الأقباط متحدون - رأس العجل
  • ٠٣:٥٧
  • الاربعاء , ٩ اغسطس ٢٠١٧
English version

رأس العجل

مقالات مختارة | بقلم: حلمي النمنم

٥٦: ٠٥ م +02:00 EET

الاربعاء ٩ اغسطس ٢٠١٧

حلمي النمنم
حلمي النمنم

 الواقعة نشرتها جريدة «اليوم السابع»، صباح الأحد، من مراسلها بالسويس، وتتلخص فى أن مقاماً لأحد الأولياء يتردد عليه مئات المواطنين يومياً، منذ سنة 1973، ويدر عائداً مالياً ضخماً من النذور، فضلاً عن أشياء أخرى، يقع «المقام» فى منطقة جبل عتاقة، بالسويس، وحدث خلاف بين عائلتين حول أيهما لها الولاية عليه، وتم الاتفاق على نقله من مكانه الحالى إلى منطقة «محايدة»، ولما شرعوا فى ذلك تبين أن داخل المقام «رأس عجل»، وليس رفات ولا بقايا إنسان، ولى من أولياء الله الصالحين، مما أحدث صدمة كبيرة لدى الأهالى.

 
المترددون على المقام هم ممن يريدون قضاء الحاجات، كالشفاء من مرض عضال، أو سيدة لا تنجب وتتمنى على الله أن يمنحها وليداً، فضلاً عن المشاكل الإنسانية العديدة، خاصة تلك المتعلقة بالأمور العاطفية والجسدية بين زوجين، أو تمنى نجاح الأبناء فى الثانوية العامة، وفى مثل هذه الأمور، حين تعجز الحلول العملية، ولا يقتنع الأفراد بالحقيقة، وظروف الواقع، فإنهم يلجأون إلى أى وسيلة، يرون أنها قد تقربهم من المراد، هذا ليس بجديد، وليس بجديد أيضاً أن يستغل البعض هذا الاحتياج أو لحظات الضعف الإنسانى لدى الكثيرين، فيبيعون لهم الأكاذيب والأساطير أو بعض المسكنات، وفى أحيان كثيرة الأوهام، استغلالاً لحاجاتهم، رأينا منذ سنوات ليست بعيدة من كان يوزع أو يبيع قلائد وأساور عليها رموز وتمائم فرعونية، قيل إنها تشفى مرض الكبد من مصابى فيروس C، أو تعالج المصابين بالشلل النصفى، وغير ذلك، وتهافت الآلاف عليها، من داخل مصر وخارجها، وكانت أقرب إلى الموضة، ويجب القول إن أكثر المتهافتين على تلك التمائم كانوا من صفوة المتعلمين والمثقفين، صاحب التمائم نفسه كان على مستوى علمى رفيع، ومن الناحية العلمية كان متحققاً وناجحاً، بنفسى رأيت أساتذة جامعة وصحفيين كبارا يرتدون تلك القلائد، وناقشت أحدهم.. هل هو جاد ومقتنع أن تلك القلادة يمكن أن تقضى على تليف الكبد الذى يعانيه، وفهمت من رده أنها إذا لم تشفه، فلن تضره، وتفهمت موقفه، ثم نسيت التمائم وحكايتها، وبحمد الله أمكن لمصر أن تتجاوز هذا العام عقبة فيروس C لمرض الكبد، بعلاج طبى وعلمى سليم.
 
واقعة رأس العجل ليست جديدة، من يراجع تاريخ ابن إياس وتاريخ الجبرتى سوف يجد عشرات الوقائع من هذا النوع، وكانت تحكى باعتبارها من النوادر والمضحكات، وكثيراً ما سخر الجبرتى مما سماه «قلة عقل» الذين يعتقدون بهذه الأمور، وأتهم أولئك الذين يستغلون احتياج الناس ونقاط ضعفهم بأمور قال إنها ليست من العقل ولا من الدين.
 
مقامات الأولياء موجودة بكثرة فى مصر، وفى كل بلاد المنطقة تقريباً، أكاد أقول إنها موجودة بأساليب عديدة فى كل أنحاء العالم، ليست وقفاً على دين أو ثقافة بعينها، ولا على مجتمع بذاته، الفارق فى هذا الأمر هو مدى الانتشار بين مجتمع وآخر، وكلما انتشرت الروح العلمية والنقدية فى المجتمع تتراجع مساحة، ويقل دور هذه التصورات، العيادات النفسية فى مصر وفى غيرها تعالج كثيرا من الحالات التى يتردد أصحابها على المقامات والأولياء؛ والطب الحديث أمكن له أن يعالج بعض الأمراض المستعصية، لكن ستبقى دائماً داخل الإنسان منطقة يحتاج فيها إلى قدرة الله سبحانه وتعالى، والناس عندنا يتعاملون مع الأولياء باعتبارهم نالوا رضوان الله وبركاته.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع