الأقباط متحدون - في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (4)
  • ١٩:٤٩
  • الأحد , ١ ابريل ٢٠١٨
English version

في نقد مفهوم البيعة عند الإخوان المسلمين (4)

مقالات مختارة | بقلم: بابكر فيصل

٠٧: ٠٣ م +02:00 EET

الأحد ١ ابريل ٢٠١٨

مقر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد إغلاقه (أرشيف)
مقر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بعد إغلاقه (أرشيف)

تناولت في مقالات سابقة أركان البيعة عند جماعة الإخوان المسلمين، وقمت بنقاش بعض الواجبات المترتبة على أعضاء الجماعة بناء على تلك الأركان. وأقوم في هذا الجزء الأخير بعرض وتحليل نص البيعة الإخوانية، وأقارنها ببيعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ظهرت بيعة الإخوان المسلمين مع نشأة الجماعة عام 1928، حيث أخذ المرشد المؤسس حسن البنا البيعة لنفسه وهو شاب لم يتجاوز عمره 23 عاما، وقد أضحت تقليدا راسخا داخل الجماعة منذ ذلك الحين.

وقد تختلف طريقة أداء البيعة من فرع لآخر في إطار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على الرغم من تطابق صيغتها، إذ يقول عضو مكتب الإرشاد العالمي السابق الدكتور بسام العموش، إن البيعة في الأردن تتم على مرحلتين: الأولى عند قبول الانتساب للجماعة، والثانية عند الترقية إلى مراتب قيادية في الجماعة كعضوية مجلس الشورى، حيث تتم البيعة للمراقب العام.

    لن تخرج جماعة الإخوان المسلمين للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث

ويقول نص البيعة: "أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديا مخلصا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى أثرة علي، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا. والله على ما أقول وكيل، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما".

إن العلاقة التي تنشأ بين التنظيم/المرشد والعضو المبايع (بكسر الياء) وفقا للنص أعلاه تضع اللبنة الأساسية للتحول الذي سيقع على ذلك العضو على المستويين العقلي والتنظيمي. فعلى المستوى العقلي سيتحول العضو بمجرد أداء البيعة إلى "جندي مخلص" في أتم الإستعداد لتنفيذ جميع الأوامر والتعليمات، وعلى المستوى التنظيمي فإنها تكرس لتبعيته الكاملة للجماعة ولقيادتها ممثلة في المرشد أو المراقب العام الذي تمت مبايعته.

وبالنظر لنص البيعة فإننا نجد أنه يؤسس لمبدأ السمع والطاعة "على أن أسمع وأطيع" كقاعدة لتشكيل العلاقة بين العضو والمرشد، وهى علاقة تابع بمتبوع، لا مجال فيها للإختلاف والتباين في الآراء. فالأوامر تتنزل من أعلى إلى أسفل، وحتى إذا وجدت مؤسسات تنظيمية عليا تتداول في تلك الأوامر مثل مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى فإن القاعدة العظمى من عضوية الجماعة لا تكون جزءا من تلك المداولات وإنما هي أدوات لتنفيذ الأوامر.

ومن ناحية أخرى، فإن عضو الجماعة يتعهد بالطاعة تحت كل الظروف "العسر واليسر والمنشط والمكره" ومعلوم أن المنشط هو الأمر الذي يقوم به المرء بأثرة ورغبة، بينما المكره هو ما يؤديه مكرها، وهذا يعني أنه سيقوم بتنفيذ الأوامر في جميع الأحوال ولا يستطيع التملص منها حتى وإن لم يك مقتنعا بها في قرارة نفسه.

كذلك يتعهد العضو بتقديم مصلحة الجماعة كما تقدرها وتقررها القيادة على مصلحته الشخصية ومصلحة أسرته "وعلى أثرة علي"، وهذا أمر في غاية الخطورة لأن تقديرات المصلحة التي لا يتم التدوال حولها بطريقة حرة وأسلوب جماعي، ستنحرف حتما لتمثل مصالح فئة محدودة وتخدم أغراض دوائر معينة.

وهذا العضو يقوم أيضا بالتنازل طوعا عن حقه في التفكير وإبداء الرأي في مختلف القضايا ويمنح هذا الحق حصريا للمرشد أو القيادة "وعلى ألا أنازع الأمر أهله"، وهذا الجانب من جوانب البيعة يفسر قيام الأعضاء بتنفيذ مهام قد لا يدركون عنها شيئا بسبب تنازلهم عن حقهم في المعرفة، وهذه المهام يمكن أن تكون على قدر عال من الخطورة بما في ذلك الاغتيال.

ويذكر المؤرخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه "الإخوان المسلمون والتنظيم السري" أن عضو الجماعة عبد المجيد حسن الذي نفذ عملية اغتيال "محمود فهمي النقراشي" قد ذكر في أقواله إن أشد وسائل التأثير وقعا عليه كانت: الدراسات الروحية والبيعة والاعتقاد بمشروعية الأعمال.

وتتمثل أهمية هذا العنصر من عناصر التأثير، كما يقول الدكتور عبد العظيم، ليس فقط فى دفع عبد المجيد حسن إلى اغتيال النقراشي دون إحجام أو تردد وكما رسم له وإنما تتمثل فى أن زوال هذا العنصر فيما بعد قد دفع عبد المجيد حسن إلى الاعتراف بكل ما صدر عنه.

فحين أطلع النائب العام عبد المجيد حسن على البيان الذي أصدره حسن البنا وفيه يظهر أسفه على حادث اغتيال النقراشي وفيه معنى استنكار الجريمة، كان لهذا البيان أثر كبير فى حمله على الاعتراف، فمع تمسكه فى البداية بالإنكار إلا أن مفعول البيان دفعه إلى التفكير ثم الاعتراف.

    ستلجأ جماعة الإخوان المسلمين للانقلاب على العملية السياسية إما بالعمل العسكري المباشر أو بواسطة الإحلال والتمكين الحزبي داخل جهاز الدولة

قد أسهم بيان حسن البنا في استعادة عبد المجيد حسن لوعيه الذي تم استلابه تحت تأثير البيعة، وأدرك الأخير أن القيادة التي منحها عقله وتنازل لها طوعا عن حقه في المعرفة والتفكير قد غررت به ودفعته للقتل ثم تنصلت عن مسؤوليتها عن كل ذلك!

إن أخطر التعهدات التي يقسم العضو على القيام بها تتمثل في التزامه بأن يبذل دمه في سبيل الله "أن أبذل جهدي ومالي ودمي فى سبيل الله"، فمن المعلوم أن عبارة "في سبيل الله" هى عبارة مبهمة. وقد تبين من خلال ما أسلفنا ذكره في استعراضنا لأركان البيعة أن محتوى هذه العبارة يحدده المرشد وقيادة التنظيم، وبالتالي فإن العضو سيتورط في استخدام العنف وإراقة الدماء بحسب توجيهات صادرة عن بشر مثله تحركهم دوافع مختلفة من بينها أسباب ذاتية ومطامح ومطامع شخصية مرتبطة بالقوة والنفوذ وليست بالضرورة في سبيل الله.

وقد رأينا كيف أن القيادة ورطت عبد المجيد حسن في اغتيال النقراشي ثم تنصلت عن مسؤليتها في ذلك، وكذلك رأينا المرشد المؤسس حسن البنا يغسل يده من أعضاء الجماعة الذين نفذوا عملية اغتيال المستشار الخازندار ويقول عبارته الشهيرة "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"!

وربما لا يندهش المرء إذا علم أن نص البيعة الإخوانية لا يختلف كثيرا عن محتوى البيعة لدى الجماعات العنيفة المتطرفة، فالغرض إلغائي كما تبين من استعراضنا المطول له وهو إحكام السيطرة على العضو وسلب إرادته في مقابل إرادة المرشد وبالتالي تحويله لأداة قابلة لتنفيذ الأوامر دون لجاج أو تردد بما في ذلك أوامر القتل.

يقول نص بيعة تنظيم "داعش": "أبايع خليفة المسلمين أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي الفاطمي على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ولا أخالف السمع والطاعة إلا أن أرى كفرا بواحا عندي فيه من الله برهان والله على ما أقول شهيد".

أخلص في الختام وبعد تحليل نص وأركان البيعة وواجبات العضو عند جماعة الإخوان المسلمين، إلى أن الجماعة حتما لن تخرج للساحة السياسية كادرا يمتاز بالمواصفات التي يجب توافرها في عضو الحزب المدني الحديث، ومن بينها ميزة النقد واحتمال الاختلاف وتنوع الآراء، بل ستفرخ جنودا مقاتلين مطيعين لقائد كتيبتهم وأصحاب عزيمة ومضاء في التضحية وتنفيذ الأوامر العليا بجدية وبسالة.

ما دامت المنظومة الفكرية للجماعة وما يرتبط بها من تشكيلات تنظيمية تبنى على مفاهيم تتعارض مع مبادئ العمل الديموقراطي بالكامل فإنه يصبح من المستحيل أن تلتزم الجماعة أو الأحزاب المنبثقة عنها بالعملية السياسية التعددية وبقواعدها التي تسمح بالتنافس الحر والتداول. وستلجأ حتما للانقلاب عليها إما بالعمل العسكري المباشر أو بواسطة الإحلال والتمكين الحزبي داخل جهاز الدولة عند الوصول للسلطة عبر صندوق الاقتراع أو بكلتا الوسيلتين كما حدث في السودان.
نقلا عن الحرة

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع