الأقباط متحدون - على من تقـع المسئولية؟
  • ١٨:٤٦
  • الجمعة , ٧ يوليو ٢٠١٧
English version

على من تقـع المسئولية؟

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٣٣: ١٢ م +02:00 EET

الجمعة ٧ يوليو ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

كشفت استطلاعات حديثة للرأى العام المصرى عن توجه عام نحو تقديم الدينى على الوطنى، فقد كشف استطلاع للرأى عن أن ٥٠٪ ممن استطلعت آراؤهم من الشباب المصرى عرف نفسه على أنه مسلم مصرى أو مسيحى مصرى، أى إنه قدم الدين والرابطة الدينية على الوطن والرابطة الوطنية. صحيح، إن الاستطلاع لم يبين لنا النسبة فيما يخص أتباع كل دين، لكن المؤكد أن هذه النسبة تمثل ناقوس خطر لنا جميعاً، فنحن نتحدث عن رأى وقناعات فئة الشباب الذين سوف يتولون القيادة فى المستقبل، نصف الشباب تقريباً يقدم الدين على الوطن، وهو مؤشر خطر، فتقديم الدين على الوطن يعنى تقديم الرابطة الدينية على الوطنية، وهو فكر إخوانى صرف، فالمرجعية الفكرية للجماعة تقول لهم إن الوطن ما هو إلا حفنة تراب عفن، وإن الرابطة دينية بالأساس، وهو ما تلقفه مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف ومنه أطلق بذاءاته الشهيرة «طز فى مصر وأبو مصر»، ومن المرجعية الفكرية التى تقول إن الرابطة الدينية لها الأولوية جاء قول المرشد السابق «لا توجد مشكلة فى أن يتولى مسلم باكستانى أو ماليزى رئاسة مصر». فى المقابل فإن المرجعية الفكرية للشباب المسيحى لا تدفعه إلى هذا الاتجاه، بل هو يتعلم الصلاة للوطن والدعاء بأن يحفظ الله البلاد والعباد من كل شر، ومن هنا فالسؤال هو من أين استقى الشباب المسيحى مفهوم تقديم الدين على الوطن؟

فى تقديرى أن ما جرى للشباب المسيحى وجعل قطاعاً منه (لم يحدد الاستطلاع نسبته) يقدم الدين على الوطن هو بالأساس رد فعل تجاه ما جرى ويجرى من تديين المجال العام فى البلاد منذ بداية السبعينات، وإضفاء مسحات متزايدة من التديين على مناهج التعليم، فمنذ بداية سبعينات القرن الماضى، سلم السادات جماعة الإخوان مسئولية الإشراف على التعليم العام، ومن ثم بدأت مرحلة تديين التعليم والزج برؤى وأفكار وأمثلة دينية فى مناهج التعليم العام، وبعضها تعمد تشويه الديانة المسيحية ووصفها بالضلال والكفر. من هنا اتجه الشباب المسيحى إلى التقوقع التدريجى وتشكيل أسر مغلقة فى الجامعات المصرية، وكرد فعل على اتساع نطاق تديين المجال العام فى البلاد، اتجهت الأسر المسيحية إلى اختيار الأسماء ذات الدلالة الدينية، ومن ثم أضيف عامل آخر من عوامل التمييز بين المصريين، بحيث بات الاسم الأول دالاً على الهوية الدينية بعد أن عاش المصريون قروناً عديدة يتسمون بأسماء مشتركة.

المؤكد أن هذه الظاهرة برزت فى نهاية سبعينات القرن الماضى وتصاعدت فى عقود مبارك الثلاثة، وتراجعت قليلاً عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ثم عادت للصعود مجدداً فى سنة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى استعان بالسلفيين وهادن الإخوان، وأيضا سنة حكم مرسى والجماعة. وإذا كان التفاؤل عاد للمصريين بعد ثورة الثلاثين من يونيو فإن ثقل الميراث الطائفى وتغلغل الطائفية فى قلب مؤسسات الدولة المصرية، كل ذلك يحول دون نمو بذور الإطار الوطنى الجامع، ويعلى من قدر إبراز الهوية الدينية، ومن ثم فالمسئولية تقع على عاتق الدولة المصرية ونظمها السياسية منذ ١٩٥٢، حيث بدأت عملية توظيف الدين فى خدمة السياسة، وبدأت رحلة تزاوج الدين والسياسة التى لم تتوقف حتى يومنا هذا، والمحصلة نصف شباب مصر يقدم هويته الدينية على الوطنية بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات غاية فى الخطورة.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع