الأقباط متحدون - عودة السفير الإيطالى وإغلاق ملف «ريجينى»
  • ٠٢:٠٢
  • الجمعة , ٢٥ اغسطس ٢٠١٧
English version

عودة السفير الإيطالى وإغلاق ملف «ريجينى»

مقالات مختارة | جمال طه

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٥ اغسطس ٢٠١٧

جمال طه
جمال طه

بين اختفاء جوليو ريجينى «25 يناير 2016»، والعثور على جثته «3 فبراير»، أحداث أزمة غابت تفاصيلها، لكن خطورة نتائجها تفرض محاولة سبر أغوارها.. بدأ دارساً للنشاط العمالى، ودور التنظيمات العمالية فى البلدان التى تعرضت للخريف العربى بجامعة كمبريدج البريطانية، أوفد كدارس للدكتوراه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سبتمبر 2015، شارك فى تأسيس نقابة الباعة الجائلين «تتجاوز أعدادهم 6 ملايين»!!، واستخدمها كنموذج برسالته عن النقابات المستقلة بمصر، اعتاد الحصول من رئيسها على معلومات تتعلق بأنشطتهم، وعده بمبلغ 10.000 جنيه، ولم يفِ، ما دعا الأول للتقدم ببلاغ يشكك فى نشاطه واهتماماته، الشرطة فرضت مراقبتها لعدة أيام، ثم رفعتها قبل اختفائه بثلاثة أيام.

الأمن الإيطالى وضع منذ البداية ثلاثة احتمالات للجهة المتورطة؛ الأولى: الأمن المصرى بسبب نشاط ريجينى على الأراضى المصرية، الثانية: بريطانيا، لأن تخصص المذكور يقع ضمن اهتمام دوائر مخابراتها، ولأن اتساع نشاطه وخضوعه للمراقبة الأمنية يمكن أن يكشفه، ويتسبب فى توريط بريطانيا مع مصر، والثالثة: التنظيمات الإرهابية وبينها الإخوان للإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين مصر وإيطاليا.. ولم يكن لدى الأمن الإيطالى ما يدفعه لترجيح أى من الاحتمالات الثلاثة.

القصور فى إدارة مصر للأزمة وضح منذ بدايتها، محاولة التنصل من أى علاقة بالقضية أوقعها فى المحظور، بعد أيام من العثور على جثة ريجينى، أعلنت أن الوفاة نتيجة حادث سير، ثم تراجعت بعد إعلان الطب الشرعى تعرضه للتعذيب.. بعد شهرين، قامت بتصفية تشكيل عصابى تخصَّصَ فى سرقة الأجانب، وكشفت عن العثور على مُتعلّقات ريجينى لدى شقيقة المتهم الأول، لكنها لم تلبث أن نفت علاقة التشكيل بالقضية، بعد اقتناع الجميع بأنها مجرد استخدام ساذج لأسلوب تقفيل القضايا المفتوحة بتحميلها لمحترفى الإجرام.. هذه الأخطاء ولدت شكوكاً لدى الجانب الإيطالى، استغلتها واشنطن ولندن، ويتامى البنا، وأبناء مجيدة، فى دس معلومات مغلوطة لتوريط مصر، مما كاد يحصر الشبهات فيها.. الأمور تعقدت فى «مارس» إلى حد طلب فريق التحقيق الإيطالى استجوابات وتحريات تتعلق بخمسة من ضباط قطاع الأمن الوطنى، وأعد فى أبريل قائمة تضم الـ«26» المعنيين بالقضية، استبعد منها التابعين لجهات سياسية أو تنفيذية، لمعرفتهم بالجريمة بحكم مناصبهم، وكذا من تدخل فى القضية بعد مقتل ريجينى، وبقى فى القائمة عشرة أسماء، اعتبرهم المسئولين، وطلب من النائب العام المصرى توجيه الاتهامات لهم، كما اتهم السلطات بعرقلة عمل الشركة الألمانية المكلفة بتفريغ أشرطة كاميرات المراقبة بمحطات مترو الأنفاق.. إيطاليا بدأت ضغوطها بسحب السفير، ومنع تصدير قطع غيار مقاتلات «إف-16».

فريق النيابة العامة الذى تسلم القضية، تدارك الأخطاء التى ارتكبت فى بدايتها، لأنه أدرك أن الطرف الآخر ند فى مهنيته، ما يفرض احترامه، اللقاءات المتبادلة بلغت ستة، اقتنع بعدها الجانب الإيطالى بأن الأمن المصرى ليست لديه دوافع لارتكاب الجريمة؛ الضحية أجنبى، حال ارتكابه جريمة، أو تسبب فى إزعاج السلطات، هناك العديد من إجراءات التعامل القانونية، بدءاً من القبض والتحقيق، وانتهاء بالمحاكمة والترحيل، إلقاء جثته فى الطريق أثناء زيارة وفد إيطالى من رجال الأعمال تترأسه وزيرة التنمية الاقتصادية، ليس بديلاً مطروحاً لجهة أمنية تعرف كيف تخفى مظاهر تورطها، الفريق اقتنع أيضاً بممارسة ريجينى لأنشطة سرية، بتمويل بريطانى، وتورطه فى عمليات تحريض وتوجيه لتحركات مضادة فى ذكرى 25 يناير، صحيفة «لاستامبا» تساءلت عما إذا كان ريجينى يعمل جاسوساً للمخابرات البريطانية، ومتعاوناً مع الإخوان، خاصة بعد العثور على أرقام لعناصر حركية بالتنظيم على هاتفه، المحلل الإيطالى «جييدو تاييتو» بصحيفة «البيريماتو نوتيسيا» اتهم بريطانيا بقتل ريجينى للوقيعة بين القاهرة وروما، وتضييق الخيارات الجيوسياسية لإيطاليا.. المحققون اتجهوا صوب بريطانيا، لكنها لم تبد أى تعاون، ولم تقدم أى معلومات، رغم الإلحاح، ما دفع حكومة ماتيو رينزى السابقة إلى اتهام كمبريدج بتعطيل التحقيقات، وإخفاء المعلومات.. بريطانيا قادت حملة الحصار الدولى لمصر منذ 30 يونيو 2013، وكانت بصدد توجيه ضربة قاصمة لعلاقات التعاون بين إيطاليا ومصر، على نحو ما تم مع روسيا، فى حادث إسقاط طائرتها فوق سيناء.

مصر بالنسبة لإيطاليا تلى ليبيا مباشرة من حيث الأهمية؛ استثمارات إينى بلغت 3.5 مليار دولار فى حقول غاز المتوسط، إيطاليا ثانى أكبر شريك تجارى مع مصر بعد الولايات المتحدة، والشريك الأول بالاتحاد الأوروبى، ناهيك عن أهمية التعاون لمحاربة الهجرة غير المشروعة، والأنشطة الإرهابية.. الغارات المصرية على مواقع الإرهابيين فى ليبيا عكست تطوير مصر لاستراتيجيتها بالمنطقة، نحو المزيد من الديناميكية، هذا التطور فتح الطريق للجيش الوطنى، لتوسيع سيطرته على الشرق الليبى، لتشمل الوسط والجنوب، وأصبح يهدد باجتياح المنطقة الغربية، التى تعانى فيها القوى السياسية والجماعات المسلحة من انقسامات حادة، ونقص فى الإمدادات، بعد أن هددت ضربات الطيران الدعم القطرى المقبل جواً وبراً من السودان، ونجحت زوارق البحرية الليبية، فى منع الإمدادات التركية من البحر.. إيطاليا دفعت بوحدات بحرية للساحل الليبى ضمن جهودها لوقف الهجرة، لكنها لا تضمن سلامتها دون تنسيق مع مصر، البرلمان الإيطالى لديه قناعة بالأهمية الجيوسياسية لمصر، وبأن التنسيق الاستراتيجى بين القاهرة وباريس سمح للأخيرة بلعب دور رئيسى على الساحة الليبية.. القطيعة بين مصر وإيطاليا دفعت الأخيرة للرهان على الطرف الخاسر فى الصراع «كرازاى ليبيا»، الأمر الذى يهدد بضياع مصالحها، مما يفسر هجوم البرلمان على سياسات حكومة جنتيلونى بليبيا، وضغوطه لعودة السفير للقاهرة، وإيفاده نيكولا لاتورى رئيس لجنة الدفاع بالشيوخ، وماوريتسيو جاسبارى نائب رئيس المجلس للقاهرة.. فى اليوم التالى لعودة السفير نقلت «نيويورك تايمز» عن مسئولين بإدارة أوباما السابقة تأكيدهم لمعرفة السلطات اﻷمريكية بتورط رسمى مصرى فى مقتل ريجينى.. طلقة فارغة، ذهب صداها أدراج الرياح.

البيان الصادر عن الخارجية الإيطالية يبرر عودة السفير بتطور التعاون بين هيئتى التحقيق بشأن قضية ريجينى.. تراجع مشرف، لكن الحقيقة أن عودته ترجع لقناعة إيطاليا بخطأ تقديراتها، وسعيها لضمان مصالحها الاستراتيجية، خاصة أن الخارجية وجدت أن قطع العلاقات مع مصر فتح عليها جبهات عديدة، تقف أمامها ويداها مغلولتان دون وجود دبلوماسى، بدأت باختفاء المصرى عادل معوض، وانتهت بالقبض على السائح الإيطالى الذى قتل المهندس المصرى بمرسى علم، الدولة الإيطالية ملزمة بمتابعة تلك القضايا والتدخل كلما لزم الأمر، وهو ما يحول دونه غياب السفير، وتوتر العلاقات.. متابعة مصالح الأحياء، التزام له أولوية لدى روما، عن كشف غموض جريمة رحل ضحيتها بأسرارها الخبيثة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع