الأقباط متحدون - تاريخ النسوية الأسود
  • ١٧:٠٦
  • الأحد , ١١ فبراير ٢٠١٨
English version

تاريخ النسوية الأسود

مقالات مختارة | بقلم :ندى نشأت

٢٣: ٠٤ م +02:00 EET

الأحد ١١ فبراير ٢٠١٨

ندى نشأت
ندى نشأت

 مازلت أحاول التأقلم مع حقيقة أنه من غير الضرورى أن يكون المدافع عن الحقوق والحريات مدافعا عن حقوق المرأة أيضا، أتفهم أن الخطاب الذكورى ضد النساء منتشر فى مجتمعنا وبين بعض المدافعين والمدافعات عن الحقوق؛ لأنهم جزء من المجتمع، أما ما لا أفهمه ولا أستسيغه هو أن يطل علينا أحدهم ليسأل «فين بتوع حقوق الستات من قضايا الستات؟».. لا أعلم إن كان ذلك جهلا حقيقيا أو محاولة لإظهار نفسه بأنه الذكر القوى صاحب الفكر المتفتح وفى نفس الوقت محافظا فى بيته ونسائه وحاكما لهم، وكأن الحقوق والحريات لابد أن نستثنى منها النساء كأنهم سبة أو مخلوقات أقل أو ــ كما يستخدمه البعض ــ مطالب فئوية للنساء.

 
أحد أسباب تقزم الحركات السياسية المصرية هو الادعاء المستمر بالمعرفة وكأن النضال ضد استبداد الدولة يكفى لصنع الأبطال. وهنا تكمن الأزمة. يعتقد الكثيرون أن حقوق النساء حقوق اجتماعية فقط وغير ذات أهمية، فالنساء قد حصلن على أكثر من حقهن ــ كما يقولون ــ وأنه حان الوقت للرجال لأخذ حقوقهم! ببجاحة منقطعة النظير وبسماجة غريبة يطل علينا بين الفينة والأخرى أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعى أو على صفحات الجرائد ليكتب أن المؤسسات والحركات النسوية تتناسى الفتيات فى المناطق المهمشة والفقيرة ويركزن فقط على المجتمع الغربى وطلباته، فالنسويات ــ الفيمنست المجانين على حد تعبيرهم ــ كل ما يهتمون به هو حرية خلع الملابس أو عدم نتف شعر جسدهن. وبغض النظر عن أن هذه الأفعال جزء من الحريات شئنا أم أبينا، إلا أن اختصار العمل النسوى على ذلك ما هو إلا جهل واستهزاء بالنساء ككل أيا كانت توجهاتهن.
 
***
 
يطل الرفيق علينا ليصيح «التاريخ الأسود للنسوية»، فما هو ذلك التاريخ من وجهة نظره؟
هل مثلا يعتبر تاريخا أسود نضال النساء فى الخمسينيات من القرن الماضى للحصول على حق التصويت؟
هل عمل المنظمات النسوية على قضايا الاتجار بالنساء والإكراه على العمل بالجنس تاريخ أسود؟
 
هل يعتبر العمل على قضايا العنف الجنسى والتحرش والاغتصاب ونجاح النسويات فى الضغط على الدولة لإصدار قانون مناهض للتحرش تاريخا أسود؟ أم أن التشجيع على الإبلاغ عن هذه الجرائم وفضح المتحرشين والمغتصبين أيا كان هويتهم وعملهم هو التاريخ الأسود؟ 
لقد عملت المؤسسات على مناهضة زواج الصغيرات وزواج الصفقة منذ عقود، ذلك الزواج الذى تباع فيه الصغيرة للأجانب بعقود زواج صورية لإمتاعهم فترة زمنية قصيرة مقابل بعض الأموال وتحت سمع وبصر الدولة، وهو صورة من صور الاتجار بالفتيات ومع ذلك لم تجرمه الدولة حتى الآن، فهل يعتبر ذلك أيضا تاريخا أسود؟
 
وضعت النسويات أمورا تعتبر من التابوهات فى المجتمع على طاولة النقاش كاغتصاب وزنا المحارم وهو ظاهرة آخذة فى التفشى وسط إنكار مجتمعى وحكومى مستمر، ووضعت النسويات تعديلات الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء على عاتقهن إيمانا منهن أن الدولة لابد وأن تتعامل مع المواطن وأن الدولة ملزمة برعاية حقوق الأطفال ورعاية حقوق الآباء والأمهات، فمتى كان ذلك تاريخا أسود؟
 
تحارب النسويات فى العالم الإسلامى اليوم هيمنة الثقافة الذكورية على الخطاب الدينى، ويسعين للوصول لتفسيرات مستنيرة للشريعة الإسلامية تليق بها وتليق بانتصارها لحقوق النساء منذ ما يزيد على ألف عام، العودة لأفعال الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقواعد اللغة العربية وتفسيرات النساء الصحابيات للسنة والقرآن مع خلق تفسيرات واجتهادات جديدة تتناسب مع متطلبات العصر، كيف يعتبر ذلك تاريخا أسود؟
 
تقولون إن الحركات الاجتماعية غير مهمة وغير مؤثرة وليست أولوية، هل تعرف شعور أن النزول من المنزل يتطلب شجاعة وحربا مستمرة؟ هل جربت التفكير المستمر فى احتماليات التحرش اليومى والمضايقات فقط لكونك من أنت؟ أن تكون امرأة فى مجتمع يعتبرك كائنا أقل أمر مرهق ومستنزف للأعصاب. هل جربت أن تكون الأكثر تأهيلا للوصول لمنصب ما ويتم رفض تعيينك فقط لأنك امرأة؟
 
كامرأة، أنت مطالب بأن تكون واعيا طول الوقت لكيف تجلس، تأكل، تشرب، تبتسم، تعبس، تمشى، تتكلم، واعيا لأطفالك وزوجك وأهلك والجيران وحارس العقار وكل فرد فى الشارع. هل جربت شعور أنك مستباح طوال الوقت فقط لأنك امرأة؟
 
***
 
أعلم انك لا تفرق بين النسوية والنسائية، فالأولى – لمعلوماتك – معنية بالحقوق والمساواة والعدالة للنساء والرجال والأطفال وذوى الإعاقة والعاملات وغيرهم، والنسوية مدارس مختلفة منها مثلا الإسلامية والاشتراكية والراديكالية والرأسمالية والمناصرة للحكومة والأناركية، فى حين أن النسائية تعنى المرأة والمرأة فقط.
 
قامت النسوية على محاربة السلطة بالأساس، مناهضة الظلم الواقع على المجتمع بأطيافه المختلفة بسبب المفاهيم الأبوية التى تلزم النساء والرجال على حد سواء بأفعال معينة، فالرجل دوما وأبدا لا يجب أن يعبر عن مشاعره لأنها تقلل من شأنه كرجل، وهو إن كنت لا تعلم عنف واقع على الرجال وكبت نفسى. ترى أنك «مربوط فى ساقية» طوال الوقت وأولادك لا يعرفونك لأنك بالنسبة لهم مصدر للمال فقط، ذلك أيضا بسبب السلطة الأبوية التى ترى أن دورك كجالب للمال أهم من دورك كأب ومعلم. تحارب النسويات تلك السلطة الواقعة على الجميع والظلم الذى يقبع داخل كل منزل وعلاقة ويحاولن تغيير المجتمع ليكون أكثر تفهما لاحتياجات البشر المختلفة، فمتى كانت آخر مرة حاربت فيها لأجل امرأة؟
 
أخطأت إن كنت ترى أن النسويات يحاربن للتقليل من امتيازاتك، وليس ذلك غايتنا، إنما الهدف أن ما تعتقده أنت، أنه حق لك سنصل أن يكون حقا آخر للنساء وأن ما تراه مميزات لك سيصبح أيضا مميزات لنا. سنمشى يوما فى شوارعنا دون تحفز وسنبلغ عن التحرش والتمييز ضدنا دون أن يتم التشهير بنا والإضرار بسمعتنا، وسنحصل على حقوق متساوية فى القانون والمجتمع، وسنقضى على العنف ضدنا بالقانون وبتدخل من الدولة وسنحاكم كل من يضطهد فردا بناء على جنسه أو دينه أو إعاقته. هو يوم قريب وسنصل له سواء فى جيلى أو جيل بعدى، وسنحكى يوما عن إنجازاتنا كجزء من التاريخ وسنحارب لتدريسه فى المدارس حتى لا يصيح شخصا آخر بما فعلته النسويات أو عن تاريخ النسوية الأسود.
نقلا عن الشروق
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع