الأقباط متحدون - لا ترفع سقف توقعاتك!
  • ١٦:٣٨
  • السبت , ٢٦ اغسطس ٢٠١٧
English version

لا ترفع سقف توقعاتك!

مقالات مختارة | بقلم:مفيد فوزي

٠٤: ٠٨ م +02:00 EET

السبت ٢٦ اغسطس ٢٠١٧

مفيد فوزي
مفيد فوزي

 (1)

أود لو أقضى بقية عمرى متحرشاً بالأمل وأطارد بكل ما أوتيت من قوة أسراب التشاؤم التي تحوم حولى. الأمل يضرب الإحباط في مقتل، والتشاؤم يضاعف الإحباط ويغلق كل نوافذ الأمل. في عز أزمات البلد كان الأمل رفيقى وكنت أحتشد ضد طاقات سلبية تقف على بابى. لم أكن سوبرمان يهاجم خفافيش الظلام بسيف بتار. بل كانت قاعدتى هي الإيمان ومنهجى هو الصمود. كنت منزعجاً مما يجرى في ميدان التحرير لا لأنى أعادى ثورة تهدف إلى تغيير الواقع بل لأنى كنت على يقين أن وراء ما جرى منصات الإخوان التي تتربص لتقفز على سدة الحكم. ورغم شهور طويلة من العذاب النفسى المكتوم كنت أذهب إلى الطاحونة حيث ترقد رفات شفيعى البابا كيرلس السادس وأصلى بكلمات قليلة أن يحفظ الله مصر ويجنبها المخاطر رغم ما أصاب كنائس مصر من أذى بسبب مشاعر كراهية للآخر.
 
كان الأمل صديقى وحليفى. وكنت أخرج من كنيسة العذراء في الزيتون بمشاعر قوة مفعمة بالأمل. لم أفقد الأمل يوماً في عز البلطجة وحرق المنشآت وخطف الأطفال. ولم أفكر في الهجرة أنا أو عائلتى الصغيرة إلى بلاد برة أو حتى إلى بلد عربى. كنت أحيا بطاقة أمل تكبر يوماً بعد يوم أن النور الساطع آت لا محالة. لست أدرى من أين جاءت عصافير الأمل وعششت فوق أغصان حياتى ولست أدرى كيف انسحبت الغربان من فوق فروع أشجار حياتنا. كانت بطن مصر حاملاً في ابنها الشجاع الذي حمل رسالة يعيد بها مصر إلى نفسها. يومها خرجت مصر إلى الشوارع والميادين والحارات والأزقة تقف مع ابنها «السيسى» وتطالبه بأن يتولى المسؤولية حتى لو كان «الرئيس الضرورة». كان ضرورياً أن يأتى الرئيس الضرورة ويذهب «الرئيس خيال المآتة»، غنت عصافير الأمل وكأن السماء استجابت لتحمى مصر المحروسة. لم يخذلنى الأمل فقد كان يسكن صدرى وعقلى وقلبى، الأمل هو تلك المشاعر والأحاسيس التي تمنحك طاقة إيجابية وتحميك من شرور ومخاطر الطاقة السلبية التي تشدك رغم أنفك إلى عنكبوت الاكتئاب. وآفة القوم في مصر هي النسيان، نسينا كيف كنا قبل ثلاثين سنة، نسينا كيف احتكر نفر من الإخوان حكم مصر وصنفوا الناس، وشهدت مصر أول انقسام في تاريخها وخرجت شراذم المقهورين في مظاهرات يائسة ممولة بالمال والقنابل تهتف «يسقط حكم العسكر» العسكر الذين أعادوا لمصر وجهها وكبرياءها ومركزها أمام العالم. كرهت هذا الهتاف على ألسنة شباب الإخوان، الذين ضللتهم قياداتهم بعد أن فقدت أرضها وصولجانها، مصر عادت إلى مصر، مصر عادت شمسك الذهب.
 
(2)
 
كيف أشحن نفسى ببطاريات «الأمل» وهى قضية معنوية تتعامل مع الوجدان، من تجربتى الحياتية وقد تروق لكم أو لا تروق. لا أرفع سقف توقعاتى، وصلت إلى هذه القناعة بعد تجارب من الإحباط والقنوط، توصلت إلى «سقف منخفض» من التوقعات في كل شىء، وقد نجحت بنسبة هائلة جعلتنى أتمسك بنظريتى «لا أرفع سقف التوقعات». في وقت مبكر من عمرى، كنت أرفع سقف التوقعات فأقابل شيئاً آخر غير متوقع بالمرة وتكون النتيجة صدمة ومرارة وخيبة أمل، كنت أجرب هذا في بعض صداقاتى، وأرفع سقف التوقعات في صدى إخلاصى واستيعابى وصدرى المفتوح، ثم أكتشف أنها صداقات مزيفة ومزورة، ولو كان سقف توقعاتى منخفضاً، ما كان لخيبة أملى أي وجود ولكان تأثير الصدمة تافها لا يذكر، ولكن رفع سقف التوقعات هو المسؤول عن تلك المرارة التي تغلف إحباطى.
 
وفى السياسة أيضاً، تعلمت ألا أرفع سقف التوقعات، وقد حافظت على «منسوب» مجرى التوقعات، وأظن أن خيبة الأمل ابتعدت عنى، مثلاً: لى أصدقاء من السادة الوزراء، حينما اختارتهم القيادة السياسية وعدونى بلقاءات شخصية ليست إعلامية لأنهم يفكرون خارج الصندوق وكنت قد خفضت سقف التوقعات، فلم أتلق تليفوناً واحداً منهم وتحولوا إلى «موظفين كبار» يفكرون داخل الصندوق، ولم أحزن أو أعاتب، ذلك أنى لا أريد شيئاً ولا أسعى لمنصب بالأجر ولا «أبتز» أحدهم، حيث إن الابتزاز قد طال مهنة الصحافة، ولو كان سقف توقعاتى عالياً لكانت صدمتى بجلاجل، وقرارات الدولة الاقتصادية التي لصندوق النقد رأى ملزم فيها لم أقابلها بغضب أو توتر، فأنا أحفظ جيداً دروس يوسف بطرس في رأسى، وحوادث القطارات لم تهز شعرة من الدهشة ربما لأنى عشت على مدى نصف قرن أحققها «صوت وصورة» في «حديث المدينة» بنفس ذات الأسباب والوقائع طبعة بالكربون. سقف التوقعات المنخفض حجب عنى الصدمات والجلطات عندما أهتم بالموضوعات العامة بدمى ودموعى.
 
(3)
 
حين لا أرفع سقف التوقعات لأحجب عنى الصدمات، يظل سقف «طموحاتى» عالياً، فماذا يمنع مصر من تعليم لائق بها، وماذا يمنع مصر من إدارة ناجحة ذكية تليق بها، وماذا يمنع مصر من إعلام لا يشعل النار بقدر ما يسلط ضوءاً على خلل دون كورس وطبول للنظام وماذا يمنع مؤتمرا اجتماعيا يحضره رئيس الدولة ليدخل البيت المصرى ويطلع عليه، كسوره وجروحه ومعاناته وتطلعاته.
 
هذه نماذج من طموحاتى، والطموح مشروع لأى مصرى، والطموح يختلف عن سقف التوقعات، الطموح حالة ترقب للغد، أما التوقعات فتصرف بشرى أو حادث على الأرض، للتوقعات سقف وهذا كامن في رؤوس أصحاب القرار، أما الطموحات فهى بلا سقف، قلت مرة لا ترفعوا سقف التوقعات في صبر المصريين على تحمل القرارات الاقتصادية ولابد من رقابة على الأسواق عقوبتها السجن لأن الغلاء بعد تحرير الصرف يطحن الناس، قلت أيضاً إن البطالة تؤدى إلى الهجرة غير الشرعية والموت على سواحل أوروبا وأن علاجها ليس أمنياً، علاجها العمل و«الإيد البطالة نجسة» كما يقول الحس الشعبى.
 
(4)
 
الخلاصة: لا ترفع سقف توقعاتك فتحصد صدمات. الطموح وقود أمة وتحقيق الطموحات بإرادة إنسانية، لا تكسر الأحلام ولا ينبغى أن تبالغ الدولة في مشروعاتها العملاقة، لأن الناس تقيس أي نظام بمعدتها ولنكن صرحاء، مبالغات بعض الوزراء في رسم صورة الغد بألوان وردية يرجى عدم الإفراط فيها، لأن الناس عادة تنسج أحلامها مما تسمعه. وفى يوم من الأيام جلس المصريون يحسبون بالقلم والورقة نصيب كل منهم من أموال مبارك في بنوك سويسرا!!
 
وأتصور ضبط المسافة بين الناس والإعلام، فلا تهويل ولا تهوين، لا نرفع سقف التوقعات فنكسر قلوب الناس، لنكن عقلاء ونتسم بالرشد ونحن نخاطب ناس مصر ذلك أن اهتمام الأغلبية الكاسحة ليس بقضايا الدولة إنما بجيوبهم وشخللة الفلوس في فيها! نعم، هذه حقيقة.
 
(5)
 
وما عدت «أصرف ما في الجيب ليأتينى ما في الغيب». صرت أحافظ على الجنيه حتى إشعار آخر حين يتكرم الدولار وينزل من عليائه. صرت أتردد في إنفاق ما يمكن الاستغناء عنه ولا يدخل بند الضرورات كالدواء مثلاً. صحيح أن الاستغناء قوة، ولكن الفلوس أيضاً قوة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع