الأقباط متحدون - طواحين الهواء
  • ٠٢:١٣
  • الثلاثاء , ٢٢ اغسطس ٢٠١٧
English version

طواحين الهواء

مقالات مختارة | بقلم :حلمي النمنم

٠٢: ١١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٢ اغسطس ٢٠١٧

حلمي النمنم
حلمي النمنم

 فى الرابع من أغسطس سنة 1916، كتب على عبدالرازق مقالاً فى مجلة «السفور»، وكان يكتب فيها بانتظام منذ عام صدورها الثانى. المقال حمل عنوان «جد وهزل»، تناول فيه بعض مظاهر حياتنا، وتوقف عند ملاحظة رآها مهمة وهى «أننا لا نحب الحياة سلمًا ولا يطيب لنا العيش هادئًا، ولكننا نزاعون إلى أن يتخلل حياتنا شىء ما يرج عواطفنا ويهيج نفوسنا..»، وأستعرض عدة أمور، منها أن الجلسات فى المقاهى تنتهى على الأغلب بشجار وكذلك الأفراح وغير ذلك، ويصل من ذلك إلى معركة كانت قائمة وقتها، أثارها محمد رشيد رضا، المؤسس الفعلى للسلفية المعاصرة. كان رضا حمل على «السفوريين»، أى دعاة السفور، ولم يكن أمر السفوريين متوقفاً عند الدعوة إلى أن تسفر المرأة عن وجهها كما طلب قاسم أمين، فى كتابه «تحرير المرأة»، لكنها امتدت إلى العمل على أن نأخذ ببعض المظاهر الحديثة ومنها أن يحلق الرجال شواربهم.

 
كان الشارب آنذاك رمزاً من رموز الرجولة والفحولة والقوة، وقد ازدادت أهميته فى زمن العثمانيين، وهكذا رأى السفوريون أن التخلى عنه رمز للتخلى عن الهيمنة العثمانية واللحاق بالركب الأوروبى المتمدين والحديث.
 
لكن على لم تعجبه تلك المعركة، لم يرضه موقف رشيد رضا ولا موقف خصومه، ومنهم أصدقاء له، يقول «وهبكم سلختم من شواربكم منابت الشعر... فأين لكم علم الأوروبى وأين لكم أدب الأوروبيين؟».
 
ويقول بوضوح تام «.. يرضينا مع السرور أن نتلقى عن الغربيين علومهم وآدابهم وكثيرًا من تقاليدهم، ولكنا لا نرضى لشبابنا الصالح تلك النزعة المسرفة التى ظهرت بوادرها فى الأيام الأخيرة من الأخذ بكل شىء أوروبى والتشبه بالغربيين فى كل ما يعملون».
 
نعى على عبد الرازق على معاصريه معارك طواحين الهواء، التى يخوضونها، والتعلق بمظاهر الأشياء دون الوصول إلى الجوهر ولب القضايا، وحين نستعرض الكثير من معاركنا طوال مائة عام سوف نجد أن معظمها كان من هذا النوع الذى رصده الشيخ على، والتى تكشف عدم جدية وافتقاد للعمق، لذا فإن كثيراً من مشاكلنا وهمومنا، وقضايانا الكبرى تظل تراوح مكانها عبر عقود، ومازلنا نتجادل حولها، وبنفس المفردات تقريبًا، أفهم أن هناك قضايا وجودية يصعب التوصل فيها إلى حل نهائى حاسم، وهذا ليس مطلوبًا ولا ضروريًا، لكن حين يتعلق الأمر بقضايا اجتماعية، تمس حياة الناس، فهذا هو المقلق.
 
منذ منتصف الستينيات أطلق الفنان عادل إمام، تعبيراً مهماً، وهو أننا «بلد شهادات»، وهذا المعنى يتردد فى كثير من المجالس العامة، وكثير من الشخصيات الكبرى، فضلاً عن قطاعات واسعة فى المجتمع، بما يوحى أن هناك اتفاقاً عاماً عليه، لكن الواقع يقول إننا مازلنا نسير فى ترسيخ «بلد شهادات»، نحتقر التعليم الفنى، أى التعليم المهنى والحرفى، ونشكو من غياب المهنيين والحرفيين المدربين والمتميزين، وفى التعليم الجامعى قسمنا جامعاتنا إلى جامعات رئيسية وأخرى إقليمية، بما يحمل درجة من درجات الإقلال من قيمة الأخيرة، ويستنكف بعض الطلاب وأسرهم من الانتساب إلى إحداها، وكأنها ليست جامعة، وهذا ليس موجوداً إلا عندنا، وعلى مستوى الكليات ميزنا بين كليات قمة وأخرى ليست قمة، أى قاع، وهكذا فى الكثير من القضايا والأمور.
 
معارك طواحين الهواء لاتزال تملأ حياتنا وتسيطر على الكثير من أجوائنا.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع