الأقباط متحدون - «النجاسة» المعنوية
  • ١١:٥٠
  • الجمعة , ٤ اغسطس ٢٠١٧
English version

«النجاسة» المعنوية

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ٤ اغسطس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

فى الوقت الذى يحرص فيه رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى على تأكيد أن مصر دولة مدنية وأنه يسعى إلى إرساء أسس دولة مدنية ديمقراطية حديثة، فإن التطورات على الأرض وسير العمل داخل مؤسسات الدولة تتجه عكس ذلك تماماً، فالرئيس يطالب بدولة مواطنة ويؤكد المساواة التامة بين المواطنين، ويدعو إلى مجابهة كل أشكال التمييز، بينما المؤسسة الدينية الأكبر فى البلاد ترفض دعاوى الرئيس لتجديد الفكر الدينى، بل مجرد تجديد الخطاب الدينى، وتتصدى لكل المحاولات الرامية إلى وضع بذور دولة مدنية حديثة. فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من الإغراق فى حالة التدين الشكلى التى وصلت لدى البعض إلى درجة من درجات الهوس الدينى، فإن هناك من يؤكد أن مشاكل مصر والمجتمع المصرى تنبع بالأساس من غياب الدين وعدم الالتزام بمبادئه، ومن ثم فالعلاج من وجهة نظرهم هو مزيد من التدين ونشر الفكر الدينى وتغلغل المؤسسات الدينية فى كل نشاطات المجتمع. وفى هذا السياق جاءت فكرة إنشاء أكشاك الفتوى فى محطات مترو الأنفاق، التى بدأت بمحطة أنور السادات (التحرير). ومن خلال الأسئلة أو طلبات الفتوى التى عُرضت على هذا الكشك ومن طبيعة الفتاوى التى قدمت رداً عليها يبدو واضحاً أننا نسير باتجاه مزيد من التدين الشكلى وتديين المجال العام وما يترتب عليه من تمييز بين المواطنين المصريين على أساس الدين والطائفة. وتكشف نوعية طلب الفتوى من كشك السادات عن اهتمام المصريين بقضايا تخص التعامل مع المختلف دينياً وطائفياً، فعدد كبير من الأسئلة وطلبات الفتاوى كان بخصوص هل الدكتور مجدى يعقوب، جراح القلوب وأميرها المحبوب من جميع المصريين عدا التيار الدينى والمتشددين، سوف يدخل الجنة أم أن مصيره النار؟

وبالطبع كانت الفتوى أنه فى النار مهما فعل من أعمال خير وشفى من قلوب وعالج من أمراض لدى المصريين بصرف النظر عن لونهم، وجنسهم، ودينهم، وطبقتهم الاجتماعية. وهناك سؤال لكشك التحرير عن «هل المسيحيون غير طاهرين أو أنجاس؟»، وجاءت الفتوى الأزهرية بأنهم «أنجاس معنوياً». والسؤال هنا: ماذا تنتظر من نتائج لفتاوى من هذا النوع؟ هل تساعد على تقديم صورة موضوعية عن شركاء الوطن؟

المواطنون الذين أغلبيتهم الساحقة من أصل عرقى واحد، يجرى التمييز والتفرقة بينهم بفتاوى دينية تصدر أحكاماً عليهم بالنجاسة المعنوية.. ماذا تتوقع من تداعيات مثل هذه الفتاوى على العلاقات بين المواطنين المختلفين دينياً؟ ما تأثير مثل هذه الفتاوى على الأجيال الجديدة التى تنمو على فتوى أن الطفل المسيحى نجس معنوياً، وبالمناسبة ماذا تعنى «النجاسة المعنوية»؟ وكيف تكتسب وبماذا تعالج؟

ألا يعد ذلك حطاً من قدر مواطنين مصريين على خلفية دينية؟ وما هو الموقف لو خرج من الجانب «النجس معنوياً» من يرد الاتهام ويدخل فى منطقة تراشق دينى حتى ولو على فضاء العالم الافتراضى؟ ألا يؤدى ذلك إلى مزيد من التشدد والتوتر والشروخ فى البلاد؟

لماذا لا يهتم المواطن المصرى بشأنه الخاص ويترك الحكم على الآخرين لرب العالمين فى اليوم الآخر، لماذا ينشغل المصريون بمعرفة مصير المغاير الدينى، وهل فتوى رجل دين هى علم بالغيب الذى لا يعلمه إلا الله وحده؟

لن تتقدم مصر خطوة حقيقية إلى الأمام وتضع قدميها على أول طريق التنمية الشاملة ما لم تنشر الدولة الفكر العلمى والتفكير العقلانى، وتواجه حالة التدين الشكلى التى وصلت إلى درجة الهوس الدينى وباتت تهدد بإحداث شرخ كبير فى جدران الوطن وحائط صده، وقبل كل ذلك لا بد من تنقية الأجواء داخل مؤسسات الدولة المصرية وإزالة ما بها من تمييز دينى وطائفية.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع