الأقباط متحدون - هل تؤدي ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين في أميركا الى الاقتراب من مرحلة الدولة البوليسية؟
  • ١١:٣٦
  • الأحد , ٢٨ يناير ٢٠١٨
English version

هل تؤدي ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين في أميركا الى الاقتراب من مرحلة الدولة البوليسية؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٣٩: ٠٣ م +02:00 EET

الأحد ٢٨ يناير ٢٠١٨

المهاجرين غير الشرعيين
المهاجرين غير الشرعيين

 بقلم : ميشيل حنا الحاج

الصراع يشتد في الولايات المتحدة حول مستقبل الهجرة للدولة الأميركية، في وقت لم يعد فيه الرئيس ترامب يكتفي بالاعراب عن رغبته بسن قوانين تحدد وتنظم الهجرة  المستقبلية، بل بات يسعى لمطاردة وابعاد المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين حاليا في البلاد، والذين يقدر عددهم باحد عشر الى اثني عشر مليون مهاجر، كانوا هناك في عهد رئيسين أو ثلاثة رؤساء سابقين، دون أن يسعى اي منهم لاعتقالهم، أو لالقائهم وراء الحدود الأميركية كما يفعل الرئيس ترامب الآن.

واذا كان هناك ترحيب عام بطرح ترامب اجراء تعديلات جوهرية على قوانين الهجرة الأميركية، مع خلاف حول من يؤذن له بالهجرة الى أميركا، كسكان النرويج (المتحضرين) مثلا  كما يرى ترامب، ومن لا يؤذن لهم كسكان هاييتي والسلفادور والدول الأفريقية التي تبدو كالحثالة (أو خريجي المراحيض حسب ما نسب اليه أيضا من قول)، مع وجود خلافات أخرى يتمحور بعضها حول من يوصفون بالحالمين الذين جاءوا الى البلاد مع ذويهم بطريقة غير شرعية عندما كانوا صغارا وقاصرين، ولذا كما يرى أعضاء الحزب الدمقراطي وبعض أعضاء من الحزب الجمهوري، لا يجوز طردهم أو ابعادهم عن البلاد، لأن هجرتهم غير الشرعية لم تكن بارادتهم، بل بارادة ذويهم عندما كانوا قصرا ولا يملكون ارادتهم الحرة…وذلك خلافا لرؤية الرئيس ترامب الراغب في ترحيلهم جميعا، علما أن عددهم يبلع أو يتجاوز السبعمائة الف انسان، بل وفي تقرير حديث، يبلغ عددهم مليون وثلاثمائة ألف مهاجر تنطبق عليهم هذه الحالة.

غير أن ترامب يريد أيضا شيئا آخر، وهو بناء سور فاصل بين المكسيك والولايات المتحدة يمتد قرابة الثلاثة آلاف ميل ، وبكلفة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات التي لا يرغب الحزب الدمقراطي في الموافقة على انفاقها، لعدم توافر الفائدة منها بالدرجة التي يقدرها أو يتوقعها ترامب كتعزيز لمشروعه في قانون جديد للهجرة. وفي معرض تعليقه على المشروع  الترامبي لبناء السور الطويل، ذكر السناتور الدمقراطي بيرني ساندرز ساخرا  ب “أنه مشروع رائع لو كان ينفذ في القرن الخامس عشر عندما بنت الصين سورها العظيم”.

ويعتقد الكثيرون أن ترامب يسعى من وراء ذلك السور الذي اطلقه كواحد من شعاراته الكثيرة خلال حملته الانتخابية، ليس مجرد أن يثبت أنه يلتزم بوعوده الانتخابية، بل احكام سيطرته على الهجرة الى بلاده التي يريدها ان تكون كما يدعي، هجرة مفيدة للبلد ولا تتحول الى عبء عليه. فمما بات معلوما أن بعض شعارات ترامب الانتخابية وهي كثيرة، ليست قابلة للتنفيذ، ومنها تعهده بأن يفرض على المكسيك تسديد الكلفة الكاملة لبناء ذاك السور. فالمكسيك قد رفضت أن تدفع ولو دولارا واحدا من كلفة بنائه، مما اضطر أحد أعوان ترامب وهو جون كيلي، كبير مستشاري ترامب، للقول بأن المكسيكيين سيدفعون كلفة بنائه ولكن عن طريق غير مباشر، وهو من خلال اتفاقية “نافتا” التجارية الاقتصادية التي تربط أميركا والمكسيك وكندا، علما أن ترامب يتنكر لهذه الاتفاقية ويعتبرها ضارة  للاقتصاد الأميركي.

وفي مرحلة لاحقة، علق ترامب موافقته على اضفاء المشروعية على اقامة بعضا من “الحالمين”، (الأمر الذي يطالب به الحزب الدمقراطي لجميع الحالمين) ، شرط أن يبارك الدمقراطيون بناء السور العظيم، وأن يوافقوا أيضا على رصد الأموال اللازمة له، والتي قدرها ترامب بخمسة وعشرين مليار دولار.

ولكن الرئيس ترامب لا ينتظر اقرار قانون جديد للهجرة، أو الاتفاق بشكل نهائي على مستقبل المتواجدين على الأراضي الأميركية بطريقة غير شرعية  وخصوصا منهم من يسمون بالحالمين، اذ على أرض الواقع، بدأ فعليا في مطاردتهم ، حيث قام بترحيل البعض منهم.  وعرضت وسائل التواصل الاجتماعي حالات حزينة لوداع  أسرة  لأب رحل مخفورا الى المكسيك, ولكنها نشرت أيضا فيديو التقط في ولاية فلوريدا، يظهر رجال الشرطة والمسؤولين عن ملاحقة المقيمين اقامة غير شرعية، تستوقف باصا من باصات greyhound  للمواصلات المعروفة في الولايات المتحدة، وتصعد الى متنه، وتطلب من الركاب ابراز اوراق تثبت كونهم أميركيين، وذلك في محاولة من رجال الأمن لالقاء القبض على بعض المهاجرين غير الشرعيين.   وهذا الفيديو الذي تمكن أحد الركاب من التقاطه خلال عملية التفتيش تلك،  ووضعه على صفحات التواصل الاجتماعي، قد طاله حتى الآن ثلاثة ملايين و 218 الف مشاهدة. ولا يعلم أحد ان كانت هذه الحادثة مجرد حادثة منفردة، أم تكررت في مواقع أخرى من الولايات المتحدة. غير أن الكثيرين من المراقبين لا يستبعدون  تكرارها اذا اصر الرئيس ترامب على ملاحقة كل المقيمين اقامة غير شرعية في أميركا.

والمعروف ان الولايات المتحدة التي زرتها مرارا، ، من البلاد التي يتجول فيها  الزائر والمواطن بحرية تامة،  وبدون حاجة لحمل جواز سفره أو حتى هوبته الشخصية. فلا أحد يطلب منك ابراز أوراق كهذه الا في حالات قليلة خاصة، كالدخول في عراك مع آخرين أدى لتدخل رجال الأمن.  ففي حالة كهذه، أو في حالة صرف شيك باسمك في أحد البنوك، وغيرها من الحالات القليلة المشابهة… تسأل عن اسمك، ويطلب منك عندئذ ابراز اثبات يؤكد أن هذا هو اسمك  فعلا. وفي حالة كهذه، يكتفى بابراز رخصة سواقة مثلا تحمل اسمك وصورتك، أو ابراز هوية جامعية، أو هوية الانتماء للعمل في مؤسسة ما…فهذه كلها كافية لاثبات شخصيتك، ولا يصل الأمر أبدا الى المطالبة بابراز جواز سفرك، أو بطاقة اقامتك ، أو أي شيء يتعلق باقامتك  ويكشف عن كونها شرعية أو غير شرعية.  فالحالة الوحيدة التي يطلب فيها منك ابراز جواز سفرك، هي في المطارات لدى السفر الى خارج البلاد، أوحتى للانتقال داخلها وبين ولاياتها المتعددة.

فعلى ضوء تلك الحالة المعتادة والتي كانت سائدة الى حين ظهور الرئيس ترامب على الساحة الأميركية، تتبلور أسباب الدهشة لما جرى في 22 كانون ثاني في ولاية فلوريدا وبالذات في Fort Lauderdale. فعلى ضوئها انتشرت الأقاويل  والمخاوف باحتمال تكررها اذا أصر ترامب على ملاحقة ملايين المقيمين اقامات غير شرعية،  والذين يصر ترامب على ترحيلهم الى خارج الحدود الأميركية،  مع التفاوض او المساومة استثناء على قضية المسمون بالحالمين، والذين تقول مصادر ترامب  باستعداده  لمنحهم فرصة للبقاء في البلاد، مقابل موافقة الدمقراطيين على صرف 25 مليار دولار لبناء سور ترامب العظيم، على غرار سور الصين العظيم.

وهناك ثمن آخر يطلب من الحزب الدمقراطي المعارض أن يدفعه، وهو السكوت عن عمليات الرئيس ترامب الحالية والقادمة في ملاحقة المقيمين الآخرين اقامة غير شرعية، والتي لا بد منهاـ، والا تعذر تنفيذ رغبته المتشوقة لترحيلهم سريعا عن البلاد.

ولكن تنفيذ هذه المهمة الشاقة، سوف يتطلب عاجلا أو آجلا، اللجوء الى حملات مداهمة مفاجئة من المتوقع أن تنفذ لمطاردتهم والبحث عنهم عبر الولايات المتحدة طولا وعرضا. وبرجح أن تشمل المداهمات بعض الأحياء الفقيرة  في بعض المدن الأميركية التي يعتقد أن المقيمين اقامة غير شرعية قد يكونون متواجدين فيها بسبب الانخفاض في أجور مساكنها.  فبدون هذه المداهمات، التي يحتمل أن ينطوي بعضها على حالات من العنف والشراسة، بل والحاق الضرر أو الأذى ببعض الأميركيين الحقيقيين من ذوي الدخل البسيط الذين يضطرهم دخلهم المحدود للاقامة أيضا  في الأحياء الفقيرة التي يقيم فيها أولئك المقيمون اقامات غير شرعية…. بدونها لا يمكن استكمال عملية استئصال المقيمين اقامة غير شرعية، اذ لا بد من اللجوء الى عمليات مطاردة وملاحقة حثيثة كهذه، والتي من المرجح أن تشمل مداهمات مفاجئة معززة بموافقات من القضاء او النيابة العامة، وبعضها لغايات المفاجأة التامة، غير منتظر استصدار الموافقات القضائية اللازمة قانونيا ودستوريا قبل الشروع بتنفيذها، علما أنه من غفير المستبعد أن تنضوي الغالبية العظمى من حالات المداهمة هذه، تحت جناح عمليات المداهمة بدون استصدار موافقات قضائية مسبقة,

فالبجث عن عشرة ملايين مقيم اقامة غفير شرعية في وسط دولة  تتكون من 320 مليون اميركي، لن يكون امرا سهلا، ومن المحتمل جدا أن يسبب متاعب للمواطنين الحقيقيين الأبرياء. والأدهى من ذلك، أنه قد يقود البلاد تدريجيا لبلوغ حالة من الادارة البوليسية للبلاد تحت ذريعة تطهير البلاد من المقيمين اقامة غير شرعية ويشكلون، كما يدعي ترامب، عبئا على البلا وعلى اقتصادها والعمالة الصحيحة فيها.  ومهما كانت درجة الوعود التي من المتوقع أن يطلقها الرئيس ترامب بمراعاة قوانين البلاد في عملية المطاردة هذه، فان الاعتماد على وعود ترامب،  قد يكون اعتمادا على  قدوم “غودو”  في مسرحية صموئيل بيكيت، حيث الآتي الذي قد لا يأتي.

فالرئيس ترامب يطلق الكثير من التصريحات ثم سرعان ما يتراجع عنها، ومنها تصريحه لدى توليه الرئاسة، بأنه لن يسعى لملاحقة كامل الاثني عشر مليون مهاجر هجرة غير شرعية، بل سيكتفي بملاحقة مليونين أو ثلاثة منهم، لا لكونهم مقيمين اقامة غير شرعية فحسب، بل لكونهم يمارسون تجارة المخدرات ويرتكبون الكثير من الجرائم التي يعاقب عليها القانون.  الا أنه سرعان ما تراجع لاحقا عن تعهده ذاك، وعاد لطرح وجوب ملاحقتهم جميعا دون استثناء، الى أن تصدى له الدمقراطيون مطالبين باستثناء الحالمين من هذه المطاردة نظرا لوضعهم الخاص.   ومع اضطرار ترامب لتقبل ذاك المطلب على مضض، خصوصا بعد موقف الحزب الدمقراطي المتشدد والذي ادى لحجب التمويل عن الحكومة المركزية لمدة ثلاثة ايام،…فانه قد وضعا شرطا مقابلا سبق ذكره، وهو الموافقة على تمويل بناء السور العظيم.

 

اذن الولايات المتحدة قد تكون مقبلة على تطورات هامة، ليس أقلها احتمال توجيه التهمة لترامب باعاقة سير العدالة والتعامل مع روسيا الاتحادية بغية ضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسية، بل نحو تطور أكثر خطورة اذا فشل المحقق الخاص “روبرت مولر” في اثبات تلك التهم على ترامب، مما سيؤدي لبقائه في السلطة مزودا بشعور الرجل القوي الذي أجهض كل الاتهامات ضده، وكرسه نهائيا كرئيس شرعي للبلاد يتمتع بسلطات سيمارسها بثقة وقوة، ومنها سلطة ملاحقة المقيمين اقامات غير شرعية،  مستخدما في سبيل ذلك، كل الوسائل بما فيها مطاردتهم بنهج بوليسي عنيف قد يمهد لابعاد البلاد عما اعتادته من نهج دمقرطي في تسيير الأمور،  ووضعها  في حالة من الاضطراب عبر استخدام أساليب بوليسية قد تنقل البلاد تدريجيا الى مرحلة من الحكم البوليسي المطلق تحت حكم ترامب، المتطلع لأن يدخل التاريخ الأميركي ك”جورج واشنطن”  أو “أبراهام لينكوان”، ومؤكدا بالتالي  للعالم أجمع،  وللأميركيين خاصة، بأنه الرئيس المنتخب، كما يردد في قوله المتكرر دائما: “أنا الرئيس…ألست أنا الرئيس؟”.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد