الأقباط متحدون - عن «الذاكرة».. وما أدراكم ما الذاكرة!
  • ١٣:٥١
  • الأحد , ٣٠ يوليو ٢٠١٧
English version

عن «الذاكرة».. وما أدراكم ما الذاكرة!

مقالات مختارة | بقلم :ماجدة الجندى

٣٨: ٠٩ م +02:00 EET

الأحد ٣٠ يوليو ٢٠١٧

ماجدة الجندى
ماجدة الجندى

 الذاكرة الجمعية للشعوب، نسيج عريض متعدد الخيوط، إن سحبت منه واحداً أو أكثر، ترك فراغاً، وبدا النسيج واهناً ضعيفاً، بقدر الفراغ. «ذاكرة الشعوب» ليست سرادقات عزاء، ولا هى هبات موسمية «للتذكر».. «ذاكرة الشعوب» نهر يتدفق مقبل من بعيد، ليغذى الحاضر، ويدعم المستقبل.. وقود الشعوب لدفعها لاستكمال بنيان، باتجاه أهداف.. الذاكرة الحية بصدق وفعالية، تصنع «التراكم» الهادئ والمحدد للطريق.. تدرك الشعوب الواعية «قيمة» كنز الذاكرة، فلا تفرط فيه، ولا تسمح بسقوط أى من المكونات، وتلجأ بعض الجماعات إلى «اصطناع» ذاكرة تلملم من خلالها شذرات، لتصنع أو تفتعل «مبررات لوجودها».. لا ننتمى نحن مصرياً إلى أى من الحالتين، ربما نعد رواداً فى «فن إهدار الذاكرة الجمعية».. إحنا بتوع اللحظة الآنية.. المفارقة تبدو صادمة.. بلد يضرب جذوره بعمق فى الزمن، تاريخه رقائق تتتالى فى تماسك، وزخم مدهش، وذاكرته مليئة بالثقوب إلى حد الهدر! بلد لا يدرك «قيمة» كنزه ولا يستثمره ولا يوظفه، وكل بضعة عقود، يبدأ سلمه من جديد! صار الأمر مضحكاً أن تحولت الظاهرة إلى «نظرية» لها منظرون، مؤمنون بحتمية الهدر، يستندون إلى أقدم حقب التاريخ، (كل فرعون كان يحفر له تاريخاً بمحو تاريخ من سبقوه) طيب.. أدركنا فداحة الخسارة على المستوى السياسى، ولاحت بوادر دالة مؤخراً بقاعدة حملت اسم محمد نجيب وحاملات طائرات تحمل اسم عبدالناصر.. ربما أتفهم ما يمكن أن يجرى على مستوى الذاكرة السياسية، لكن كيف على سبيل المثال يمكن أن تفسر الإخفاق المستمر فى بناء لبنات وعى المجتمع بصورة تحتفظ بمن منحوه خلاصة جهدهم فى مضمار الثقافة أو الفن أو ذروة التجلى الوطنى؟ ربما يتم إنقاذ بعض الأيقونات «بجهود فردية»، أو لأسباب لا تتعلق من قريب أو بعيد بجهود الدولة، لكن القاعدة أو المنوال ما سطره شيخنا الحكيم «نجيب محفوظ»: آفة حارتنا النسيان.. وكأنه رحمه الله، قد فطن إلى ما سوف يؤول إليه هو نفسه، إن استثنينا تلك «الهبات» الإعلامية الركيكة التى قد تنصب سرادقاتها يوم ميلاده أو رحيله، ويعلم الله مسارها.. لو ركزت الانتباه قليلاً وفتشت عن أنصبة الذين منحوا هذا الوطن «قبساً من النور» فى الوجدان العام، أو ما يعرفه عنهم الأربعة أجيال الأخيرة، سوف لا تحتاج إلى براهين، للتيقن من موهبتنا فى «فن الإهدار» يوسف إدريس.. يحيى حقى.. توفيق الحكيم.. زكى نجيب محمود.. حسن فتحى.. أمل دنقل.. يحيى الطاهر عبدالله.. مختار.. لويس عوض.. محمود سعيد.. و.. و.. كل اسم من هؤلاء، وغيرهم، بإمكانه أن «يشيل بلد».. يسد ثقوب الوعى المنهار.. يسهم فى انتشالنا من «المساخة» و«القرف» وفقدان الطعم فى البلدان التى حباها الله وعياً، تبدو الذاكرة الثقافية نهراً ممتداً، يسهم فى تأكيد «الهوية».. يوظفون كل الظروف فى فرنسا لو أخذناها مثلاً، ليظل «موليير» حياً، و«لامارتين» موجوداً، وجوستاف فلبير وغيرهم.. هذا عام الكاتب الفلانى، وهذا ريبوتوار الشاعر العلانى.. والمقصود «إبقاء لقيم بعينها على قيد الحياة»، وليس مواسم للذكرى العطرة! «قيم» حارسة لتوجه «المجتمع».. للرؤية التى يريد أن يستمر عليها.. لو توقفت عند أى اسم مصرى من الذين استشهدت بهم وسألت عما يرادفه من قيمة سوف تدرك القصد.. ماذا يعنى استحضار زكى نجيب محمود؟ يعنى استحضار «العقل ووضوح الأفكار».. ماذا يمكن أن تبنيه أو تتبناه من قيمة المعمارى حسن فتحى فى وجدان الأجيال؟ يعنى كيفية الخروج بحلول مستوحاة من بيئتك.. وقس على ذلك.. فتش فى إعلامك وتعليمك عن منظومة القيم الحاكمة لهما، وألق نظرة على الأجيال الأربعة الأخيرة، لتعرف «جرم» الذاكرة المثقوبة، وتداعيات «العمى» الوجدانى..

 
نجيب محفوظ، الذى هو نجيب محفوظ، من هو نجيب محفوظ فى بنيان حاضر أبنائنا والأحفاد؟ «حكاء»..؟ بتاع «أفلام الثلاثية»؟ حتى على المستوى «الصورى» محفوظ الذى نتباهى بنوبله فى الأدب، عجزت الدولة عن إقامة متحف يحمل اسمه على مدى أحد عشر عاماً! أحد عشر عاماً مضروبة فى اثنى عشر شهراً مضروبة فى ٣٦٥ يوماً لم يتمكن وزير ثقافة من «الجهابذة»، أن يجد مساحة يعرض بها «الهبة» التى قدمتها أسرته، من مقتنياته.. أحد عشر عاماً نتفرج على مسرحية وخناقة بين جهتى الآثار والثقافة ونمصمص شفاهنا!
 
فى واحدة من «الهبات الموسمية»، أعتقد أنه كان يوم ٩ مارس، ذكرى استشهاد «عبدالمنعم رياض» الذى تم اختياره ليكون يوماً للشهيد، سأل مذيع واحداً من الشباب: تعرف إيه عن عبدالمنعم رياض؟ رد الشاب: «موقف» أوتوبيسات!
 
طب أزعل ليه وإزاى من بهتان الذاكرة الثقافية ومتحف محفوظ، إذا كان محفوظ نفسه قال لنا عن «آفة الحارة».. قال النسيان، والأصدق أنها الجحود!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع