الأقباط متحدون - رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟!
  • ٢١:٤٨
  • الخميس , ٢١ ديسمبر ٢٠١٧
English version

رسالة إلى الرئيس.. هل مصر تحارب البحث العلمى؟!

مقالات مختارة | بقلم : خالد منتصر

٠١: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٢١ ديسمبر ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

 وصلتنى تلك الرسالة، الصرخة الموجعة من الباحث المصرى الشاب شريف أبوالحديد، الذى يعمل الآن فى إنجلترا، ويرفعها إلى رئيس الجمهورية، يكشف بها عن أن التمويل ليس مشكلة البحث العلمى الأولى فى مصر، لكنه الروتين القاتل، الذى فى ظله لو توافرت ميزانية البحث العلمى فى أمريكا لدينا، فلن نتقدم خطوة، وستضيع هباء. تقول الرسالة:

 
البحث العلمى هو أساس ارتقاء الدول وعماد تطورها، ومع التطور الظاهرى فى حياة المصريين، من حيث استخدام التكنولوجيا، إلا أن إنتاج مصر فى جودة البحث العلمى وتطبيقاته لم تتناسب مع بدايته، منذ إنشاء الجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة)، وتخلف تطبيق البحث العلمى فى مصر هو نتيجة مشاكل عدة، قد يتوهم البعض أن التمويل هو المشكلة الأساسية، ولكن على خلاف هذا المعتقد غير الدقيق، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى إدارة البحث العلمى وسياسته، وليس فى تمويل الأبحاث العلمية، بلغ عدد الباحثين فى مصر 125 ألفاً فى عام 2014 وطبقاً لليونيسكو، فإن 1.5 من ألف عامل فى مصر يعملون فى البحث العلمى، بينما كانت النسبة 11 فى سنغافورة، و7.9 فى أمريكا، و7.8 فى بريطانيا، أما إسرائيل، فكانت النسبة 16 من ألف عامل يعملون فى البحث العلمى، وأما عن إنتاج مصر فى الأوراق البحثية، فجاءت مصر فى المرتبة 31 فى إنتاجية الأوراق البحثية فى مجال التكنولوجيا الحيوية فى عام 2016، وجاءت إسرائيل فى المرتبة الـ41 فى العام نفسه، والمثير للجدل فى هذا أنه فى عام 2014 تم استثمار 801 مليون دولار فى 167 شركة ناشئة إسرائيلية فى مجال التكنولوجيا الحيوية، بينما كان الأمر أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، سواء كان فى الاستثمار، أو عدد الشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا الحيوية، وهذا ليس بسبب التمويل فى مصر، ولكن بسبب غياب الرؤية وتدهور حالة حقوق الملكية الفكرية، والهجرة الجماعية للعلماء خارج مصر، مع وجود قوانين تمنع الباحثين فى الجامعات الحكومية من إنشاء شركات ناشئة، فنستطيع أن نقول إن إنتاج مصر فى البحث العلمى، لا يساعد فى تقدم الإنسانية، ولكنه يساعد فى التقدم للترقية.
 
مشكلة مهمة تواجه جميع الباحثين فى مصر فى مجال العلوم الحيوية، التى تعوق أساس التقدم فى البحث العلمى، وهى مشكلة المورّدين للمستحضرات والكيماويات أو كما أود أن أسمى هذه المشكلة.. مشكلة «شهبندر التجار»، وتكمن حقيقة هذه المشكلة فى أن الشركات الأم فى شتى أنحاء العالم تمنح لمكاتب التوريد فى مصر الأحقية فى توريد منتجاتها. ومن ثم فإن حياة الباحث المصرى تقع تحت رحمة مكاتب التوريد، دون رقابة أو هذا ما أود أن أؤمن به، تستغل هذه المكاتب حاجة الباحث المصرى للكيماويات -التى دونها لا يستطيع أن يحدث فارقاً فى البحث العلمى- وتطلب سعراً أعلى بكثير من السعر الرسمى على صفحة الشركة الأم الإلكترونية، فمثلاً قد يطلب المكتب من الباحث دفع 5000 جنيه مصرى، على منتج ثمنه 100 جنيه إسترلينى فى الصفحة الرئيسية، وليس هذا فحسب، فتوريد الكيماويات أو المستحضرات يستغرق وقتاً طويلاً جداً ما بين الشهرين والأكثر، فى ذلك الوقت يتساءل الباحث المصرى عن معنى الحياة، ولماذا يحدث هذا فى وطنه الحبيب، الذى سافر ثم عاد إليه، مضحياً بكل ما يسر القلب والعين فى الخارج، الحقيقة هى أن هذه المشكلة هى لب تدهور البحث العلمى فى مجال العلوم الحيوية، لأنه دون كيماويات تأتى سريعاً للباحث، لا يستطيع الباحث أن ينتج شيئاً، وإذا ازداد سعر هذه الكيماويات ازداد معها الحمل على كاهل الباحث المصرى، حتى يقع فى جوف الروتين الممل والتخلف الأبدى، مع الإضافة إلى عدم الإنصاف فى تحكيم الأبحاث العلمية فى مصر أو الِمنح التى يتقدم إليها الباحثون، فللأسف بعض المحكّمين لا يفقهون ما يقدم إليهم، ولكنهم يرفضون الإفصاح عن جهلهم، وإلا ضاع العائد المادى، ولذلك فإن معظم الباحثين فى مجال العلوم الحيوية، خاصة الشباب، لا يثقون فى صندوق تطوير العلوم والتكنولوجيا المصرى. ولا يثقون حتى فى جودة التحكيم على أى منحة، مصر مشاركة فيها إذا كان المحكمون من مصر. لا يجب أن نخجل من أن نطلب التحكيم الدولى.. فالخيل والليل والبيداء فقط تعرفنا، وليس القرطاس ولا القلم!
 
كل هذا يقتل البحث العلمى فى مصر ويسرّع من هجرة العقول المصرية إلى الخارج، وقد عانيت شخصياً من تلك المشكلات، التى كانت الطعنة الغادرة فى عقلى، وكانت السبب الأساسى للسفر إلى الخارج. سافرت بعقلى وظلت روحى فى أرض وطنى، وهذا هو حال الباحثين المصريين فى الخارج، مشتتين ما بين العقل والروح.. الوطن والعلم والتطور والإمضاءات والأختام.
 
فى النهاية.. قد يطيب للبعض مضاجعة الجهل، ولكن إذا رأينا الفقر والتطرف بيننا فيجب ألا نلوم سوى أنفسنا.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع