الأقباط متحدون - العبودية فى ليبيا ومسئولية المجتمع الدولى
  • ٠٦:٥٣
  • الجمعة , ٨ ديسمبر ٢٠١٧
English version

العبودية فى ليبيا ومسئولية المجتمع الدولى

مقالات مختارة | حافظ أبوسعدة

٥٠: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ٨ ديسمبر ٢٠١٧

حافظ أبوسعدة
حافظ أبوسعدة

 فى مشهد صادم للضمير الإنسانى أذاعت قناة «سى إن إن» الأمريكية فيديو عن عمليات بيع لشبان أفارقة فى أسواق لتجارة العبيد فى ليبيا، وفى الغالب هم الشباب الذىن يتوجهون إلى ليبيا للانطلاق فى رحلة من رحلات الهجرة غير الشرعية إلى جنوب أوروبا، هروباً من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة فى بلادهم، ويتراوح الثمن بين 400 دولار أو 300 يورو للشخص ويتم استخدامهم فى أعمال زراعية بأجور زهيدة أو دون أجور، وقد أدى هذا إلى ردود فعل غاضبة فى فرنسا ودول أفريقية، ودعا الاتحاد الأفريقى إلى ضرورة التصدى لهذه الظاهرة وعقاب من يرتكبون هذه الجريمة العنصرية. وصرح الرئيس الفرنسى بأن الاتجار فى العبيد فى ليبيا جريمة ضد الإنسانية، وعلى أثر هذا قررت الحكومة الليبية فتح تحقيق فى هذه الممارسات مع شكوك قوية فى قدرة الحكومة الليبية على منع هذه الظاهرة لاسيما أن التنظيمات والميليشيات المسلحة هى المتهم الأول فى هذه الممارسة العنصرية وعودة عبودية العصر الحديث.

 
لا يمكن أن نتحدث عن ظاهرة العبودية فى ليبيا دون أن نذكر مسئولية المجتمع الدولى فى ما آلت إليه الأمور فى ليبيا من تحولها إلى دولة فاشلة، لا يوجد فيها سلطة مركزية قادرة على فرض القانون ومحاربة الجريمة المنظمة بالإضافة إلى هيمنة التنظيمات والميليشيات المسلحة على أجزاء شاسعة من الأراضى الليبية، بل يمكن أن نقول إن ليبيا تحولت إلى مركز للخطورة الإرهابية التى تهدد الدول المحيطة بها حيث أنشئت معسكرات لتدريب المقاتلين الأجانب وإمدادهم بالسلاح والمعدات والأموال لتنفيذ عملياتهم الإرهابية لاستهداف دول الجوار الليبى، وعلى رأس هذه الدول مصر التى تستهدفها التنظيمات الإرهابية فى موجات متتالية فى محاولات لإدخال إرهابيين ومعدات عسكرية وأسلحة للاستخدام فى أعمال قتل واعتداء على المواطنين وقوات الشرطة عبر خط الحدود الممتد من ساحل البحر المتوسط وحتى الحدود المصرية الليبية السودانية وهى مسافة تتجاوز 1200 كيلومتر، كما حدث فى استهداف أوتوبيس زوار لدير الأنبا صموائيل وحادث الواحات الذى أدى إلى استشهاد أكثر من 16 ضابطاً وجندياً بالإضافة إلى إصابة 13 آخرين.
 
إن انهيار الدولة فى ليبيا وأنظمتها الأمنية والعسكرية بفعل التدخل الدولى وضربات قوات الناتو للجيش الليبى ومعسكراته ومراكز الأجهزة الأمنية والمخابراتية أدى إلى شيوع الفوضى وهيمنة وسيطرة المجموعات والميليشيات المسلحة فضلاً عن استمرار فرض حظر على تسليح الجيش الوطنى الليبى والحكومة الشرعية بقرار مجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 فى جلسته رقم 6491، هذا القرار استمراره حتى الآن رغم وجود نواة لجيش ليبى وطنى اعترف به أغلب دول العالم وحكومة وطنية تعبر عن الشعب الليبى ووجود مبعوث دولى يعمل على تطوير الوضع فى ليبيا لوضع دستور دائم وانتخاب سلطة تشريعية وحكومة ورئيس كل هذا يذهب أدراج الرياح إن لم تتمكن السلطة القائمة من فرض السلطة والنفوذ وتحقيق الاستقرار ويضع عشرات علامات الاستفهام لاسيما أن استمرار الدعم العسكرى بالمال والسلاح والأفراد من قبل أجهزة مخابرات الدول الداعمة للإرهاب وعلى رأسها قطر يجعل هذه الميليشيات العسكرية تتحدى السلطة الوطنية ويجعلها قادرة على فرض السيطرة والهيمنة على قطاعات واسعة من الأراضى الليبية واستخدامها فى أنشطة إرهابية وإجرامية دون إمكانية إخضاعها للحساب.
 
كان المجتمع الدولى ناضل طويلاً طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر لمكافحة العنصرية والعبودية ونشأت منظمات دولية غير حكومية تعمل بلا كلل لمواجهة هذه الظاهرة وتجريمها، حتى تم إبرام اتفاقية دولية فى بدايات القرن التاسع عشر لمنع جميع أشكال العبودية ثم بعد إنشاء الأمم المتحدة تم اعتماد اتفاقية دولية لمكافحة العبودية والتمييز العنصرى، كما نجح المجتمع الدولى فى إنهاء النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا عام 1994 (نظام الأبارتهايد) وتولى المناضل نيلسون مانديلا الرئاسة فى جنوب أفريقيا كأول رئيس أسود فى تاريخها الحديث، واعتُبر هذا انتصاراً للإرادة الدولية فى القضاء على الفصل العنصرى فى العالم، لذلك عودة هذه الظاهرة بوجهها القبيح فى ليبيا يدعو المجتمع الدولى للتحرك وبقوة لعقاب الميليشيات المسلحة فى ليبيا والقضاء عليها، ويجب أن نضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته لاسيما أنه يتحمل قدراً كبيراً من المسئولية عندما قامت قوات حلف الناتو بقصف ليبيا وإنهاء كل مؤسسات الدولية الأمنية والعسكرية وهياكل الدول الوطنية.
 
عودة هذه الجريمة البغيضة، التى تعد وبحق عاراً فى وجه الإنسانية ناضلت الأمم والشعوب طويلاً لإنهائها فى بقاع الأرض يدعونا إلى دعوة مجلس الأمن إلى أن يتحمل المسئولية فى مواجهة العنصرية ونشأة نظام عنصرى آخر داخل الدولة الليبية وفى القارة الأفريقية على يد ميليشيات مسلحة لا تخضع للقانون وتخالف القانون الدولى بل تتحداه وتنتهك مبادئ الأمم المتحدة لاسيما أن هذه جريمة ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسى بشأن المحكمة الجنائية الدولية (المادة 7 فقرة «ى»)، تحت عنوان «جريمة الفصل العنصرى»، وبموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن المشار إليه عاليه فى البند رقم 4، بإحالة الوضع القائم فى الجماهيرية العربية الليبية منذ 15 فبراير 2011 إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية»، إذن هناك سلطة للمحكمة الجنائية الدولية على الوضع فى ليبيا حال ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى نظام روما كجريمة الفصل العنصرى التى هى جزء من الجرائم ضد الإنسانية الواردة فى المادة 7، فيجب ألا يفلت المسئولون عن هذه الجرائم من العقاب.. فهل يحال قادة تلك الميليشيات المسلحة التى تنظم أسواق تجارة العبيد وكذلك الدول الداعمة لها وعلى رأسها قطر إلى المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن؟
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع