الأقباط متحدون - البابا أثناسيوس الرسولي
  • ١٦:٣١
  • السبت , ٢٦ مايو ٢٠١٨
English version

البابا أثناسيوس الرسولي

أندرو اشعياء

مساحة رأي

٣٧: ٠٢ م +02:00 EET

السبت ٢٦ مايو ٢٠١٨

البابا أثناسيوس الرسولي
البابا أثناسيوس الرسولي

 بقلم: أندرو أشعياء 

 
 
اريوس الهرطوقي؛ الرجل المتقد الذكاء، الحاضر البديهة، لكنه مملوء مكرًا وخداعًا.. يُظهر خلاف ما يُبطن، ويتقن الدسائس والوقيعة. كان في أول أمره مجهول الذكر حتى أننا لا نعرف عن حياته سوى أنه ولد بإحدى مدن ليبيا، ووفد إلى الإسكندرية في حبرية البابا ثاؤنا (البابا 16) وقد التحق بالمدرسة اللاهوتية وتبحر في العلوم الدينية ودراسة الفلسفة المسيحية وكان  مصابًا بداء الكبرياء والغطرسة ومن غرائزه حبه للجدل والمقاومة. 
 
منظره مهيب يوحى - لمن ينخدع فيه - بالصرامة والنسك وكان عذب الحديث، ونظرًا لما كان يظهر على وجهه الشاحب من مسحة الجمال وما كان يظهره من تقشف وتواضع وما في كلماته من قوة وما في صوته من نبرات جذابة، فقد جذب إليه الجماهير وهذا ما شجعه بأن ينزل بالقضية اللاهوتية (انكار ألوهية السيد المسيح) إلى الشارع وصار يبسطها لعامة الناس والأطفال فشوه الرأي الأرثوذكسي، ووضع قصائد وأناشيد وحشاها من أرائه الهرطوقية وصار الناس يرددونها لحلاوة أنغامها. كما أنه أكتسب فيما بعد إلى جانبه الأباطرة لأنه كان يخدم أطماعهم السياسية. ولهذا صار العالم ضد اثناسيوس..
 
ولكن على الجانب الاخر نجد القديس اثناسيوس ذو الوجه الملائكي والجسم النحيف، ولكنه مرعبًا لكل المخادعين الخارجين عن الحق، جبهته عريضة وعيناه يقظتان .. ذهنه حاد بنباهة متوقدة، تقطع على الهراطقة طرق اللف والدوران والخداع والمؤامرة .. شجاعًا قويًا وجبار بأس، غير مرتعش ولا هيّابًا. بفراسته يكشف نقاط خُبث الأريوسيين ويواجهها بالحُجة الكتابية.. ولم يكن مجرد محاجج، بل في جراءته وبصيرته الروحية، جعل مباحثاته ومناظراته صيغًا إيمانية رصينة، تستمد قوتها من توضيح وتطبيق الآيات. وقد قيل عنه: بأن ردوده حاضرة، قويمة الرأي والإيمان، وسريعة بدرجة مذهلة، أسكتت الأباطرة والأعداء المخادعين. شخص عشق المذبح وتعلم معرفة اللاهوت من الكتاب المقدس، وتقوا بالسجود والأدب الروحي وقد أصبغ الله عليه وقارًا وهيبة سماوية، أظهرت قوة الله التي فيه والتي تضبط الكل، وصنع مستحيلات وعجائب أمام مضايقيه وأساساته قد صارت في الجبال المقدسة ، وجدة عظمته تحمل ذكرى عرق محبته وإخلاصه وسهره ونسكه للأجيال كلها، حبًا وكرامة للاسم القدوس . وحتمًا وقد اثر في حياته تلمذته للبابا الكسندروس والانبا أنطونيوس أبو الرهبان العظيم .. 
 
لقد وضع على عاتقه Hن يقف مجاهدًا ضد فكر الهراطقة. فاجمل الخلاصة الروحانية في كتب عديده مثل ضد الوثنيين، وضد الاريوسيين، وتجسد الكلمة غير عديد من الرسائل العامة وكتابات تفسيرية ونسكية وجدلية .. واهتم بالكنيسة خارج مصر فسام أول أسقف على أثيوبيا باسم الأنبا سلامة الأول، بل وسافر إلى روما ليلتقي بصديقه البابا يوليوس حيث كتب الأخير رسالة إلى يوسابيوس النيقوميدي وجماعته، التي برأت البابا أثناسيوس، وفي هذه الزيارة دخلت الرهبنة إلى الغرب، وتشبع الفكر اللاتيني بلاهوتيات أثناسيوس. بل وتلمذ قادة كثيرين تخمرت بهم نعمة جزيلة، ونقلوا تسليمًا لازال يُغنى حاضرنا. ولم يقف الرهبان مكتوفي الأيدي، فقد أرسل القديس أنبا أنطونيوس عدة رسائل منها إلى الأسقف الدخيل (غريغوريوس الكبادوكي) وبعض الضباط يؤنبهم عن تصرفاتهم،غير نزوله للأسكندرية، كما بعث القديس باخوميوس أفضل راهبين عنده هما زكاوس وتادرس ليسندا المؤمنين بالإسكندرية في غيبة البابا. وبعدما قضى هذا البطريرك العظيم في رئاسة الكهنوت خمسًا وأربعين سنة عاصر خلالها "ست عشر إمبراطورًا" ونُفي فيها خمس مرات محافظًا على "الايمان المسلم مرة للقديسين". (يه1: 3) انتقل الي بيعة الأبكار.. 
 
سلام لمن صار رسولا مثل التلاميذ ، بالعمل والقول.. سلام للشهيد بغير سفك دم.. سلام لمن نال غربة كثيرة.. سلام لمن قبلته سحب السماء مثل سمائي لابس جسد.. سلام لمن بكت الملوك بقوة، من أجل معتقد الهراطقة.. سلام لمن لم ولم يمل من احتمال الأتعاب حتي ثبت لنا الايمان المستقيم.. سلام للارادة القوية المسنودة بالاتضاع.. سلام للمذبح العقلي داخله الذي نبع منه اعمق واقوي الصلوات .. سلام للفضيلة والبر اللذان استراحا داخله.. سلام لمن اسمه خالد في فم الزمن.. سلام لمن هو بهي الطلعة وقور المظهر، من له رؤية استنارية مؤازَرة بالنعمة، جعلت لسانه عطرًا خصيبًا، قلمه ذهبيًا متألقًا، وعقله فذًا مستنيرًا ، وقلبه قلب جبار بأس، متوقد الذهن، حاذق المعرفة، وثّاب الحركة والنشاط، أضناه الجهد والتعب، وأرهقته الضيقات من النفي (خمس مرات) الي التشهير بل وإلى الاختباء أحيانًا في المقابر. لكنه انتصر بالصوم والتقوى ..سلام لمن أفنى حياته في الدفاع عن القيمة الأرثوذكسية وعقيدتها.. سلام لمن تتلمذ علي يد ابو الرهبان العظيم انطونيوس.. سلام لعين العالم المقدسة، الحبر المنقطع النظير، النجم السمائي والقيثارة التي عزفت اجمل الالحان .. إنه أبو الأرثوذكسية والمنبر الأعظم .. 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد