الأقباط متحدون - هل يُمكن للغلاءِ أن يُسقط الدولة؟!
  • ٠٠:٥٠
  • الاربعاء , ٥ يوليو ٢٠١٧
English version

هل يُمكن للغلاءِ أن يُسقط الدولة؟!

مقالات مختارة | حسين القاضى

١٦: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ٥ يوليو ٢٠١٧

حسين القاضى
حسين القاضى

وصل الغلاء فى مصر لدرجة أن بعض الناس أكلوا أبناءهم وأكلوا الكلاب والقطط والجيف والقاذورات وروث البهائم، كان ذلك عام ١٠٦٥م فيما عُرف تاريخياً بالشدة المستنصرية التى وقعت فى عهد المستنصر بالله الفاطمى، ووصل الأمر إلى أن أسراً كانت تموت كلها فى ليلة واحدة، وكان يموت يومياً ٢٠ ألف مصرى، وبعد موتهم يأكل الأحياء جثامينهم، وهى أول مرة فى التاريخ يأكل المصريون بعضهم من شدة الجوع، ومات ثلث سكان مصر، وكان الميراث ينتقل تسع مرات فى اليوم الواحد، ولجأت أسر لبيع أولادها وبناتها كعبيد وجوارٍ، وكان الرجل يقتل ابنه ليأكل لحمه، ووصل ثمن البيضة الواحدة إلى ما يساوى عشرة قراريط، ووصل سعر رغيف الخبز إلى ما يساوى اليوم نحو 50 ألف جنيه، وباع الحاكم كل ما يملك من شدة الغلاء، فباع الرخام الموجود على قبر أبيه، وسكن فى أحد المساجد، وأصبح مديناً بحياته لفتاة كانت تعطيه رغيفين يومياً، وحدث انفلات أمنى تفكك على أثره الجيش وانقسم وحارب بعضه، مع أن الحاكم آنذاك كان عادلاً محبوباً من المصريين، وعاشت مصر فى بداية حكمه فترة رخاء شديد، ويمكن معرفة تفاصيل «الشدة المستنصرية» فى: (النجوم الزاهرة فى أخبار ملوك مصر والقاهرة) لابن تغرى بردى، و(اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا) للمقريزى، (وإغاثة الأمة بكشف الغمة) لابن إياس، وفى النهاية أكرم الله مصر ببدر الجمالى، وفاقت مصر من كبوتها بعد سبع سنوات عجاف، وأطلق المصريون اسم الجمالى على حى (الجمالية) تخليداً له.

والمقصود من التذكير بهذه المأساة التى فاقت طوفان نوح، عليه السلام، التأكيد أن المراهنة التى يدعيها الإخوان وتابعوهم من المتأخونين بسقوط مصر مراهنة فاشلة ميتة ليس إلا، فمصر مهما زاد فيها الغلاء واشتد، ومهما وصل إلى حد لا يُطاق فإنها محفوظة من الانهيار والسقوط، فقد حدثت «الشدة المستنصرية» ومصر لم تسقط.

ولا يُظن أن المقصود من التذكير بهذه المأساة هو الدفاع عن الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة، بل المقصود أن يمتلئ كل مصرى ثقة بأن بلده محفوظ، والتحذير من الخطابات التى تبث اليأس والإحباط وتقتل الأمل فى النفوس وتراهن على سقوط مصر بسبب الغلاء، وأما عن قرار رفع الدعم فلست خبيراً حتى أحكم على صحته أو خطئه، وإنما حتى لو كان ضرورياً لكن لم يُقابل بما يحمى الفقراء من آثاره السيئة، وأيضاً فإن تبرير الحكومة ودفاعها عن قراراتها اتسم بالفشل الذريع التام المضحك، وأما أعضاء مجلس النواب المختصون بالملف الاقتصادى فوجودهم والعدم سواء، وبعضهم يُظهر بين أبناء دائرته اعتراضه على قرارات الحكومة، ثم هو تحت القبة يسكت أو يؤيد.

إنه ليس مطلوباً من الرئيس أن يخرج مدافعاً عن كل قرار تتخذه حكومته، كما أن إنجازاته التنموية لا ينكرها إلا جاهل، لكنها لم تجد من يُظهرها للناس، لذلك حُق للناس أن يتجاهلوها، لكن مطلوباً منه أن يُحسن اختيار من ينتشلون الناس من أزمتهم الطاحنة بسبب الغلاء، أو من يشرح للناس بكلام منطقى أسباب هذه القرارات، ولو استمر الأمر بهذه الطريقة فإن ما يفعله الرئيس باليمين تقضى عليه حكومته بالشمال، فهو يضحى بشعبيته من أجل مصر، وهم يضحون بمصر بسبب فشلهم، وليس من شك أن جملة قرارات الحكومة يُسأل عنها الرئيس، ولكن نؤكد أن الغلاء مهما بلغ لن يُسقط الدولة المصرية، وهناك فرق بين أن يجتهد النظام فى تحقيق مطالب الفقراء ومحدودى الدخل لكنه يفشل (مع اختلاف البعض فى درجة الفشل أو حتى فى نفى الفشل أصلاً)، وبين أن يكون النظام عصابةً خائنةً للوطن، فالأول علاجه بالنصح وتغيير السياسات، والثانى علاجه بالبتر، كما حدث فى حالة تنظيم الإخوان.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع