الأقباط متحدون - هل نسير فى الاتجاه الصحيح؟
  • ٠٢:٢٢
  • الاربعاء , ٥ يوليو ٢٠١٧
English version

هل نسير فى الاتجاه الصحيح؟

مقالات مختارة | د. عماد جاد

١٣: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ٥ يوليو ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

كثيرة هى الأسئلة المثارة اليوم فى أواسط النخب المصرية، بل وأمام مراكز الأبحاث الإقليمية والدولية، حول طبيعة ما يجرى فى مصر من تحولات، وما إذا كانت هذه التحولات سوف تقود إلى تحقيق تنمية شاملة فى المجالات كافة، حتى لو كان ذلك سيتحقق على مدار فترة زمنية أطول من مثيلتها لدى دول أخرى فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء؟ هذه أسئلة تثار بقوة، رداً على التحولات الجارية فى مصر على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، والسجال حول قضايا كانت من المحرمات، حتى فترة زمنية قليلة مضت.

والحقيقة أنه لا توجد إجابات نمطية لهذه الأسئلة، ولا هناك توافق حول الاتجاهات المستقبلية لهذه التحولات، فهناك من يرى أن ما يجرى فى مصر هو عملية إصلاح اقتصادى تاريخية بفعل القرارات التى تم اتخاذها فى العام الأخير، التى تمثلت فى التحرر التام لسعر صرف العملة الوطنية والسير قدماً فى خطة رفع الدعم تدريجياً، وفى مدى زمنى أقل من المتوقع، وهناك من يرى أنها عملية رد فعل للواقع شديد الوطأة أكثر منها رؤية واضحة للنهوض من جديد.

الاختلافات حادة للغاية والتقديرات تتسم بالتناقض، وبعضها يفتقد الموضوعية، وينطلق من موقف سياسى أو أيديولوجى.

المؤكد أن عملية انتقال دولة من نظام سياسى استبدادى، فاشى أو ثيوقراطى، إلى نظام ديمقراطى، هى عملية معقدة تشهد تحولات عديدة، نجاحات وانتكاسات، خطوات إلى الأمام، وأخرى إلى الخلف، تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، بصرف النظر عن طريقة التحول والأداة المستخدمة، التى قد تكون طريقة ثورية أو عملية تحول تدريجى، المهم هنا ألا تفقد الشعوب إيمانها بقدرتها على فرض إرادتها والوصول إلى النظام الديمقراطى، الذى هو فى جوهره وببساطة شديدة يعنى حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، يعنى أن الحاكم موظف عام يصعد إلى كرسى السلطة بإرادة شعبية ويستمر بها أيضاً، ويمكن أن ينزل من على الكرسى إذا أراد الشعب ذلك، فالشعب فى النظم الديمقراطية هو صاحب السيادة، وهو الذى يعطى توكيلاً لحزب أو أشخاص بالإدارة، فإن أساءوا استخدام التفويض الممنوح لهم، أمكن سحبه. طريق التحول الديمقراطى طويل ووعر، وبه صعوبات كثيرة، عكس حال الطريق إلى تدشين نظام فاشى أو استبدادى، فالديمقراطية تعنى بناء دولة مؤسسات وقانون، تعنى إرساء أسس الشفافية والمحاسبة، تعنى إعلاء قيمة المواطنة والمساواة، وهى عملية تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب جهداً ضخماً، هذا بينما لا يتطلب بناء نظام غير ديمقراطى، فاشى أو استبدادى أكثر من قرار من حاكم أو نخبة تفرض سيطرتها وتخضع المؤسسات لإرادتها، والأصل فى إنشاء الدول، مع استثناءات محدودة تمثلت فى الدولة المدنية اليونانية القديمة، هو نظام الحكم الثيوقراطى، أى الدينى، الذى يستند إلى نظرية الحق الإلهى، وممثلى الإله على الأرض، أو الحكم السلطوى الاستبدادى، والديمقراطية بمعناها المتعارف عليه، التى تعنى ببساطة حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، هى صيغة طرحها وطورها الفلاسفة وعلماء السياسة فى مسيرة بحثهم عن نظم حكم تنهض على أساس نظرية العقد الاجتماعى التى تطورت على يد فلاسفة عظام أبرزهم الإنجليزى جون لوك، والفرنسى جان جاك روسو.

فى جميع الأحوال لم تكن عملية التحول من النظم الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية عملية سهلة أو قصيرة المدى، بل كانت عملية صعبة، دفعت فيها الشعوب أثماناً باهظة واستغرقت وقتاً طويلاً، وكان العامل الحاسم فيها هو إيمان الشعوب بقدرتها على فرض التغيير الذى تريد، إيمان الشعوب بقدرتها على هزيمة الشمولية والديكتاتورية، وعدم فقدانها للثقة فى قدراتها على تصحيح المسار والمسيرة، عدم اليأس مطلقاً حتى لو قفز مستبد جديد إلى السلطة عبر خداع الشعب، أو مستغلاً حاجة قطاع واسع من المواطنين للمساعدات، أو موظِفاً للدين فى جذب أصوات بسطاء المواطنين، على النحو الذى شهدناه فى مصر عام ٢٠١٢ بوصول مرسى والجماعة إلى قصر الرئاسة، المهم هنا هو الإيمان بالقدرة على تصحيح المسار وتصويب المسيرة والاستعداد لدفع ثمن استرداد مسيرة التحول الديمقراطى التى سوف تستغرق فترة زمنية كافية لتحقيق معدلات تنمية مرتفعة، تنمية شاملة تتجاوز المؤشرات الاقتصادية إلى الاجتماعية (وفى القلب منها الثقافة) والسياسية أيضاً. المهم هنا هو استمرار النخب المدنية فى الدفع نحو التطور الشامل، أى الاقتصادى والاجتماعى، وأخيراً السياسى، وتقديرى أنه رغم الأخطاء والخطايا التى ترتكب فى عملية التحول اليوم، فإن الإصلاحات التى تجرى اليوم فى بنية موازنة الدولة وميزانيتها، وخفض الدعم تدريجياً، كل ذلك يمثل مؤشرات مهمة على الصعيد الاقتصادى، ينبغى أن ترافقها خطوات جادة على الصعيد السياسى بإرساء أسس وبنية نظام مدنى ديمقراطى تعددى مع اتخاذ كل ما يلزم لتكريس مفهوم وقيمة المواطنة، المساواة وعدم التمييز، حياد الدولة الحقيقى فى مجال الأديان، ووقوفها على مسافة واحدة من الأديان كافة التى يعتنقها المصريون.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع