الأقباط متحدون - انزعاج مسعود السايس!
  • ٠٣:١٣
  • الأحد , ٢٢ ابريل ٢٠١٨
English version

انزعاج مسعود السايس!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٥١: ١٠ ص +02:00 EET

الأحد ٢٢ ابريل ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

«مسعود السايس» ليس اسم رجل أعمال فى دنيا المال، وليس مسؤولاً حكومياً أزعجه تضارب وتناقض قرارات وقوانين فى الدولة.

مسعود السايس أبسط بكثير من هذا رغم اسمه الرنان (!) فهو سايس الجراج فى العمارة التى أسكن فيها، ويعتقد أنه ليس له نصيب من اسمه لأنه لم يذق طعم السعادة، اتفقنا أن «السايس» مهنة وليس لقباً لعائلة، ومهنة مسعود تتلخص فى غسيل سيارات العمارة لقاء مرتب يتقاضاه من مجلس إدارة العمارة وما يجود به أصحاب السيارات، ومسعود السايس يقرأ الصحف البايتة فى ساعات فراغه ولكنه «مشاهد» شديد للتليفزيون. فهو يسكن فى إمبابة ويسلم رأسه للتوك شو ساعات طويلة من الليل أصابته بالانزعاج ثم نام متأزما ليصحو ساعة الفجر ويصل للعمارة بأى ركوبة ويباشر مهمته بغسيل السيارات بالماء العذب!! وآخر مرة اكتفى مسعود السايس بتغليف العربية بفوطة ناشفة ولم يستخدم خرطوم الماء المثبت فى الجراج!.

مسعود السايس مثل ملايين البسطاء فى هذا البلد وهم ترمومتر الرأى العام، إذا أذن خبراء قياس الرأى العام، ذلك أن النخبة تمثل شريحة صغيرة فى المجتمع، والمثقفون المتنورون يمثلون نسبة أصغر ولكن الكتلة العددية السكانية هى «الرأى العام» بكل موجاته ودرجات وعيه المتباينة.

مسعود السايس يملك درجة معقولة من الوعى لشاب حصل على قسط ضئيل من التعليم وهجر المدرسة ليساعد والده المسن فى ورشة خراطة التى احترقت بماس كهربائى!. توقفت عند تصرف السايس فى التنظيف بفوطة ناشفة، ولكن غيرى رفض هذه «الفهلوة» و«قلة الضمير» وطالب برفد مسعود، جارة محترمة وبخته لأنه نظف سيارتها بفوطة ناشفة وطالب طبيب باستخدام الخرطوم فى تنظيف سيارته رغم أنف مسعود!.

■ ■ ■

ولكن ما سر انزعاج مسعود السايس؟

السر ببساطة أنه يسلم رأسه لـ«دولة التوك شو» المسائية التى صارت طقساً ضرورياً فى حياة المصريين وهى تمارس السيطرة على عقول البسطاء إلى ما بعد منتصف الليل، والوسيلة الوحيدة المضمونة فى التأثير هى أسلوب يوسف وهبى الشهير حين كان يقول بصوت جهورى «يا زوجة الكل يا مزبلة عليك اللعنة»!!.

وكانت الجماهير تصفق إعجاباً، وظنى أن أسلوب يوسف بيه مازال يحكم دولة التوك شو لأن مذيعى هذا الزمان - فى غيبة الأساتذة وفرسان الفكر وعزوف العقلاء- انتهزوا الفرصة وافترسوا المشاهدين فهم يبدأون البرنامج بـ«إنترو» أى مقدمة ثم يبدأون «الفقرات العادية» وهذا الإنترو يصل طوله من نصف ساعة إلى ساعة وثلث، حيث تظل على الشاشات طلعة المذيع البهية وهات يا افتراس فى التعقيب على الأخبار. وفى زمنى - على امتداد عشرين عاماً - كنت أكتفى فى حديث المدينة بمقدمة صغيرة من استديو الشارع، ثم أدلف بالعدسات للموضوع، لم يكن عندى رفاهية الإطالة بلا طائل وليس لها أى هدف سوى الاستعراض، وكنت قد ظننت أن دولة التوك شو سوف تقلل من طول البرامج المبالغ فيه لولا أن «الإعلان» أهم منى ومن وزير الإعلام ومن رئيس الوزراء! نعم، لا يزال الإعلان يحكم المدينة ويعتقد بعض أعضاء دولة التوك شو أن الناس «ينشكحون» من ثرثرة المذيع فى الفاضية والمليانة، وربما كان هذا الزعم صحيحاً ولكنى - مهنياً - أراه سلوكاً معيباً.

أنا- بكل تواضع - أراه هدراً ممنهجاً للوقت، إن «مصر السيسى» فى الولاية الثانية لا بد فيها من تصويب بعض أنماط سلوكنا بجسارة تليق بدور رئيس يواجه عواصف تهب عليه من كل جانب، فهل نملك رفاهية هذا الوقت الطويل لدولة ال��وك شو؟! ولماذا لم تصل «رسالة» الرئيس التى وجهها من خلال المخرجة الشابة ساندرا نشأت لأهل التوك شو عندما لخص رأيه «هيجيبوا كلام منين»؟. كان الرئيس «يضمر» منهجاً جديداً لمخاطبة الناس يحترم وقت بلد «يحارب ويبنى».. ولكن يبدو أن العالم يدرك أكثر منا أهمية الوقت، فى ألمانيا مثلاً، برنامج التوك شو الرئيسى اسمه «برلين مباشرة» يتناوب عليه المذيعون، ومدة البرنامج ساعة واحدة فقط، أى ستون دقيقة، لا تقطعها إعلانات، إنما الإعلان يسبق البرنامج أو بعده. وقد ثبت عند خبراء المشاهدة الفطاحل فى العالم أن الناس تنصرف عن البرنامج حين تبدأ الإعلانات حتى فى الدراما، أنا واحد من البشر أضغط على الريموت حين تهل الإعلانات وأرى الدراما على اليوتيوب أو على شاشة محطات أخرى تقدم المسلسل دون إعلان.

وفى ألمانيا - يوم الأحد - برنامج «الإطار السياسى» ومدته 90 دقيقة حوارات ديمقراطية على الهواء بين الناس ورؤساء الأحزاب، ودور المذيع لا يتعدى التعليق القصير ولا مجال للرغى، ثبت أن الإعلانات تقطع حبل تفكير أى إنسان متابع، وقد كان «حديث المدينة»، أهم توك شو مبكر - على مدى 21 سنة - مدته ساعة دون إعلانات، وكان جاذباً، أنا لا أعادى الإعلانات فقد قدمت على دريم برنامج «مفاتيح» أفضل وجبة إنسانية قدمتها وكانت الإعلانات موزعة قبل البرنامج وداخله وبعده واحتفظت بالمشاهدين، وأتذكر أن مسلسل عادل إمام - السنة اللى فاتت - لا تكاد تبدأ الأحداث حتى تهجم علينا الإعلانات فننصرف عن المسلسل ولو كان النجم أنطونى كوين!.

■ ■ ■

وأعود إلى أسباب انزعاج مسعود السايس.

1- لوحظ أن أسلوب المخاطبة السائد فى دولة التوك شو ليس عالياً فقط، ولكنه يصل إلى حد الصياح والبعض يخفض صوت المذيع «الزعيم» إلى أدنى حد!! يبدو الأمر كما لو كان المذيع مشتبكاً فى خناقة فى إحدى حوارى عابدين!.

2- لوحظ أن فى «النبرة» التى يستخدمها المذيع تهديدا ووعيدا، أننا - لا قدر الله - مقبلون على «قحط مائى»!، تقال صراحة بلا تحفظ أو رشد.

3- الناس تصدق المذيع لأن المخاطبة تصل إلى حد «التنويم المغناطيسى» ولأن معلومات المتلقى صفر عن الموضوع المطروح يصبح أقرب إلى التصديق! فالخلفية غائبة والموضوع حيوى.

4- لوحظ أن «لغة الجسد» للمذيع - دون أن يدرى أو يقصد - هى وضع «المتأهب» مما يتضمن استفزازاً للمتلقى على نفس الموجة!.

5- فى غياب «قامات» تشرح بيسر و«تفسر» ببساطة وتحلل بكلام مفهوم وأمثلة حية، استفرد المذيعون بالمشاهدين وتمت عملية الافتراس علناً مع سبق الإصرار.

■ ■ ■

الثابت فى رأس مسعود السايس أن «الدلتا هتغرق كمان كام سنة» وأن «الإثيوبيين خدعونا وبنوا سد النهضة» وأن «السودان مش باين هى مع مين؟» و«إنه على وش جواز وعايز دستة عيال لهم رب رزاق»، كل هذا استقر فى ذهنه من التوك شو الليلى وما زالت الأسئلة حائرة «مش عارف لها حل»، وأن ما استطاع أن يفعله هو «منح غسيل العربيات بمية الخرطوم» رغم تأنيب السكان له وتهديد بعضهم «بطرده من العمارة».

مسعود السايس يقول بصوت هامس أفهم مغزاه «الفرخة البلدى بأربعين جنيه الكيلو وكانت بتسعة وعشرين»، ثم يزيدنى علماً بأن «التلاتة كيلو تايد التنضيف كانت بـ55 جنيه دلوقتى الكيلو بـ25».

مسعود السايس - وهو نموذج لملايين مثله - فى رأسه أسئلة يبحث لها عن إجابة وهو لا يثق فى أحد إلا الرئيس «لما يقعد يكلمنا من قلبه».
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع