الأقباط متحدون - «كشك الفتوى».. مقاومة التطرف بمنهج المتطرفين (2-2)
  • ٠٦:٥٩
  • الاربعاء , ١٦ اغسطس ٢٠١٧
English version

«كشك الفتوى».. مقاومة التطرف بمنهج المتطرفين (2-2)

مقالات مختارة | حسين القاضى

٣٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٦ اغسطس ٢٠١٧

حسين القاضى
حسين القاضى

دعك من أن «كشك الفتوى» كلف هيئة المترو 25 ألف جنيه فى الوقت الذى لا توجد فيه دورات مياه فى بعض محطات المترو، فهذه مسئولية الهيئة وليس الأزهر، ودعك من أن «الكشك» بموقعه الحالى فى محطة «الشهداء» أخفى وراءه تحفة فنية رائعة كانت تسُرُ الناظرين المقبلين من وإلى اتجاهى الجيزة وشبرا ناحية اتجاه حلوان، فهذه أيضاً مسئولية الهيئة وليس الأزهر، ودعك من أن وزير النقل اعترف بفشل الفكرة، وقال إنها خاصة بموسم الحج، وسيتم إلغاؤها، دعك من كل هذا، ولنعتبر أن الفكرة فى حد ذاتها جيدة، ونسأل: هل القائمون على أمر الفتوى فى «الكشك» مؤهلون ليستفتيهم الناس فى الدين؟

مع كامل الاحترام للقائمين على الفكرة ومحاولة خدمتهم للدين إلا أن المتصدر للفتوى فى واحدة من أهم نقاط الازدحام لا بد فيه من شروط منها: معرفة الواقعة محل السؤال، والتصور الصحيح للمسألة، وظروف المستفتى، ومراعاة مآل الفتوى، وإدراك الواقع، ومعرفة اختلافات الفقهاء، ومراعاة المقاصد، وتنزيل النصوص على الأحكام، والتدليل والتعليل إن تطلب الأمر، ومعرفة الاستثناءات، ومعرفة الأقوال الشاذة والمهجورة، فقد تكون الفتوى صحيحة من الناحية الشرعية لكنها مهجورة لا يُفتى بها، والتمييز بين فتوى صحيحة غير مهجورة وفتوى صحيحة مهجورة أمر لا يعرفه إلا عالم بلغ الشيب كل رأسه، ثم لا بد من ممارسة التدريب أمام متخصصين عدة سنوات لاكتساب الخبرة.

أما من يتصدر للفتوى دون اكتمال شروطها حتى وإن كان من حفظة القرآن، والموهوبين فى الخطابة، والمعروفين بالتقوى والصلاح، فمثله كمثل طبيب سمح لنفسه بإجراء عمليات جراحية فى كل تخصص لمجرد أنه تخرج فى كلية الطب، وللدكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء السابق، كلمة حكيمة حيث قال: «بعد عشرين سنة من ممارسة الطبيب للمهنة يستطيع أن يقرر ما إذا كانت هذه العملية الجراحية تدخل ضمن تخصصه أم لا»، وهذا هو عين الفقه وليس الطب فقط، فكيف لواحد بين يوم وليلة يتصدر للفتوى فى كل فروع العلم الشرعى؟!.

والمتصدر للفتوى دون اكتمال شروطها ستكون فتواه وبالاً على المسلمين، وهو نفس منهج التيارات المتطرفة، حيث تصدر أفرادها للفتوى دون تخصص، لذلك لا ينبغى المسارعة إلى ميادين الفتوى بالتشهى أو الوظيفة والتكليف، والاغترار بإقدام العوام على أخذ الفتوى، وينسى الداعية أن الفتوى من باب التوقيع عن الله، وقد اصطلى بنارها وغرز فى فتنتها عدد كبير، وللأسف نجد المشايخ فى «كشك الفتوى» يجيبون عن أسئلة لو عُرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، واستخار الله فيها شهراً.

والمحنة النفسية التى يتعرض لها القائمون على «كشك الفتوى» أنهم لا يقولون «الله أعلم»، لأن الإعلام شكك فى مستواهم العلمى، فلا يريدون أن يثبتوا صدق الإعلام، وبالتالى يجيبون فى كل فتوى تُعرض عليهم.

ولغياب شروط الفتوى عنهم كان طبيعياً أن تسمع نوادر غريبة، فمثلاً يطلبون تسجيل بيانات السائل، وهذه وحدها جريمة، فقد يطلب الشخص فتوى فى مسألة خاصة جداً، فكيف للشيخ أن يتعرَّفَ على شخصيته؟ وقد تسأل زوجة عن اعتيادها ممارسة انحرافات أخلاقية، فكيف للشيخ أن يطَّلعَ على اسمها وعنوانها ووظيفتها ورقم تليفونها؟ وأيضاً خذ نوادر عند إجابتهم عن أسئلة من نوعية: أنا ملحد ماذا أفعل؟ هل من حق الأخ منع أخته من الخروج إذا خلعت الحجاب؟ هل حقوق القوامة والإنفاق للمرأة تتغير بتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية؟

قد يقول قائل إن شروط الفتوى المذكورة لا تنطبق على أغلب المشتغلين بالدعوة، وليس على مشايخ «كشك الفتوى» فقط، وهذا صحيح، لكن الفرق هنا بين شخص يجلس فى مسجده ويُستفتى على فترات بعيدة، وبأسئلة بسيطة، فيجيب عنها أو يُحيلها لمتخصص، وبين شخص يقف أمام آلاف الناس فى أكبر ميادين مصر متصدراً لفتوى من كل المستويات والفئات والثقافات، وفى كل تخصص وفرع من فروع الشرع الشريف، وهو مع ذلك فاقد للشروط.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع