الأقباط متحدون - خلطة «السياسة والدين»
  • ١٥:٢٢
  • الجمعة , ١٨ اغسطس ٢٠١٧
English version

خلطة «السياسة والدين»

مقالات مختارة | د. محمود خليل

٠٥: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ١٨ اغسطس ٢٠١٧

د. محمود خليل
د. محمود خليل

تقرير بثته قناة «بى بى سى عربية» يقدم أول تغطية حية لما آل إليه الحال داخل بلدة العوامية بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. «العوامية» منطقة تحتشد بمجموعة كبيرة من السعوديين من أبناء الطائفة الشيعية، كانت منطقة حاضنة لهذا المذهب تاريخياً، ولم تزل حتى اليوم مركزاً من مراكز التشيع على الخليج العربى. المعركة بين الأمن السعودى ومسلحى الشيعة تمضى منذ عدة أسابيع. والواضح أنها تشرف على الانتهاء، ذلك ما يقوله التقرير الذى أبرز حجم الدمار الذى لحق بالبلدة جراء المعارك التى دارت هناك. فعاليات المعركة تمت بمعزل عن وسائل الإعلام، الأمر الذى يجعل المعلومات المتاحة عن وقائع ما حدث شحيحة للغاية، لكن ربطها بالجذور المعاصرة والتاريخية للأحداث التى شهدتها تلك المنطقة يمكن أن يساهم فى اكتمال الصورة.

«العوامية» هى مسقط رأس «نمر النمر»، الداعية الشيعى المعروف، وقد شهدت مظاهرات شيعية حاشدة بالتزامن مع ثورات الربيع العربى، قادها الشيخ «نمر»، وانتهى الأمر بإخماد هذه المظاهرات والقبض على الشيخ ومحاكمته، وحُكم عليه بالإعدام، ولعلك تعلم أن هذا الحكم تم تنفيذه أوائل عام 2016، وهو أمر أغضب شيعة المملكة غضباً شديداً. ويبدو أنهم انساقوا منذ هذا التاريخ وراء فكرة المواجهة المسلحة انتقاماً للشيخ. يمكنك أن تفهم فى هذا السياق ما أشارت إليه تقارير سعودية من أن منطقة العوامية تحولت إلى مخزن للسلاح، وأصبح شيعتها يعدون العدة لمواجهة دموية. ذكر أحد أهالى المنطقة فى تقرير الـ«بى بى سى» أن الدولة السعودية لم تترك لهم أى فرصة للمطالبة بحقوقهم، وأن من يفكر فى التظاهر أو التمرد مصيره الإعدام، فما كان من شيعة البلدة إلا أن فكروا فى المواجهة المسلحة، اعتقاداً منهم بأنهم هالكون لا محالة.

إنها الثغرة التى تسقط فيها الجماعات الطائفية والسياسية حين تظن أن بإمكانها مواجهة دولة بأكملها، هذه الفكرة قد تكون خلابة بالنسبة للشباب والثوريين الرومانسيين، لكنها أبعد ما تكون عن الواقعية أو العقلانية، لأن أى جماعة مهما بلغ عدد أتباعها أو قوتها ليس بمقدورها أن تواجه دولة، وكل ما يحدث فى هذا السياق أنها تقدم أبناءها للذبح. مؤكد أن للأقليات، أياً كان نوعها، حقوقاً واجبة الرعاية من جانب الدول، لكن المطالبة بها لها طرق أخرى غير المواجهات. ومشكلة الشيعة الذين يعيشون على ساحل الخليج العربى، سواء داخل المملكة أو خارجها، أن ثمة علاقات عاطفية -وغير عاطفية- تربط بينهم وبين إيران. هذا أمر معروف ومفهوم للجميع. هذه العلاقات تكون مثار غضب لأى نظام يجد نفسه فى مواجهة مع إيران، وأطماع إيران فى المنطقة لا تخفى على أحد.

لعل واحدة من مشكلات شيعة الخليج أنهم نسوا أن التشيع فى يوم من الأيام كان له وجه عربى وآخر فارسى، وكان التشيع العربى شديد القرب فى الفقه والفكر من أهل السنة فى المنطقة. على سبيل المثال حتى زمن قريب كان الحوثيون يتبعون المذهب الزيدى الذى كان يعترف بإمامة الخلفاء الراشدين ويبجّل أمهات المؤمنين، لكن المصالح السياسية دفعتهم إلى التحول إلى المذهب الاثنى عشرى، وهو المذهب الرسمى لإيران، ما جعل البعض ينظرون إليهم كخطر. إنها الخلطة العجيبة فى دنيا المسلمين ما بين السياسة والدين.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع