الأقباط متحدون - دوّر الغسالة
  • ١٨:٥١
  • الاثنين , ٥ مارس ٢٠١٨
English version

دوّر الغسالة

مقالات مختارة | بقلم :د. محمود خليل

٠٠: ١٠ م +02:00 EET

الاثنين ٥ مارس ٢٠١٨

د. محمود خليل
د. محمود خليل

 من السمات الأساسية التى تمتاز بها الشخصية المصرية عن غيرها «محبة الغسيل». ونعنى بها تلك الحالة التى يسعى الإنسان من خلالها إلى تبييض صفحة سيئة من صفحاته، أو الدخول فى مقاصة يقايض فيها على السيئات بالحسنات، حتى تتعادل كفته أمام الله أو قدام غيره من البشر، يحدث هذا فى أمور الدين، كما يقع فى أمور الدنيا، وحتى لا أتهم بالتعميم أنبه منذ البداية إلى أن هناك استثناءات، فهناك من يفعلون ذلك بإخلاص وإيمان واقتناع، وفى كل الأحوال الله تعالى هو العليم بنوايا البشر.

 
أكثر من غيرها من الساحات تبرز الساحة الدينية كساحة أساسية يميل بعض المصريين إلى الغسيل فيها. ينظر البعض إلى العبادات كأداة من أدوات غسيل الذنوب. كثيراً ما تسمع أحدهم يقول لك إننى أحب الذهاب إلى الأراضى المقدسة كل عام حتى أغسل نفسى، قد يكون الغسيل من الذنوب، أو من الهموم، أو حتى من البشر المحيطين بالفرد وما يثيرونه فى حياته من توتر. وتسمع آخر يقول: إننى أحب أن أؤدى صلاة التراويح فى رمضان فى المسجد الفلانى ووراء الشيخ العلانى لأننى أخرج من الصلاة شاعراً بأن نفسى قد صفت وهمى قد زال، وقد تسمع ثالثاً يقول لك إننى أذهب إلى الولى الفلانى من أولياء الله عندما يضيق صدرى من الدنيا حتى أصفيها مما علق بها من كدر.
 
يقول الله تعالى «إن الحسنات يذهبن السيئات». الآية الكريمة تحمل قاعدة إيمانية أساسية، فكل ما يأتيه الإنسان من حسنات يرفع ويمحو عنه ما سبق أن اقترفه من سيئات، والأساس فى العمل دائماً هو النية. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فعل الهجرة واحد وثابت، المتغير هو الغرض من ورائها. وفارق كبير بين إنسان يسعى بالعبادة من أجل الآخرة، ومن يسعى لها من أجل الدنيا. العبادة ليست آلية من آليات المراوغة وتحقيق أهداف دنيوية تحت ستار دينى. والأصل فى كل الأديان هو الأخلاق التى تحكم سلوك الإنسان. ولا قيمة لعبادة لا يظهر أثرها على أخلاق الفرد. الله تعالى شرّع العبادات لتكون أداة ارتقاء بأخلاقيات الإنسان وسلوكه. يوصف الشعب المصرى بأنه من أكثر شعوب الأرض تديناً، وينكر البعض وجود أثر ملموس لهذا التدين على أخلاقه وسلوكه. هذا التناقض يجد تفسيره فى الأداء المظهرى وتحويل العبادات إلى مجرد «غسالة» يجد صاحبها متعة فى إدارتها بعد كل خطأ يرتكبه، حتى ينظف ثوبه منه، ليشرع فى تلطيخه بنفس الخطأ من جديد. يعنى «عاوز يغلط على نضيف»!
 
أكثر كلمة تتردد على ألسنة الكثيرين هى لفظ الجلالة (الله)، واسم النبى (صلى الله عليه وسلم). ولعلك تصادف تلك الرسالة التى ينفحك بها رواد مواقع التواصل بين حين وآخر يطلب منك أن تذكر الله أو أن تصلى على النبى وإلا تكون بخيلاً أو مش عارف إيه، مع الالتزام بنشر الرسالة حتى لا يفوتك الثواب. بعد ساحات المساجد والمقدسات أصبحت مواقع التواصل «تغسل أكثر بياضاً»!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع