الأقباط متحدون - من أين جاء هذا النقاب؟
  • ٠٠:١٧
  • السبت , ٢ سبتمبر ٢٠١٧
English version

من أين جاء هذا النقاب؟

مقالات مختارة | حامد فتحي

٥١: ١٠ ص +02:00 EET

السبت ٢ سبتمبر ٢٠١٧

من أين جاء هذا النقاب؟
من أين جاء هذا النقاب؟

ذات مرة، كنت عائداً لمنزلي، وسمعت صوتاً يناديني، فالتفتُّ، فإذا ببعض جاراتي، وبينهن منتقبة لم أتعرف عليها، يشرنَ أنها هي المنادية. ثم يضحكن لعدم تعرفي عليها. لم يكن غريباً ألا تميّز أذني الصوت، فنحن نعيش في عالم يسوده تعرف البشر بالرؤية! ثم عرّفتني المنتقبة بنفسها باستنكار: "أنا أختك". ابتسمتُ لطرافة الموقف، وانتبهت لضرورة شحذ حاسة سمعي أكثر.

تذكرت الحادثة وأنا أتابع الجدل الذي أثارته الممثلة المعتزلة "حلا شيحا" بنشرها صورتين لها بعد ارتدائها النقاب، مما دفعني للتفكير في سبب اختيار المرأة لأن تحجب نفسها كلياً عن الناس، والهواء، والشمس؟




التحكم في جسد المرأة ركن في أفكار الحركات الدينية
كنا قرب نهاية الألفية الثانية، حين عاشت قريتي هوساً دينياً، ترافق مع السفر للخليج، وانتشار الحملات الدعوية السلفية المدعومة من نظام "حسني مبارك"، ضمن سياسة استبدال السلفيين المدجنين بالحركات الجهادية والإخوان المسلمين. وراج وقتها إطلاق اللحى، وارتداء الأزياء السعودية، والنقاب، وتحقير تعليم المرأة وعملها، كما زادت حالات الزواج المبكر، وتعدد الزوجات. وشهدت اللغة الدارجة مصطلحات جديدة مثل: (يا أخي، يا أختي، يا أبي، يا أمي، وبارك الله فيك، وأصبح المسيحيون نصارى)، واُستنكرت: (صباح الخير، ومساء الخير، ازيكم، وشكراً...إلخ) لتسود"السلام عليكم". ولا خطأ في "السلام عليكم" بل الخطأ في تحريم واستنكار ما سواها من تحيات، وهذا هو حال الدعوات الدينية حيث تسعى لأن تسود وحدها، ولا تتقبل الاختلاف ولو بالتحية.

أقوال جاهزة
النقاب في مصر يكشف الوجه الحقيقي لسياسات الحركات الإسلامية

واشتهرت في قريتي زوجة أحد كبار السلفيين، وأصبحت محط إعجاب النساء في مجتمعنا القروي المحافظ، حيث لا شيء في أسلوب حياتنا يلبي طموح المرأة الذي ينحصر بين انتظار الزوج، وتربية الأبناء، ومشاهدة الدراما المسطحة. مما دفع النساء للتمثّل بأفكار السلفيين أملاً في تحقيق ذواتهن. تلك الذات التي يُبشر بها السلفيون رجالاً ونساءً، فالمرأة زوجة تعف الذكر المسلم، وخادمة منزلية بدون أجر، ومربية للأبناء، مثل المؤمنات الصالحات زمن السلف الذي ينتسب إليه الإسلاميون المعاصرون.


إذا كان النقاب فريضة دينية فلماذا لا أرتديه؟
وقالت الحركات السلفية بفرضية النقاب، وربما خالف نفر قليل كبعض الإخوان المسلمين الذين أغرمت زوجاتهم بالخمار. وفي ظل اعتلاء السلفيين لأغلب منابر المساجد أطلقوا دعواتهم لتحجيب المرأة، وهاجموا كل زي آخر، وانتشرت أحاديث الكاسيات العاريات. ومع غياب أي عقل نقدي يمحص هذه الدعوات، بالإضافة لسيادة التقاليد والعادات المنحازة للذكر، كان من السهل على السلفيين نشر أفكارهم بربطها باِسم الدين والحرام. وهي أسلحة لاقت نجاحاً كبيراً في ظل غياب رؤية قومية علمانية تدعم أسلوب الحياة الحديثة حيث المرأة عضو مستقل في الحياة، وليست مجرد أداة لتلبية رغبات الرجل الجنسية والانجابية.

ووجد النقاب قبولاً من فئات نسائية لم تكن تهتم بالهوس الديني، إذ كان الدافع حجب الوجه عن الشمس، أملاً في أن يزداد بياضاً. فأقبلت أعداد كبيرة من العاملات بأجر يومي على ارتداء النقاب أثناء نهار العمل، ثم التخلص منه بعد غياب الشمس، وبعضهن حافظن على ارتدائه بشكل كامل ربما تجنباً لصيحات الاستنكار عند خلعه.

ورافقت الهوسَ دعوةٌ لإزالة صور الزفاف المعلقة في غرف الاستقبال، إذ نظر السلفيون للأمر من زاوية تحريم كشف وجه المرأة، بجانب تحريم التصوير.  ولاقت دعوتهم نجاحاً حتى أصبحنا ندخل بيوتاً لا نعرف شكل نسائها. وهو أمر غريب حقا ألا تعرف وجه زوجة صديقك، أو زوجة أخيك، أو قريباتك، فربما تقابلهم في مكان ما، ويكن في حاجة لمساعدتك وأنت لا تعرفهن؟ ولا هن يعرفنك فيطلبن عونك؟

تأثرت العلاقات الاجتماعية سلباً بالنقاب


وأحد مساوئ انتشار النقاب هو زيادة تخفي المرأة عن الآخرين، وانحصار علاقاتها الاجتماعية مع قريناتها، ودائرة رجالية ضيقة. وهذا أدى لاستشعار الحرج عند زيارة الأقارب. ففي المنزل الذي تزوره لن تأتي النساء لإلقاء التحية، وعند تقديم واجب الضيافة ستسمع طرقاً على الباب، ودبيب أقدام تهرب سريعاً قبل أن يخرج أحد رجال المنزل لإحضار ما قدمه أهل البيت لضيافتك.

وقعت حوادث عديدة لتخفّي رجال وراء النقاب من أجل التحرش، ولارتكاب الجرائم بدون الخوف من كشف هويتهم، إذ يمثل النقاب قناعاً مقبولاً من الأمن. وغير ذلك من الأعمال غير الشرعية كالتزوير، وانتحال شخصيات الآخرين، حيث لا تكشف المنتقبة وجهها إلا بوجود الشرطة النسائية.

تحضرني مشاهدات لنساء منقبات في فصل الصيف، وهن يتصببن عرقاً، وترتفع درجة حرارة وجوههن، وذلك لحرمان الجسد من طرد الحرارة، ومنع الهواء من تبريده. وعجباً للفقه الذي عجز عن أن يتكيف مع متطلبات المرأة في ظل مناخ حار. أليس حرياً بالفقه أن يضع المناخ، وعمل المرأة، وتطور وسائل النقل... إلخ في بحثه لشرعية زي المرأة؟ أم يجب أن تظل مقموعة مرتين: باسم الدين تارة، وباسم الذكورية تارةً أخرى في حين يتمتع الرجل بحرية في ارتداء ما يناسبه صيفاً وشتاءً؟
نقلا عن رصيف 22

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع