الأقباط متحدون - يا دكتور سراج: آخرة خدمة الغز علقة
  • ٠١:٥٤
  • الجمعة , ١١ اغسطس ٢٠١٧
English version

يا دكتور سراج: آخرة خدمة الغز علقة

مقالات مختارة | عادل نعمان

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ١١ اغسطس ٢٠١٧

عادل نعمان
عادل نعمان

يطلب المسئولون ويرجون من أصحاب العقول المهاجرة العودة إلى حضن الوطن الأم، يحملون عنها العبء، ويرفعون عن كاهلها التخلف بعلمهم وخبرتهم، ويعوضون الفاقد من خبرات أبنائها، ويلحقون البلاد بركب الحداثة بديلاً عن التخلف، وينقلون علمهم وخبراتهم إلى الكثير من المعاهد البحثية والجامعات العلمية التى تأخرت وتثاقلت وتخلفت عن الطريق، وخرجت من التصنيفات العالمية والعلمية، لكن فى نهاية المشوار تترك بعضهم يواجه جزاء سنمار، وفى الغالب تكون تصفية حسابات لصالح الفشلة والكسالى والحاقدين على النجاح، ويجازون للأسف بالسيئة عن الحسنة، والأمر لا يقف عند هذا فقط، بل يتعداه إلى العقول المهاجرة التى تفكر فى العودة، فتتراجع حتى لا يصيبها بعض مما أصاب غيرها، وكما قالوا: «نهاية خدمة الغز علقة» والغز هم المماليك الأتراك الذين جلبهم أحمد بن طولون التركى الأصل، ووالى مصر فى نهاية العصر العباسى، ليكونوا نواة لجيشه من بنى جلدته، تمهيداً لاستقلاله بالحكم عن الدولة العباسية العجوز يوماً ما، وتعرف هذه الفترة بعصر الانحطاط الفكرى والثقافى والاجتماعى،

وانتشار الظلم والفساد والسلب والنهب فى البلاد على أيديهم، فكانوا كما قالوا: «حاميها حراميها»، وكان المماليك إذا دخلوا قرية مصرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، فكانوا كلما نزلوا قرية من قرى القطر لتحصيل الجباية أو شق الترع والمصارف، استعبدوا أهلها وسخروهم لخدمتهم، ونهبوا طعامهم وشرابهم وطردوهم من بيوتهم للراحة، وفى نهاية المطاف يشبعونهم ضرباً ورفساً وركلاً، جزاء على معروفهم وجليل أعمالهم، وكان الفلاحون يهربون من حقولهم صباحاً إذا علموا بمقدمهم البغيض، وتداول الناس هذا المثل كلما أنكر الناس المعروف، وكان جزاؤه الجحود، فما بالك بالعقاب. والواضح أن جينات هؤلاء المماليك نتوارثها عن أجدادنا جيلاً بعد جيل، وتزداد مع الورثة سوءاً على سوء وكرهاً على كره، حتى وصلت إلى أسوأ حالاتها، وغيرنا وبدلنا العلقة بالسجن، نكالاً على عودتهم، وعظيم معروفهم، وفلاحنا فى هذه العلقة هو الدكتور إسماعيل سراج الدين، والرجل قامة عالمية وعلمية عظيمة، تقدره وتوقره المراكز العلمية والمحافل الدولية، مما كان الحكم بحبسه وإن كان أول درجة، محل تعجب واستغراب وتساؤل، فهذا العالم الكبير الذى استقال من منصبه نائباً لرئيس البنك الدولى حتى يعود إلى وطنه لإدارة صرح علمى وتاريخى عالمى، أعاده إلى الوجود للمرة الثانية، وإلى شكله الحضارى والتاريخى والريادى بعد أن أحرقه الغزاة عن جهل وكبر!!

لو أنهى خدمته فى بلد من بلدان العالم، لرفعوا تشريفه وتكريمه إلى شأن وتكريم الرؤساء والملوك الأحياء، لكنهم معذورون فلم يقرأوا عن المماليك وغزهم، ولم يتعلموا كيف يحاصر الناجح فى بلادنا حتى يفشل، وكيف يتفوق الحقد والتشفى على مصالح البلاد والعباد، وكيف يجهز ملف الإدانة ممن أحاطوه يوماً بالثناء والوفاء والحب والحفاوة، انتظاراً ليوم خروجه أو تقاعده حتى يردوا له الجميل، لم يبخل هذا العالم الكبير على بلده حين تم استدعاؤه للمساهمة فى إنشاء وإدارة مكتبة الإسكندرية عام 2002، وقدم استقالته نائباً لرئيس البنك الدولى تاركاً المنصب والوجاهة والمال والتشريف، وهو عالم لا يحترمه العالم من فراغ، فهو حاصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، وله ما يزيد على أربعين مؤلفاً علمياً فى مجالات مختلفة أكثرها علم الإدارة،

وحاصل على اثنتين وعشرين دكتوراه فخرية من جامعات العالم ومعاهدها، وأقام مكتبة الإسكندرية منارة العلم والثقافة، واجهة حضارية لمصر وللعالم، نبتت من هنا من واقع مؤلم ومدمر، وكانت نهاية المطاف علقة الغز والحكم بحبسه عن إهدار المال العام، هذا القانون الذى حوكم به هو وغيره قد وُضع لتصفية الحسابات، والتنكيل بمن لا تصل إليه الأيدى بالطرق التقليدية، فليست المخالفات الإدارية فى وقت ما، حين تستدعى ظروف العمل وملابساته وسرعة إنجازه، إهداراً للمال العام، وإلا حاكمنا كل وزرائنا ومسئولينا، وحبسنا كل المسئولين بتهمة إهدار المال العام، وأتساءل هل تمت مراجعة هذه الأعمال من جهات رسمية وأجيزت؟ أم أنها نكاية بالرجل وتصفية حسابات معه؟ هذا القانون الجائر يضع كل مسئول يوماً ما متهماً خلف القضبان، على قرار أو تقدير لموقف وفقاً لظروفه وأحواله، ويشل يد المسئول عن العمل والإنجاز، فكيف نعطى المسئول سلطة تقديرية لأمر فى سلطاته ومسئولياته وتقديره يقرره وينفذه، ثم نحاسبه عليه بعد أعوام بظروف وملابسات وتقديرات مختلفة، ونجازيه بالحبس بعد خروجه، وقد كان ملء القلب والعقل، ولم يحذره أو يلومه أحد على قراره، بل باركه وأيده كل المسئولين معه، منهم من اتهموه الآن، كصاحبنا، وننسى ما تم إنجازه من صرح عظيم اعتمد فى تمويله على هيئات ومساعدات أجنبية، لولا مركزه وثقة المحافل الدولية فيه ما تم هذا الإنجاز، وما كانت هذه المساعدات. أعيدوا الحق والفضل لأصحابه، وراجعوا هذا القانون فهو ظالم ومعطل ومخيف.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع