الأقباط متحدون - ولد.....تااااااانى؟
  • ٠٥:٠٦
  • الاثنين , ٢٦ يونيو ٢٠١٧
English version

ولد.....تااااااانى؟

منير بشاي

مساحة رأي

٣٣: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٦ يونيو ٢٠١٧

تعبيرية
تعبيرية
(من كتاب "أيام وليالى" تحت الطبع)
بقلم منير بشاى
 
تزوج  (ابى)عشم (بأمى) ليديا وانضمت الاسرة الجديدة الى بيت (جدى) بشاى.  كانت العادة ان الاب يجمع اولاده حوله وحتى بعد ان يتزوجوا كان كل واحد من الاولاد ياخذ مع زوجته غرفة فى بيت العائلة الكبير.  كان الجميع يعيشون معا وياكلون معا ويخضعون للاب خضوعا غير مشروط.  وكانت نساء الابناء تخضعن ايضا للست الكبيرة وهى التى كانت الآمرة الناهية لزوجات اولادها.  ويستمر هذا الى ان يموت رب العائلة وعندئذ يفترق الابناء وكل واحد يعمل مع بنيه ما عمله ابوه معه.
 
        وكانت كل اسرة تفتخر باولادها الذكور.  كان عدد الذكور فى كل اسرة يمثل عزوة للاسرة عندما يكبرون ليصيروا رجالا ويفرضوا احترام المجتمع لهم.  وهؤلاء كانوا يضيفوا الى موارد الاسرة المالية عندما يعملوا فيوفروا الضمان الاجتماعى لوالديهم ولبعضهم البعض.  ولذلك كانت كل اسرة تتمنى ان تنجب العدد الكبير من الذكور.  
 
وفى نفس الوقت كانت الاناث تمثل عبءا على الاسرة فهن فى احتياج لمن ينفق عليهن ويحميهن.  كما ان البنت كانت تمثل شرف الاسرة وكان هذا يفرض قلقا على البنات ويقيد حريتهن اكثر مما يفعلون مع الذكور.
 
        ولذلك عندما انجبت امى ابنها البكر كان هذا خبرا مفرحا للاسرة.  وزادت فرحة الاسرة عندما جاء الطفل الثانى ذكرا وايضا الثالث وكان مولد الثلاثة فى خلال حوالى خمسة سنوات من الزواج.  ومع ان هذا اعطى مكانة خاصة لامى بين افراد العائلة وكان موضع سعادة لابى ولكن الامر بدأ يدخل القلق عند امى.
 
        كانت امى تتمنى ان تنجب بنتا.  ربما كان السبب انها تريد وجود انثى قريبة منها تطمئن لها وتشاركها همومها واهتماماتها وسط المجتمع الذكورى المحيط بها.  وربما كانت تريد ان ترى ابنة تساعدها فى اعباء الحياة الكثيرة.  وربما كانت تريد ابنة الى جوارهاعندما تكبر فى السن وتحتاج الى من تعتنى بها ولا تتضجر من خدمتها.
 
        ولكن بعد الثلاثة ابناء مرت 6 سنوات دون انجاب ثم اخيرا حدث حمل ولكن النتيجة كانت مولد ذكر رابع.  استمرت المحاولات وبعد حولى ثلاثة سنوات اخرى رزقت امى بابنة جميلة اسمتها نعمة وكانت نعمة  فرحة العمر لأمى.
 
        كبرت نعمة ووصلت الى عمر سنتين وبدأت تتكلم وتلعب وتملأ البيت بهجة ومرحا.  وكانت امى الى وقت متاخر فى حياتها تستعيد ما كانت تعمله نعمة والكلمات التى كانت ترددها والالعاب التى كانت تلعبها.  ولانها كانت ابنة وحيدة فكانت تلعب مع نفسها فكانت مثلا تطرق على الباب وتمثل دور من يرد على الباب ويسأل "مين؟" فترد هى على نفسها وتقول "نعمة".  ولكن فرحة امى بنعمة تحطمت عندما اصيبت نعمة بدور حمى ولم يستطيعوا انقاذها بامكانيات العلاج المتاحة فى ذلك الوقت.  وماتت حبيبة امها وفلت الامل من امى بعد ان امسكت به بكلتا يديها.  واتذكر امى لمدى سنوات كانت تبكى لوحدها كلما تفتقد وجود ابنة الى جوارها او تتذكر شيئا يعيد ذكرى نعمة.
 
        ومع اننى لم ارى نعمة فقد ماتت قبل ان اولد ولكن من كثرة كلام امى عن نعمة احببت اختى التى ماتت دون ان اتمتع بوجود اختا لى ضمن اخوتى الذكور (الخناشير).
 
        بعد موت نعمة حملت امى وكانت تتمنى ان تعوّض عن نعمة ولكن جاء المولود ذكرا وهو انا.  وقيل بعد نزول المولود ان امى سألت فى قلق "ولد ولا بنت؟"  فقالوا لها "افرحى جالك ولد"  وقيل ان امى بكت عندما سمعت الخبر.  ومن وقتها كنت استغل هذا لمداعبة امى بقولى لها اننى كنت طفلا غير مرغوب فيه.  وكان هذا للضحك فقط فالحقيقة اننى لم اعرف اما احبت ابنا كما احبتنى وضحت من اجلى وكرّست حياتها لخدمتى وكانت بعد وفاة ابى الأم والأب لى.
 
كانت امى تقول فى وقت من الاوقات بس اعيش واشوف منير يخلص الدراسة.  وبعد ان تخرجت كانت تقول بس اعيش واشوف منير يتزوج.  وبعد الزواج كانت تقول اعيش واشوف اولاد لمنير.  وتزوج منير وانجب بنتا لتعوض عن نعمة.  ثم بعد هجرتنا سمعت ان امى كانت تدعو لى ان الله يعطينى ابنا وفعلا كان الطفل الثانى ذكرا.  وكان اخى الاكبر يداعب امى ويقول لها عايزة ايه كمان لمنير؟  وكان ردها: خلاص انا خلصت رسالتى.  وكأنها كانت تردد مع القديس بولس كلماته الوداعية "فانى الآن اسكب سكيبا ووقت انحلالى قد حضر قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعى حفظت الايمان واخيرا قد وضع لى اكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لى فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا" 2 تيموثاوس 4: 6- 8
هذه الذكريات اكتبها بينما الدموع تنهمر من عينى.  فصورة امى لم تفارقنى يوما.  واعلم ان امى ترانى الآن حيث تسكن الفردوس فى عالم الخلود وتدرك مدى عرفانى بدورها وتقديرى لمجهودها.  وفوق هذا عرفانى بمحبتها العديمة الغش التى نفتقدها فى عالم اليوم.  واعلم انها تعلم حزنى على اى تصرف قد اكون عملته عن غير قصد منى وتسبب فى الم لها.  واعلم انها تقدر اننى اثمن دموعها التى ذرفتها عنى يوم عرفت اننى قررت الهجرة، وتدرك ان السبب كان حرصى على اولادى الذى كانت هى نموذجا حيا له وقد ورثته انا منها.  مرة اخرى اطلب مغفرتها لى واعلم ان قلبها الكبير لن يبخل على بذلك.