الأقباط متحدون - مأسـاة التعليم فى مصر
  • ١٩:٠٣
  • السبت , ١٩ اغسطس ٢٠١٧
English version

مأسـاة التعليم فى مصر

مقالات مختارة | بقلم : د. عماد جاد

٣٢: ١٠ م +02:00 EET

السبت ١٩ اغسطس ٢٠١٧

 د. عماد جاد
د. عماد جاد

 يبدو واضحاً أن محاولات جادة تجرى فى البلاد من أجل إصلاح التعليم الذى تدهور بشكل كبير ولم يعد يحظى بالتقدير الذى كان يناله حتى ستينات القرن الماضى عندما كان يُعترف بالشهادات المصرية من الجامعات الدولية الكبرى. عكس الحال اليوم، إذ يلقى لنا النظام التعليمى بمئات آلاف الخريجين سنوياً، بعضهم أقرب إلى الأمية الأبجدية وأغلبهم يتّسم بالأمية الثقافية، ناهيك عما يحمل من فكر منغلق رافض للقيم الإنسانية، مسكون بنظرية المؤامرة، يحمل فكر الموت أكثر من فكر إعمار الأرض.

 
مشكلة التعليم العام فى مصر وصلت إلى درجة غير مسبوقة من التدهور على النحو الذى تجلى فى الكوارث التى تقع خلال امتحانات المراحل المختلفة، بما فيها الثانوية العامة، من تسريب للامتحانات، إلى غش جماعى وفريد بطرق شيطانية استُخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة وزرع سماعات فى الأذن عن طريق أطباء. كيف وصلنا إلى هذا القاع، وتحولت امتحانات الثانوية العامة التى كانت تحظى بالهيبة والقداسة فى البيوت المصرية إلى مهرجان للغش الجماعى يشارك فيه مسئولون وأولياء أمور؟ كيف تبلّدت الوزارة والحكومة، وباتت تتعامل مع تسريب الامتحانات والغش على أنها ظواهر طبيعية، لا كارثة سياسية وأخلاقية؟
 
فى تقديرى، أن تدهور التعليم فى مصر جاء محصلة طبيعية لمناورات ومساومات «أنور السادات»، وتوظيف التعليم فى خدمة أغراضه السياسية وألاعيبه الإقليمية، فقد جاء «السادات» إلى السلطة فاقداً الشرعية فى عيون الكثيرين، مجرداً من الكاريزما، وهى هبة إلهية، فبحث عن سُبل لتثبيت أركان حكمه ووجدها فى التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، ففتح أبواب السجون وأخرجهم منها، ثم أبرم الصفقة مع السعودية، ووافق على عودة قيادات الجماعة الهاربين هناك، وفتح أمامهم المجال للعمل بكل حرية، وفى هذا السياق سمح «السادات» للجماعة بالسيطرة على مفاصل العملية التعليمية بالكامل. تدريجياً فرضت الجماعة سيطرتها الكاملة على العملية التعليمية، بدءاً من مناهج الدراسة، وصولاً إلى المعلم، فقامت الجماعة بتغيير مناهج التعليم، لا سيما التاريخ والروايات، لتصبغ عليها الصبغة الدينية، وبمرور الوقت نقلت طريقة الأزهر فى التعليم، أى التلقين والحفظ دون تفكير، إلى التعليم العام.
 
ظل التعليم العام فى مصر محافظاً على جودته النسبية حتى نهاية السبعينات، وما إن بدأ العقد التاسع من القرن الماضى، الذى شهد مقتل «السادات» وتولى «مبارك» السلطة حتى تهاوى التعليم المصرى العام تماماً، فقد كانت بذور «السادات» المرة قد أثمرت ثمارها، وبدأت تسقط على رؤوس الجميع، فبات التعليم المصرى العام بالكامل تحت سيطرة الجماعة، بل والتنظيمات الأكثر تطرّفاً، وأسهم المناخ العام الطائفى فى تكريس تديين التعليم واعتباره نوعاً من الجهاد عبر حشو المناهج بنصوص دينية وتزييف التاريخ، ومعه وعى الأجيال المصرية الجديدة، وكان منطقياً أن ينتقل التأثير إلى الجامعات المصرية التى بدأت أيضاً فى مسيرة تزييف الوعى، لا سيما فى الكليات النظرية والتضييق على المصريين المسيحيين فى الترقى وتقليد المناصب التى يستحقونها، بل وحرمانهم من الالتحاق ببعض الأقسام، مثل قسم النساء والتوليد بكليات الطب.
 
كان منطقياً أن يقود هذا الاتجاه إلى حالة من التدهور الشامل فى العملية التعليمية بالبلاد، حيث انتشرت الدروس الخصوصية، وأسقط الأهل والطلبة المدرسة من حساباتهم، ودخل الجميع فى سباق للحصول على الامتحانات والغش الفردى والمجتمعى، وشارك الأهالى فى عمليات الغش الجماعى، ودخل مسئولون فى سباق الغش والبحث عن سُبل تمكن أولادهم من الغش.
 
تدهور التعليم العام فى مصر هو جزء من مناخ عام فاسد غشاش ومنافق أيضاً، جزء من توظيف التعليم فى الحسابات والمصالح السياسية حتى وصل الأمر إلى توظيف الامتحانات فى الكيد أو الحشد السياسى، مناخ عام فاسد أفسد كل شىء فى البلاد، وفى المقدمة التعليم، والإصلاح يبدأ من فوق، بإصلاح النظام والمناخ السياسى، وترسيخ قيم العدل والقانون، وأيضاً المحاسبة والشفافية، وفى تقديرى أن محاولات جادة وحقيقية تُجرى اليوم فى مصر لإصلاح منظومة التعليم على نحو شامل، هناك جهود حقيقية تُبذل من قِبَل وزيرى التعليم والتعليم العالى، فى ظل دعم سياسى على أعلى مستوى، ونتمنى النجاح والتوفيق لهذه المحاولات حتى يستعيد التعليم المصرى مكانته من ناحية، ويلتحق بالعصر، ونُكرس طريقة التفكير العلمى على حساب الخرافة ونظرية المؤامرة.
نقلاعن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع