الأقباط متحدون - المتحرش والإخصاء الكيميائى!
  • ٢٣:٢٩
  • الاربعاء , ٢٨ يونيو ٢٠١٧
English version

المتحرش والإخصاء الكيميائى!

مقالات مختارة | خالد منتصر

٤٥: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٨ يونيو ٢٠١٧

خالد منتصر
خالد منتصر

مشروع قانون إخصاء المتحرش الذى تحاول تقديمه نائبة مجلس النواب المحترمة كل فترة، ليس مجرد ورقة أو دراسة أو طلب أو اقتراح، ولكنه أكبر وأعمق وأخطر من ذلك، إنه إشارة لحالة هزال فكرى وكساح عقلى تمر بها مصر منذ فترة طويلة، فالنائبة قد أجهدت ذهنها فى اختراع وسيلة عقاب تقضى بها على ظاهرة التحرش الجنسى، بدأت بالإخصاء الجراحى وانتهت بناء على انتقادات أعضاء المجلس بحل مخفف وهو الإخصاء الكيميائى عن طريق أدوية تسبب الضعف الجنسى وفقدان الرجولة!!، والحمد لله أنها لم تطالب بصب ماء النار على الأعضاء التناسلية للمتحرشين تحت قبة البرلمان وبإشراف من لجنة الصحة فى المجلس كطريقة من الطرق الكيميائية للنائبة البرلمانية!،

نحن مبدئياً نتفق على بشاعة وسفالة جريمة التحرش، لكن لا يعنى هذا أن نطبق القانون القبلى البدائى البدنى الذى صار فى متحف التاريخ وتجاوزته الحضارة، الوعى الجمعى فى مصر ما زال واقعاً تحت تأثير تلك القبلية الهمجية، مثل ما نسمعه من مطالبات الإعدام فى ميدان عام أو قطع رأس القاتل أمام ابن القتيل.... الخ، إنه انتقام لحظى يرضى غريزة التشفى لكنه يخلق ألفة مزمنة مع مشاهد أشلاء مبتورة وعنف معلن، تنتقم من مجرم لتخلق نسخاً من ملايين المجرمين بإماتة قلوبهم وتخدير أرواحهم وتنويم تأففهم من مشاهد العنف الفاشية. الخلل الفكرى الذى يعبر عنه الإلحاح على إخصاء المتحرش وغيرها من مثل تلك المطالبات التى تطلب المثلة البدنية للانتقام، تتلخص فى أننا مجتمع شكلى لا يتعمق فى دراسة الظاهرة وجذورها بل ينشغل وينخدع بثمارها، مجتمع الجرى وراء البعوض بدلاً من تجفيف المستنقعات، مجتمع منافق يجعل من المرأة وسواساً قهرياً ومن النصف الأسفل انشغالاً مزمناً وإدماناً يومياً، مجتمع مكبوت جنسياً، مزيف الوعى،

الرجل فيه يتحرش ليس لاقتناص اللذة وإنما لإثبات التفوق الذى دشنه له المجتمع وأعطاه جواز مرور لممارسته وشيكاً على بياض لصرفه فى أى ميدان أو شارع من خلال ماكينة الـ «إيه تى إم» لجسد المرأة المشتهاة!، مجتمع يخرج فيه شيخ كبير يصفونه بالمستنير ليقول إن المرأة التى لا ترتدى الحجاب فى الشارع أسقطت رخصة حمايتها من غض البصر!!، يعنى حلال فيها التحرش!،

هل الإخصاء سيكون الحل أيتها النائبة المحترمة لكل تلك الظاهرة المركبة المعقدة؟!، ولماذا حلولنا دائماً «one way»؟، قطار فى اتجاه واحد لا يخرج عن قضبان المألوف!، هى مصرّة على حل الإخصاء فقط وعندما انتقدت خرجت من حجرة الإخصاء الجراحى لحجرة الإخصاء الكيميائى!، مما ذكّرنى بالرجل الذى غيّر اسمه من شفتورة الجحش إلى حسونة الجحش!، مجرد تغيير لافتة ظاهرية، إنما المضمون كما هو، نحن أمهر أمة فى التاريخ تدهن الحوائط المخوخة التى بلا أسمنت وتزين الدواليب المسوسة التى بلا خشب ونغلق جروحنا على صديد وقيح!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع