الأقباط متحدون - ألف باء القمع!
  • ٠٧:٤٩
  • الاثنين , ٣ يوليو ٢٠١٧
English version

ألف باء القمع!

منير بشاي

مساحة رأي

٥١: ٠٥ م +02:00 EET

الاثنين ٣ يوليو ٢٠١٧

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

(من كتاب "رحلة حياتى"تحت الطبع)

بقلم منير بشاى

منذ تفتحت عيناى على الحياة كانت امى تحاول ان تعطينى الدفعة الاولى من التعليم حتى استطيع ان اسبق الزمن فى حياتى المدرسية.  كانت امى اول معلم فى حياتى ورغم انها لم تكمل من تعليمها غير الثالثة الابتدائي (الاولى الاعدادى الآن) ولكنها كانت قديرة فى كل العلوم حتى هذا المستوى.  ولها يرجع الفضل فى تفوقى فى اللغة العربية على اقرانى.  وقد علمتنى القراءة قبل ان ادخل المدرسة.  وكنت اشترط عليها ان تقرأ موضوع المطالعة مرتين قبل ان اشرع انا فى القراءة وكان هذا كفيلا ان اخمن الكلمات الصعبة التى تستعصى علي قراءتها.

وكان فى شارعنا سيدة قد حولت بيتها اثناء النهار الى مدرسة لتعليم الاطفال الاساسيات فى القراءة والحساب، وكان اسمها الست حكيمة.  وقد ارسلتنى امى للتعلم فى مدرسة الست حكيمة.  وكانت تتقاضى من امى خمسة بيضات كل اسبوع نظير ذلك.

كانت الست حكيمة تعلمنا الابجدية باللغة العربية والانجليزية قراءة وكتابة.  وكنا نحفظها عن ظهر قلب بل وبعد ان حفظناها وضعتنا امام التحدى الأكبر ان نحفظها بالمقلوب فنبدأ بالياء وننتهى الى الالف.  وقد حفظتها رغم اننى كنت اتعجب من جدوى معرفة الابجدية بالمقلوب ولكن تركت التفكير فى الامر على اعتبار ان هناك مغزى يعرفه الكبار ولا يفهمه من هم فى سنى.  وبالاضافة للغة العربية وبعض اللغة الانجليزية فهناك كان  تعلم العد من واحد الى 100 ثم حفظ جدول الضرب.  كانت كل هذه اشياءا حفظتها وكررتها مئات المرات.

ولذلك عندما جاء وقت التحاقى بالمدرسة وكان عمرى 6 سنوات احست امى اننى استحق ان ادخل الصف الثانى.  وتكلمت مع ناظر المدرسة الذى وافق ودخلت الفصل فعلا.  ولكن المدرس وكان اسمه انور افندى لم يكن راضيا على هذا وحملنى شخصيا تبعات غضبه.  وكان ذلك الرجل غضوبا شرسا لا يصلح ان يكون معلما.  وكان التلاميذ فى هذا السن يرتعبون من مجرد النظر اليه.

وفى ذات يوم اراد انور افندى ان يسوق رذالته معى وكنت استطيع ان ارى هذا من ملامح وجهه.  فرايته ينادينى باسم والدى: تعال يا عشم هنا.  كانت هذه المرة الاولى التى اسمع انسانا خارج الاسرة ينادى ابى باسمه المجرد بدون القاب.  كان صغار السن  يطلقون علي ابى عم عشم والكبار الخواجة عشم.  فعندما سمعت ذلك المدرس ينادينى باسم والدى احسست انه يمتهن كرامة والدى وفى نفس الوقت يتعالى عن ان يلفظ اسمى انا لانه يعتقد انه اعلى من ان يضع راسه براس طفل نكرة حسب تقديره.

تقدمت الى الامام وانا ارتعش.  وادركت اننى مقدم على مصيبة، وكان ظنى فى محله.  واذ بالمدرس يرسم على السبورة علامة مستديرة وفوقها نقطتان (ة) وجاء سؤاله لى: ماذا ترى على السبورة؟  بحسب ما درسته فانا اعرف كل الحروف وكل الارقام باللغة العربية والانجليزية.  ولكن ما رسمه المدرس لم يكن حرفا او رقما قد مر على فى حياتى.  واضطررت الى ان الجأ للتخمين.  الدائرة فى اللغة العربية تعنى رقم خمسة والنقط على الجانب الايمن تحول الخمسة الى خمسين او خمسمائة.  وامام اصرار المدرس ان اقول له ماذا تعنى الدائرة التى فوقها نقطتان اضطررت ان انطق باجابة كنت اعلم انها غير صحيحة.

قلت له انها خمسة فقال لى غلط.  وبعد تردد قلت تبقى خمسين وأيضا كانت الاجابة غير صحيحة ثم فى النهاية قلت: تبقى خمسمائة.  وهنا استشاط انور افندى غضبا وصفعنى على خدى الايسر بكل ما اوتى من قوة لدرجة اننى رايت فعليا الشرر يخرج من عينى اليسرى.  فالاجابة التى كان ينتظرها منى ان ما رسمه حضرة المدرس كان التاء المربوطة التى لم اسمع عنها فى ذلك الوقت.  وهو حرف مركب من حرفي التاء والهاء.

وبعدها عندما كنت ارى الكثيرين حتى من حملة الماجستير والدكتوراة يخلطون بين الهاء والتاء المربوطة كنت اتعجب اين انور افندى ليصفعهم على وجوههم لانهم لا يحترمون التاء المربوطة ولا يعرفون اصولها ومتطلباتها.

استمرت حياتى مع انور افندى فى تلك المدرسة بمعاناة شديدة وكنت اكره الوجود فى تلك المدرسة.  ومن ناحية اخرى لم اكن املك كطفل وسيلة التعبير عن مشكلتى لأمى او ابى. وكنت اعتقد انه ليس فى مقدورهم ان يعملوا شيئا امام ذلك الطاغية.  وكنت اظن ان المدرسة نفسها لا تستطيع ان توقف طغيانه.  واستمر هذا الى ان انتقلت الى الصف الأعلى والتحقت بمدرسة أخرى.  وكان المناخ العام فى المدرسة الجديدة افضل بما لا يقاس.  وهذا اعاد لى حبى للدراسة وثقتى فى المعلم وبالتالى تحسن ادائى المدرسى.

وبعد هجرتنا الى أمريكا والتحاق ابنتنا بمدرسة الحضانة جاءت يوما الى البيت وهى تعيد بكل فخر ما تعلمته وكانت الابجدية فى شكل اغنية لطيفة وكانت
تنتهى بالعبارة:  الآن بعدما قلت الابجدية ما رايك في؟
Now I said my ABC, tell me what you think of me.
والرد الطبيعى الذى يتوقعه الطفل هو ان تربت على كتفه وتقول له: برافو، رائع، انت قمت بانجاز عظيم.

لغة التشجيع هذه يبدو ان البعض من معلمى تلك الفترة كانوا يجهلونها.  انا اعلم ان انور افندى كان لا يجيدها.  اعتقد انه كان يظن ان التخويف والترهيب والقمع هو الوسيلة الناجحة لآنها تعطيه ما يسهل مهمته فى الفصل وهو السمع والطاعة.  ناهيك ان هذا لم يكن علامة التأدب بل نتيجة الرعب.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع