الأقباط متحدون - هل يشكل استفتاء كردستان العراق على الاستقلال في ايلول القادم، بداية التوجه نحو الشرق الأوسط الجديد بثوبه الجديد؟
  • ٠٤:٣٥
  • الثلاثاء , ٢٢ اغسطس ٢٠١٧
English version

هل يشكل استفتاء كردستان العراق على الاستقلال في ايلول القادم، بداية التوجه نحو الشرق الأوسط الجديد بثوبه الجديد؟

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٢٧: ١١ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٢٢ اغسطس ٢٠١٧

كردستان العراق
كردستان العراق

الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج.
 سعي الأكراد وخصوصا اكراد العراق للاستقلال، شيء قديم جديد بدأه الملا مصطفى البرازاني منذ العهد الملكي في العراق،  حيث اشعل أكثر من ثورة كانت تنطلق من جبال كردستان الوعرة في شمال العراق. وها هو ابنه او حفيده (لا أعلم)  مسعود البرزاني يسعى الآن لتحقيق الاستقلال لكردستان العراق،  عبر استفتاء على الاستقلال يجريه في الاقليم في شهر ايلول القادم.

ولكنه استقلال غير ملزم بنتائجه للحكومة العراقية المركزية، ولذلك عبر البرازاني عن استعداده لارسال وفد للتفاوض بعد ظهور نتيجة الاستفتاء، ثم اعرب عن استعداده للتفاوض قبل اجراء الاستفتاء. لكن شيئا فعليا لم يجر على أرض الواقع، بل استمرت الاستعدادات لاجراء الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان الذي بات الآن اقليما كرديا موسعا، نظرا لقيام  مسعود البرازاني بضم مساحات لم تكن من قبل ضمن مساحة ذاك الاقليم.  والمقصود بذلك  ضم مساحات من شمال العراق وخصوصا منطقة كركوك الغنية بالنفط، والتي تضم خليطا من السكان بعضهم اكرادا وبعضهم عربا وتركمان. 

واعترف دستور الدولة المركزية  بوجود نقاط اختلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم حول مناطق متنازع عليها.  وورد نص في الدستور العراقي  يرجح وجوب التفاوض حول المناطق المتنازع عليها وتسويتها بالتفاهم الودي بين الطرفين أو الأطراف المعنية.  ولكن مسعود البرزاني تجاهل  هذا الامر وضم عمليا كركوك الى اقليم  كردستان، بل واصر على رفع علم كردستان على  آبار كركوك النفطية  رغم قرار الحكومة المركزية بعدم  رفع اي علم غير علم دولة العراق على كركوك.

وترددت اصوات  دولية مطالبة بالغاء  الاستفتاء أو بتأجيله. وكان بينها  اصوات اميركية رغم كونها قد لا تكون أصواتا صادقة، لكون المؤشرات العديدة ترجح أن مشروع الدولة الكردية المستقلة هو مشروع أميركي واضح المعالم والسمات.

وتكشف تصريحات أميركية حديثة تتعلق بالقوات الاميركية التي تشارك حاليا قوات سوريا الدمقراطية ومجموعات الحماية الكردية في مقاتلة الدولة الاسلامية في مدينة الرقة، عن عزمها لدى الانتهاء من طرد الداعشيين من الرقة، على مقاتلة الدواعش المتواجدين في دير الزور، علما أن القوات السورية الرسمية تقاتلهم في تلك المحافظة، وتلك القوات السورية لم تطلب عونا ما من أحد.

ولكن الأمر لا يقتصر على ظهور الاقليم الكردي في الشمال السوري، اذ انه يمتد ليكشف عن نية  لتوسيع رقعة كردستان سوريا، بحيث لا تعود تقتصر على شمال سوريا  بما فيها القامشلي والحسكة واجزاء من الشمال ،  اذ انها باتت  الآن تضم  محافظة الرقة وربما محافظة دير الزور أيضا، أسوة  بما فعله اقليم كردستان العراق، عندما ضم اليه كركوك وبعض المساحات من محافظة الموصل. لكن الملاحظ أن  نسبة الأكراد في الرقة، لا تتجاوز  15 بالمائة من مجموع سكان المدينة، ومع ذلك أصرت قوات الحماية الكردية التي يرئسها "سلو"، وكذلك قوات جيش  سوريا الدمقراطي، على الانفراد بتطهير المدينة من الدواعش، وفي نيتهم كما يبدو ضمها لاقليم سوريا  الكردي.  
  
ولم تتجل النوايا الأميركية الخاصة والودية نحو الأكراد، بتقديم الدعم العسكري لأكراد سوريا وبتأسيس جيش سوريا الدمقراطي ذو الاغلبية الكردية، بل تبلور الاهتمام الخاص بالأكراد منذ  سيطرة الدولة الاسلامية على المحافظات العراقية الثلاث في شهر حزيران (يونيو) 2014، حيث  انبرى عندئذ سلاح الجو الأميركي  لحماية مدينة اربيل الكردية العراقية، وللحيلولة دون  سقوطها بأيدي الدولة الاسلامية التي حاصرت عاصمة اقليم كردستان.  كما  تجلى ذاك الاهتمام الخاص  مرة أخرى، في  الدفاع بشراسة عن مدينة عين العرب (كوباني) السورية التي حاصرتها الدولة الاسلامية لفترة طويلة، لكنها فشلت في السيطرة عليها بسبب الدفاع الأميركي المتعنت عنها.  وتكرر الأمر في المعارك التي خاضها سلاح الجو الأميركي دفاعا عن ألأزيديين (المنتمين لكردستان) والمقيمين في جبل  سنجار الذي سيطرت الدولة الاسلامية على مساحات واسعة منه.

وتسعى الولايات المتحدة من وراء انشاء الدولة الكردية المستقلة، لتأسيس شرق اوسط جديد لكن بثوب جديد.  وكانت الولايات المتحدة تسعى منذ ثمانينات القرن الماضي لتأسيس شرق اوسط جديد على اساس تفتيت الدول فيه الى دويلات صغيرة. وكان برنار لويس قد قدم هذا الطرح عبر خرائطه لشرق اوسط جديد، وهي الخرائط المعروفة بخرائط برنارد لويس التي قدمها لجورج بوش الأب الذي فكر بتحقيقها عندما لاحت له فرصة غزو العراق للكويت في الثاني من آب 1990.

 فمن اجل الشرق ألأوسط الجديد، أضفى الرئيس بوش الصفة الدولية على قضية الغزو العراقي للكويت، ودعا لتشكيل قوة دولية هدفها في الظاهر تحرير الكويت، وفي الباطن اضفاء الصبغة الدولية على عملية تجزئة العراق بعد احتلالها الى ثلاث دول أو أكثر، باعتبار أن العراق هي نقطة الانطلاق نحو تشكيل الشرق الأوسط الجديد. لكن المشروع الأميركي فشل، واضطر الرئيس بوش للتخلي عنه وعن مقاتلة الرئيس صدام ىحسين، نتيجة التدخل الايراني غير المتوقع في الحسابات الأميركية، والذي أدى لسيطرة حرس الثورة الايراني ومناصريهم من شيعة جنوب العراق، على مساحات واسعة من العراق وخصوصا  في جنوبه، بل ووصلت القوات الشيعية المعززة بحرس الثورة الايرانية الى مشارف بغداد، وباتت تستعد لاقتحام العاصمة العراقية واعلان الجمهورية الاسلامية الشيعية فيها.

ولكن الرغبة الأميركية في شرق اوسط جديد لم تنقض بانتهاء الحرب الأميركية الدولية على  العراق وبرحيل الرئيس بوش الأب عن سدة الرئاسة. اذ ظل المحافظون الجدد في الحزب الجمهوري، يمارسون الضغوط على خلفه الرئيس بيل كلينتون، ويناشدونه بتوجيه  ضربة عسكرية شديدة للعراق، أو  من باب اولى، السعي لغزو العراق لتدمير أسلحة الدمار الشامل التي زعموا تواجدها بكثافة فيه .

وعزز تلك النوايا، توجيه خطاب للرئيس كلينتون سلم له بعد تسلمه الرئاسة بفترة  قصيرة ، يطالبه بتوجيه ضربة قاسمة للعراق.  ووقع  الخطاب العديد من كبار قيادات "المحافظين الجدد".  ورافق ذاك الخطاب، نشاط اعلامي مضمونه مخططات استراتيجية تعزز هذا التوجه . اذ نشر الكولونيل المتقاعد رالف بيترز -  المخطط الاستراتيجي الرئيسي للمحافظين الجدد، مقاله الشهير بعنوان حدود الدم، والذي يدعو لشرق أوسط جديد يتوجب تنفيذه حتى ولو اقتضى الأمر رسم حدود الدويلات الجديدة بالدم... القاني طبعا . وتبعه  سلسلة مقالات أيضا لمخطط استراتيجي آخر لدى المحافطين الجدد هو جيفري كولدبرج،  ونشرها في مجلة اتلانتيك، وكلها تحث على وجوب تنفيذ الشرق الأوسط  الجديد حماية لاسرائيل وللمصالح الأميركية.  

واذا كان الرئيس كلينتون قد رفض الاستجابة  لمطالب المحافظين الجدد، فلم  يغز العراق حتى في مرحلة احراجه بفضيحة مونيكا لوينسكي، مكتفيا بتوجيه ضربة صاروخية محدودة  لبغداد.... فان الرئيس جورج دبليو بوش (أي بوش  الابن)،  قد سارع الى غزوه بعد عام وشهرين من توليه الرئاسة، خصوصا وأن عملية قصف البنتاغون في واشنطن والبرجين في نيويورك  من قبل مجموعة ارهابية في الحادي عشر من أيلول  2001 ، قد أسقطت الكثير من الاعتراضات على مشاريع الغزو الأميركية، بدءا  بغزو  أفغانستان، وبعدها ببضعة شهور...غزو العراق في آذار 2002.
واذا كان غزو افغانستان قد جاء ردا على العملية الكبرى التي نفذتها القاعدة  في كل من واشنطن ونيويورك، فان غزو العراق قد استند الى مبررات ثبت لاحقا عدم صحتها. فالسبب الحقيقي لغزوه، كان تفتيت العراق  الى دويلات، كخطوة نحو تفتيت الشرق الأوسط بكامله الى دويلات صغيرة.
لكن عملية الغزو تلك جوبهت بمقاومة شعبية مسلحة عراقية وعربية، كما  جوبهت برفض دولي تمثل بمظاهرات عارمة في العديد من عواصم دول العالم، وهي المظاهرات التي اشتد سعيرها    خصوصا عندما شعر العالم الغربي، أن السبب الحقيقي للغزو، لم يكن تدمير أسلحة الدمار الشامل التي زعم الأميركيون وجودها لدى العراق وثبت لاحقا عدم صحة ادعائهم، مما  كشف  تدريجيا أن السبب الحقيقي للغزو، هو تفتيت دولة ذات سيادة ... الى دويلات،  دون استشارة  شعبها عبر استفتاء شعبي كما تقتضي مبادىء حقوق الانسان  والأنظمة الدولية المرعية. 

ويخطىط الأميركيون الآن  للبديل لمشروع الشرق الأوسط القديم،  وهو مشروع يراد به تجنب الانتقادات الدولية، ويسعى لبلورة مشروع  الشرق  الأوسط الجديد بثوب جديد، ويتم تنفيذه   على مرحلتين  يفصل بينهما تباعد زمني يتعذر تقديره في الوقت الحالي.  لكن تنفيذ المرحلة الأولى والتي  شرع الأميركيون فعلا في تنفيذها، سوف تكون في منطقة الشرق الأوسط الآسيوي، وسوف تطال كلا من العراق وسوريا وتركيا وايران، وهي الأراضي التي يتواجد عليها المواطنون الأكراد الذين تطلعوا على مدى زمن طويل للحصول على الاستقلال. ومن هنا قد لا يجروء احد على الادعاء بأن الأميركيين  يهضمون حقوق الشعوب وخصوصا  الأكراد منهم، ويحرمنوهم من حق تقرير المصير، اذ أن الأميركيين على أرض الواقع ، يساعدون الآن الأكراد على تقرير مصيرهم وتحقيق دولتهم المستقلة.

 أما المرحلة الثانية والتي يرجح الا يشرع بتنفيذها قبل اكتمال المرحلة الأولى، فسوف تشمل الدول العربية الواقعة في الشمال الافريقي والتي قد يمكن تسميتها مجازا بالشرق الأوسط الأفريقي، وتشمل تونس والجزائر وليبيا والمملكة المغربية، وقد تشمل موريتانيا أيضا وربما دولا  أفريقية أخرى. ففي هذه المرحلة، سوف ينشط الضمير الأميركي فجأة... حزنا وألما على شعب الأمازيغ الذي ما زال يعيش منذ سنوات طويلة تحت هيمنة شعوب أخرى، فلم يحظ  بعد بدولته المستقلة. وسيباشر الأميركيون عندئذ في اتخاذ الخطوات اللازمة لمساعدة الأمازيغ للحصول على دولتهم الأمازيغية المستقلة، تنفيذا لمقتضيات الشرق الأوسط الجديد بثوبه الجديد، والذي يتطلع بشكل أساسي لتحقيق مصالح أميركية عبر السماح بظهور دول ضعيفة في المنطقة، بل ودول مهددة لكونها تقع وسط دول انشقت هي عنها، وبالتالي ستظل دولا  مهددة من جيرانها، وبحاجة دائما لحماية أميركية، بل ولحماية اسرائيلية أيضا.

وهكذا لا عجب ان شكلت الدولة الكردية (ولاحقا الأمازيغية) تحالفا مع الولايات المتحدة ومع الدولة الاسرائيلية أيضا، في وقت انشغلت فيه الدول العربية عن بعض الأخطار القادمة عليها     نتيجة انشغالها حاليا بخطر محتمل ولكن غير مؤكد وهو الخطر الايراني، متغافلة عن الأخطار الأخرى التي قد تأتي لاحقا كاعصار على المنطقة.

وانا أعترف بأنه بات من الضروري حصول الأكراد على حقهم الطبيعي  والحتمي  في دولتهم المستقلة.  ولكني كنت اتمنى  ان يحصلوا على ذاك الاستقلال عبر التفاوض مع الدول التي اقاموا بين ظهراني سكانها، عربا واتراكا وايرانيين، لسنوات طويلة، وليس عبر التعامل مع اعداء  شعوبها كاميركا واسرائيل...وخصوصا اسرائيل التي ذكرت بعض الأنباء أن  وفدا كرديا قد ذهب فعلا الى  اسرائيل للتفاوض معهم. 
لكن الكثير من اللوم يقع أيضا على حكام المنطقة وخصوصا العرب منهم، الذين لم يتفاوضوا مع الأكراد على الاستقلال، وتركوا  للأميركيين  أن يقدموا لهم كل الوعود لتي طالما تمنوا سماعها من العرب. لكن أولئك كانوا منشغلين بخلافاتهم الخاصة، وبمخاوفهم  التي قد تكون وهمية من الخطر الايراني.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع