الأقباط متحدون - اللاجئون إلى حضن شعوبهم لا يخافون ولا يحزنون
  • ٠٨:٢٥
  • الاربعاء , ١٧ يناير ٢٠١٨
English version

اللاجئون إلى حضن شعوبهم لا يخافون ولا يحزنون

مقالات مختارة | خالد منتصر

١٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٧ يناير ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

كم نحتاج جميعاً إلى مشاهدة هذا الفيلم، ليس فى ظلام صالة السينما فقط، بل فى ظلام زماننا الضبابى «the darkest hour الساعة الأكثر ظلمة» للمخرج «جو رايت»، الفيلم يطرح عدة أسئلة مهمة دائماً ما تتكرر فى اللحظات المفصلية المتوترة فى تاريخ الأوطان والتى تحتاج إلى قرار مصيرى يُخرجها من سراب الضياع..

النخبة كلها ومجلس الحرب والأرستقراطية المحافظة الإنجليزية كلها ضد «تشرشل» فى منتصف سنة 1940 حين حل محل «تشامبرلين» كرئيس للوزراء بناء على رغبة المعارضة فى ظل توجس وتربص من تقلبات تلك الشخصية الفظة المكتئبة التى لا يستطيع أحد حساب ردود فعلها أبداً، الألمان مرعبون كالوحوش الضارية، ثلاثة ملايين جندى ألمانى اقتحموا بلجيكا وسيلتهمون فرنسا وتتساقط أوروبا مدينة مدينة بين مخالبهم كأوراق الخريف الذابلة، وزير الخارجية وكبار أعضاء حزبه المحافظون، بل وكبار قادة الجيش البريطانى، يدعونه للتفاوض وعقد معاهدة سلام مع هتلر الأحمق الجزار، و«تشرشل» الذى أدى دوره «جارى أولدمان» ببراعة مذهلة وعبقرية جعلت أى ممثل سيتصدى للشخصية فيما بعد سيرتعد خوفاً، هذا الزعيم العجوز مصرٌّ على المقاومة. كل المؤشرات ترسم لوحة السقوط والاستسلام، جنوده فى «دانكرك» احتمال نجاتهم بالورقة والقلم صفر فى المائة، ستتم إبادتهم عن بكرة أبيهم، لسان حال الجميع «فلتذهب فرنسا إلى الجحيم لننجو نحن الإنجليز»،

لكن «تشرشل»، المحب العاشق لهذا الوطن، لديه يقين عجيب بأنه حتماً سيقاوم وسينتصر، ولا يمكن أن يفاوض نمراً ورأسه بين فكّيه، إلى من يلجأ تشرشل، هذا الذى وُلد وفى فمه ملعقة من ذهب، لم يركب الأوتوبيس أو المترو، كان بينه وبين البسطاء جدار خرسانى وزجاج سيارة مصمت سميك، قرر النزول واللجوء إليهم والاختلاط بهم والثقة فيهم، استمد الثقة من سكرتيرته البسيطة التى أرسل شقيقها إلى «دانكرك» حيث ينتظره الجحيم، ركب مترو الأنفاق ليرى العجوز والشاب وحتى الطفل يهتفون بحياة بريطانيا العظمى ويعلنون المقاومة بأظافرهم الصفراء من أثر الأنيميا، يبكى القائد العجوز وتنفتح شرايين الشباب والمقاومة داخل جسده وعقله وروحه، لتنجح خطة إنقاذ جنوده فى «دانكرك»، فقط بالإرادة وروح التصميم والتشبث بالحياة والرهان على الشعب وتماسكه وذوبانه وانصهاره تحت راية العلم ونشيد البقاء. هكذا تكون السينما، وهكذا يكون الفن، الفيلم يجذبك بخيط مغناطيسى بإيقاعه اللاهث برغم أن معركة دانكرك لم تستغرق إلا دقيقة على الشاشة! كيف تخلق إيقاعاً يشدك إلى الشاشة ساعتين لا تستطيع النظر خلالهما حتى إلى من يجلس بجوارك؟ كانت تلك هى المعضلة والعبقرية، الفيلم فى غرف مظلمة يجتمع فيها رجال يتجادلون، يلفهم دخان السيجار، فكيف ستخلق إيقاعاً بوليسياً لاهثاً وسط هذه الأجواء؟ حركة تشرشل واندفاعه داخل مبنى الحكومة، دقّات الآلة الكاتبة،

خطبه الملتهبة، الحوارات القصيرة المركزة الخالية من الثرثرة، الموسيقى التصويرية المحسوبة بميزان الذهب، المونتاج الذى يجعلك تقف على أطراف أصابعك، حركة الكاميرا التى تحس أنها تلطمك أحياناً وتهزك حتى تضنّ على نفسك بأن ترمش، كل تلك المفردات السينمائية هى التى خلقت هذا الانجذاب وصنعت ذلك المغناطيس المذهل، حتى وصلنا إلى نهاية الفيلم وهى المعركة التى من فرط ثقة المخرج فى براعته لم يُعر لها انتباهاً، وتحدانا نحن المشاهدين فى فيلم يحكى لنا التحضير لمعركة بدون أن يستعرض لحظات الانتصار! فيلم مذهل فى كل التفاصيل، تخرج منه متسائلاً: «كم من القادة أعطى ظهره للناس ولم يسمع نبضهم ومنح أذنه للجوقة وسقط؟ وكم منهم قد تعلّم الدرس؟!».
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع