الأقباط متحدون - الخطاب الديني.. التجديد للتوانسة والأكشاك للمصريين!
  • ٠٧:٥٣
  • الاربعاء , ٣٠ اغسطس ٢٠١٧
English version

الخطاب الديني.. التجديد للتوانسة والأكشاك للمصريين!

مقالات مختارة | علي الفاتح

٣٥: ٠١ م +02:00 EET

الاربعاء ٣٠ اغسطس ٢٠١٧

علي الفاتح
علي الفاتح

بينما تمضى تونس نحو ترجمة عملية تجديد الخطاب الدينى فى قوانين وتشريعات، ما زلنا فى مصر نتعامل مع دعوات تجديد الخطاب الدينى على طريقة عصور الظلام فى القرون الوسطى.

بدلا من الدخول فى معارك فكرية لتنقية تراثنا وإبداع فقه جديد، تسارع المؤسسات الدينية لنصب ما يشبه بمحاكم التفتيش لتكفير هذا والحكم بالزندقة على ذاك لمجرد أنه حاول الاجتهاد وإعمال العقل، وما جرى مع الدكتور نصر حامد أبو زيد فى نهاية تسعينيات القرن الماضى نموذج عملى يشرح الطريقة التى يتصرف بها رجال الأزهر ومؤسساته مع كل مجدد ومجتهد. مقصلة التكفير ليست الأسلوب الوحيد المستخدم فى مواجهة دعوات التنوير؛ فإقامة أسواق كسوق عكاظ، لترويج بضاعة المعممين القديمة أداة أخرى لمحاربة كل من يحاول الاقتراب من العقل المصرى، منطقة النفوذ الرئيسية التى يحتكرها رجال الدين.

واتخذت تلك الأسواق أشكالًا مختلفة فى بداية الألفية الجديدة ظهرت فى صورة برامج دينية مكثفة تكاد تطغى على غيرها من البرامج السياسية والثقافية والاجتماعية فى أغلب الفضائيات، وتطورت لتصبح قنوات كاملة، ناهيك بالطبع عن المواقع الإلكترونية والصفحات التى تبث ذات المحتوى.

المهمة الرئيسية لتلك الأسواق أن يقوم تجارها سواء من الأزهريين المعممين، أو المتنطعين الدخلاء على «صنعة» العلوم الدينية، بتنشيط الطلب لدى الجمهور على استهلاك الدين، وهم فى ذلك استخدموا كل أساليب الدعاية والترويج التليفزيونية، بدءا من الترغيب، ومرورا بالإثارة والتشويق وصولا إلى الترهيب وأساليب الرعب، فالجمهور متعدد بطبيعة الحال ويحتاج جذب شرائح وفئات مختلفة منه، استخدام كل الوسائل والطرق المتاحة بما فى ذلك الاعتماد على عوامل الصوت والصورة، كمؤثرات تلعب دورا فى خلق الطلب على سلعة بعينها.

وبالفعل، نجحت تلك الفضائيات فى ترويج الدين كسلعة حتى أصبح شيوخ الفضائيات وبالأحرى نجوم الإعلانات الدينية يتلقون أسئلة تطلب الفتوى الشرعية فى حكم من يضع يده اليسرى على اليمنى أسفل سرته أثناء الصلاة، وأخرى تسأل عن حكم الصورة الفوتوغرافية وما إذا كانت تعد وثنا يحرم تعليقه على الحائط.

ولأن الدين تحول إلى سلعة كان من الطبيعى أن تحكم النظرية الاقتصادية المعروفة بالمنفعة الحدية للسلعة والإشباع وهى ببساطة شعور المستهلك بانتفاء المنفعة من السلعة عند استخدامه لآخر وحدة يطلبها من السلعة، حينها يصل إلى حد الإشباع.

وقد وصل الجمهور المصرى إلى مستوى حد الإشباع من المحتوى الدينى لتلك الفضائيات، وشهدت نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة رواج محطات متخصصة فى الرقص الشرقى والغناء، حتى كانت أحداث يناير ٢٠١١ حينها أصبح الطلب الأول على بضاعة السياسة التى طغت على احتياجات المستهلك إلى وقت قريب، وربما تحول تركيز المستهلك الآن إلى المواد المعرفية المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية.

ولما أدركت الدولة خطورة تلك الفضائيات، وأقبلت على إغلاقها، أدركت فى ذات الوقت ضرورة تجديد الخطاب الدينى على مستوى الشكل والمضمون، وطالب الرئيس المؤسسة الرسمية بإبداع فقه جديد، وجاء الرد سريعا متمثلا فى تجاهل الدعوة أصلا، ثم اتهام منتقدى ذلك التجاهل، الداعين للتجديد، بالانحلال والكفر والزندقة، واعتبار انتقاد الأزهر هجومًا على الدين ذاته.

ولم تنس المؤسسة الرسمية سوق عكاظ، فأضافت إلى شيوخ الفضائيات ما أسمته بأكشاك الفتوى التى أقامتها فى محطات المترو، فمفهوم التجديد بالنسبة للمعممين يقتصر على إحياء القديم وإعادة نشره بين الناس وحثهم على اتباعه، وخلق طلب دائم لديهم لاستهلاكه، ووجود أصحاب العمائم فى أكشاك المترو بحد ذاته بمثابة إعلان عن بضاعة الفتوى «تعالى هاهنا نبيعك الفتوى فى عظائم الأمور وتوافهها».

العصور الوسطى كانت ظلامية فى أوروبا، وعندنا لأنها أرادت أن يسود الدين كل مجالات الحياة، وفى الحالة العربية يتحكم رجل الدين فى كل تفاصيل حياة العباد بدعوى امتلاكه المعرفة المطلقة لإرضاء رب العباد.

أخشى ما أخشاه أن يأتى يوم ينفض فيه الناس عن الدين والعقيدة وهم ينفضون عن بضاعة رجال الدين الرثة التى يظنونها والدين واحدًا.
لا سبيل لأن يظل الإسلام دين كل عصر صالح لكل مكان إلا باتباع منهج علمى فى التجديد يماثل منهج الدكتور نصر حامد أبو زيد فى تأويل النص لفهم مقصده الرئيسي.
نقلا عن البوابة نيوز

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع