها، فى 8 يونيو 1992 تلقى المفكر فرج فودة الرصاص فى قلبه وكبده أمام مكتبه فى شارع أسما فهمى، وبعدها بربع قرن تلقى فكر فرج فودة رصاصة الرحمة بسطوة قانون ازدراء الأديان، الذى يسجن المفكرين تحت مرأى ومسمع الدولة وبتواطؤ المثقفين وصمت الناس، صادف اغتيال فكر التنوير هوى ومزاج المجتمع السلفى الذى يخشى التفكير النقدى ويكره المنهج العلمى ويخلط ما بين الدين والتدين، وما بين الإلهى والبشرى، وما بين الإسلام والمسلمين، لقطات وكادرات عبثية تمر أمامى الآن من شريط حياة فرج فوده قصيرة الزمن عميقة المعنى، فرج فودة كان «سيزيف»، بطل الإغريق الأسطورى، الذى ظل عمره يحاول أن يدفع بالصخرة إلى قمة الجبل، لكنها وهى تقترب من تلك القمة إذا بها تهبط إلى السفح ثانية،

فيكرر المحاولة إلى ما لا نهاية، كان كالمساق إلى قدره الحتمى، كان يواجه الموت كل يوم بالتهديد والوعيد وخناجر السباب الفاحش ورصاص التطاول البذىء، كان يواجهه بصدر عار، بلا درع أو سيف، كان أكبر مثال حى على تلك العلاقة الملتبسة بين دولة لا تعى الدرس، ومثقف يظن أن رسالته قد وصلت، وأن درسه قد فهم، الدولة التى تحارب الإرهابيين ضحت بمن يحارب الإرهاب، قالت له خض معركتك منفرداً، اذهب أنت وكتبك فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون متفرجون منتظرون مبسوطون منشكحون!، انضم «فودة» إلى حزب الوفد، ثم خرج عنه، عندما تحالف هذا الحزب صاحب التاريخ العلمانى مع الإخوان فى انتخابات البرلمان، رشح نفسه مستقلاً فى دائرة شبرا محروماً من أى دعم، وبرغم ذلك كان مكتسحاً بحجته القوية وصلابته فى مواجهة الفاشية الدينية، لكن الدولة باعته وضحت به على مذبح الفاشية الدينية وتحالفت مع المرشح المنافس، لأنه راجل بتاع ربنا، و«فودة» عليه كلام وعلامات استفهام وهيجيب لنا الكلام!، وتمت الصفقة وسقط فرج فودة العلمانى، كما سقط من قبله لطفى السيد الديمقراطى!!، ظل «فودة» يطل على الناس من خلال مقالاته وكتبه وندواته كلما تيسر وسط حصار إعلامى مريب،

بينما يطل تيار التخلف من خلال شاشات التليفزيون فى أوقات الذروة بشكل مكثف وإلحاح مقصود، لم يدخل فرج فودة طيلة حياته باب ماسبيرو إلا من خلال ربع ساعة مع المذيع أحمد سمير تعليقاً على حادث إرهابى كانت الدولة تحتاج وقتها هذا الصوت لاستخدامه فقط فى تلميع الصورة وإجراء عملية تجميل للضمير المترهل، لكن قبلها وبعدها كان اسمه مدرجاً على قائمة الممنوعات السوداء!، حصار فى الحياة والممات يا فوده، تخيل أن حصادك الإعلامى كله يا صديقى لا يتعدى سبع حلقات هزيلة مشوشة الصورة، مكتومة الصوت على تليفزيون تونس، بينما رصيد سماسرة بوتيكات الدين وتجار بازارات الفتنة بعشرات الآلاف من ساعات التخلف وأشرطة الجهل وبرامج الخرافة وثقافة الموت.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع