الأقباط متحدون - الغزو العربي لكميت
  • ١٩:١٨
  • الخميس , ٢٤ مايو ٢٠١٨
English version

الغزو العربي لكميت

فاروق عطية

مساحة رأي

١١: ٠٢ م +02:00 EET

الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

فاروق عطية
في المقال السابق كتبت عجالة عن تاريخ كميت منذ أخر فراعين الأسرة الثلاثون - الملك نخت انبو الثاني (نكتنابو) "360-341 ق.م" وبعده فقدت كميت استقلالها بداية من الغزو الفارسي الذي تلاه الغزو اليوناني فالروماني وانتهي بالغزو العربي فالعثمانلي الذي رزحت كميت تحت نيره حتي ولاية محمد علي باشا الكبير. كما ذكرت فيه كيف جاء إسم مصر واختفي إسمها الفرعوني وإن بقيت آثاره في الإسم المتداول عالميا "ايجبت". وكان مقالي السابق بداية لسلسلة مقالات نويت كتابتها أشرح فيها مستفيضا معاناة الشعب الكميتي (القبطي) في كل فترة من فترات احتلالها، ومقال اليوم هو بداية السلسلة، وهو عن الغزو العربي لكميت وإن كنت قد كتبت سابقا مقالا عن هذا الموضوع بعنوان "عمرو بن العاص وغزو مصر الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10"
انقر هنا

بعدها أهداني صديق حميم كتاب طبعته الأولي كانت منذ حوالي 120عاما (1898م) وأعيد طباعته عام 2000م عنوانه: (تاريخ الأمة القبطية) ومؤلفه هو يعقوب نخلة روفيلة. وجدت فيه ثمة اختلاف للتسمية (مصر) الحالية وددت أن أطلعكم عليه بإيجاز يقول: مصر إسم لتلك البلاد التي نسكنها وهي كلمة عبرانية مشتقة من مصرايم بن حام بن نوح الذي أتي بعشيرته ألي وادي النيل واتخذه موطنا له ولأولاده. ويسمي الفرنجة مصر إيجبت نقلا عن اليونان، حين غزا الاسكندر الأكبر  مصر أطلقوا عليها (إيجتوس) وهي كلمة مركّبة من مقطعين (إي) بمعني أرض أو دار، و(جيتوس) بمعني قفط (جفط كما ينطقها أهل الصعيد)، فتكون إجيتوس بمعني أرض أو دار القبط. وقبط جاءت من قفطايم بن مصرايم الذي بني مدينة قفط. "قفط الآن هي مدينة ومركز بمحافظة قنا، تقع جنوب مدينة قنا ب20 كم وشمال مدينة الأقصر ب43 كم علي الجانب الشرقي للنيل، هناك اختلاف تاريخي عما جاء به المؤلف يعقوب روفيلة حيث بناها

الملك قفطاي في عصر الإضمحلال الأول قبل الميلاد ثم زادت أهميتها في عصر الدولة الحديثة وكانت مورد أساسي ودعم في حرب احمس ضد الهكسوس". وقيل أيضا أن إيجبت جاءت من كلمة (هيكبتاه) وهي كلمة قبطية مركبة من مقطعين، هيكي بمعني أرض، وبتاه "بتاح" وهو اسم المعبود الأكبر الذي كان يعبده المصريون القدماء ومعناه الخالق أو المبدع. أما اسم مصر باللغة القبطية فهو كيمي أو حمي نسبة لحام أبي مصرايم، وقيل أيضا أنها مشتقة من كيم بمعني أسود نسبة لسواد تربتها.

نعود لصُلب المقال وهو عن سقوط مصر في براثن الاستعمار العربي واسبابه وكيف حدث. في السنة الخامسة من حكم هرقل زحف الفرس على الامبراطورية واستولوا على أرمينيا ثم دمشق والقدس وتمكنوا من إسقاط الاسكندرية "سنة 618م" واحتل الفرس مصر لمدة عشر سنوات وسط سخط المصريين وكراهيتهم. وفي عام 627م عادت مصر إلى الإمبراطورية البيزنطية بعد انتصار هرقل على الفرس في معركة "نينوي" ووقع معهم معاهدة للصلح بمقتضاها تم جلاء الفرس عن مصر. كانت الحرب بين البيزنطيين والفرس قد امتدت لمده 47 سنة خرجت منها الإمبراطوريتين منهكتين ضعيفتين وفقيرتين في الموارد، في هذا الوقت ظهر الإسلام.

وفي خلافة عمر بن الخطاب بدأت الغزوات أو الفتوحات الإسلامية (مصر والعراق والشام وفارس وخراسان وسنجستان). بعد تسليم بيت المقدس لعمر بن الخطاب، قابله عمرو بن العاص في(الجابية) قرب دمشق (وكان عمرو بن العاص فقيرا يعمل بالتجارة بقليل من المال في سفريات رحلة الشمال قبل الإسلام، وفى إحدى سفرياته زار مصر وراعه ما رأي من ثراء مصر ومدنيتها وجمال بلدانها فافتتن بها) وألح علي ابن الخطّاب في غزو مصر، لغناها وسهولة الاستيلاء عليها،  مؤكدا أنها ستكون قوة للمسلمين إذ هم ملكوها. ووافق الخليفة عُمر بن الخطّاب على الغزو وأنفذه اربعة آلاف فارس. في ديسمبر 630م (18هـ) وصل إلي العريش ومنها إلي بلبيس التي فتحها بعد قتال مرير استمر لمدة شهر، وعندما دخلها قبض علي أرمانوسة بنت سيروس (المقوقس) التي كانت تقود القتال، فلم يمسسها بسوء وأرسلها إلي أبوها في مدينة منف (اعتبرها سيروس مكرمة من ابن العاص). استمر في تقدمه حتي وصل إلي حصن بابليون. كان الحصن منيعا يغص باقوي أبطال الروم وأجنادهم. حاصر ابن العاص الحصن لمدة سبع شهور. ولما طال الحصار وامتنع الانتصار طلب عمرو من الخليفة المدد فأنفذ له المزيد من المقاتلين ( قيل اربعة آلاف وقيل إثني عشر ألفا) استقوي بهم مشددا الحصار وظل يتخابر مع الروم مطالبا بالتسليم فأبوا. وكان سيروس ومعاونيه يرغبون في الاستسلام رغم اعتراض مقاتلي الروم، فانسحب بأتباعه إلي جزيرة الروضة وتحصن بها ومنها إلي منف، تاركا حصن بابليون تحت قيادة القليل من جند الروم يرأسهم قائد قليل الهمة جمع جنوده وترك الحصن لبعض الجنود القبط الذين لم يقووا علي مقاومة العرب فعمدوا للهرب أيضا قاصدين جزيرة الروضة. ولما هرب القبط إلي الجزيرة اقتفي العرب أثرهم، فتركوها إلي منف بعد أن أزالوا الجسرين الموصلين بين الحصن والجزيرة وبين الجزيرة ومنف (كان الجسران مكونان من عدد من القوارب المتراصة وفوقها قوائم من الخشب) وبقي العرب بالجزيرة محاصرون بالماء من كل جانب.

أرسل سيروس خطابا إلي ابن العاص يطالبه بالاستسلام لأنه محاصر في الجزيرة بالماء من كل الجهات، وطلب منه أن يرسل وفدا من رجاله للتفاوض المباشر عسي أن يجدوا مخرجا قبيل وصول جند الروم لإبادة جيشه. كان رد ابن العاص أن ليس له مأربا غير واحد من ثلاث " الجزية أو الإسلام أوالقتال إلي أن يقضي الله بما يريد". وافق سيروس بعد اقناع أتباعه علي صلح مشروط يقبله الطرفان. أرسل ابن العاص وفدا إلي سيروس بمنف ولا حديث لهم غير مطلب من المطالب الثلاث، وبعد تداول مطوّل مع رجاله وافق سيروس علي الصلح بإعطاء الأمان للقبط مقابل دفع الجزية للغزاة.
أرسل سيروس إلي هرقل يخبره بهذا الصلح، غضب الملك غضبا شديدا  وأرسل له مرسوما يخبره فيه: بأن ما أتاه العرب من جند لا يتجاوز الـ 12 ألف مقاتل وأن لديك من جند الروم ما لا يقل عن 100 ألف مقاتل، أراك رضيت أن تكون ومن معك من جند كارهين للروم كما الأقباط أذلاء متقاعسين عن القتال، وكان بإمكانكم القتال للنصر أو الموت ولكنكم فضلتم العار والمذلة. أحس سيروس بفداحة ما فعل ولكنه لم يستطع التراجع ونقض المعاهدة. وأطلع سيروس ابن العاص علي رسالة هرقل وتأنيبه لما فعل، وطلب منه ألا ينقض ما تعهد به معه، وإن طلب منه الروم الصلح لا يصالحهم، وألا يكف عن قتالهم حتي يخضعهم ويستعبدهم.

بهذا الصلح دخل ابن العاص إلي منف واستولي عليها وعلي البلدان التي حولها، ثم قصد الاستيلاء علي الاسكندرية فجمع رجاله واتجه إليها، ونزل أمام أسوارها محاصرا إياها من جميع الجهات، عدا جهة البحر الذي كان مفتوحا بينها وبين القسطنطينية تأتي منها العتاد والزخائر والمؤن. ولما طال الحصار هاجم ابن العاص واثنين من رجاله أحد أبواب السور ونقبوه ودخلوا المدينة من هذا النقب، أُغلق النقب فور ولوجهم وقبض علي ثلاثتهم، وأوتي بهم إلي حاكم المدينة الذي قال لهم: ها أنتم الآن أسري بين أيدينا ولا طاقة لكم بقتالنا فاخبروني ما الذي جاء بكم لدينا ؟ أجابه ابن العاص: أتيناكم لندعوكم للإسلام فيكون لكم ما لنا، أو تدفعوا الجزية أو يستمر قتالنا لكم. تعجب الحاكم من جراءة هذا الأسير والتفت لأتباعه قائلا لا بد أن يكون هذا الرجل من وجوه العرب وكبار قوادهم فلا ينبغي التخلي عن قتله. كان أحد أتباع عمرو يعرف اللغة الرومية فأسر له بما سمع، وخاطبه جهرا قائلا: ما هذا الهزيان يا رجل، ومن انت حتي تنطق بما نطقت، وتنسب لأسيادك ما نسبت، ومن نصبك متحدثا بإسمهم، وما أدراك بمقاصدهم وأنت صعلوكا من صعاليكهم، فاصمت ولا تتدخل فيما لا يعنيك. انطلت الحيلة علي الحاكم وأيقن أنه ليس من القادة وأمسك عن قتله، وقال في نفسه: إذا كان هذا حال صعلوك من صعاليكهم فماذا يكون كبراؤهم. وتقدم تابع عمرو نحو الحاكم وقال: إن أميرنا أقرب الناس إلي المسالمة ويرغب في الانسحاب بعد عقد مجلسا من قادة الجيشين للاتفاق علي شروط الانسحاب، وإذا أذنت لنا بالعودة لنخبره بما لاقيناه من حسن المعاملة وكرم الأخلاق والضيافة. أُعجب الحاكم بهذا الرأي وأطلق سراحهم فانصؤفوا وهم لا يصدقون بأنهم نجوا بحياتهم.

حين علم هرقل بما فعل سيروس وخيانته وتسليمه مصر للغزاة العرب أصابه حزن شديد أدي إلي وفاته. كما حدث انقسام شديد بين القادة بالقسطنطينية وتنازع الملك بها ثلاثة ملوك، فازدادت ضعفا وانهيارا، مما حدي بقادة الروم المدافعين عن الاسكندرية للهرب يأسا من شدة الحصار، وسقطت الاسكندرية في يد الغزاة دون مقاومة تذكر في 22 ديسمبر 640 م الموافق الأول من محرم سنة 20 هـ، بذلك أصبحت كميت مستعمرة عربية.                   

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع