الأقباط متحدون - ضرب الإرهاب فى ليبيا خطوة جيدة ولكن.. المنيا مفرخة للتطرف!
  • ٢٠:٥٨
  • الثلاثاء , ٣٠ مايو ٢٠١٧
English version

ضرب الإرهاب فى ليبيا خطوة جيدة ولكن.. المنيا مفرخة للتطرف!

مقالات مختارة | منى مكرم عبيد

٢٧: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٣٠ مايو ٢٠١٧

منى مكرم عبيد
منى مكرم عبيد

عاد الإرهاب الأسود ليطل علينا مع استقبال المصريين للشهر الكريم، ليسود الحزن فى كل بيت، وسقوط عشرات الشهداء نتيجة الغدر والخسة وتراخى كثير من المؤسسات التى كان من واجبها أن يكون لها دور أكثر إيجابية فى ضوء التحديات التى يمر بها المجتمع المصرى منذ 30 يونيو 2013، وما لم تتم الاستفادة من أخطاء الماضى سيكون المستقبل أكثر كارثية.

وما يثير المخاوف هو ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية وتنوع طرق التنفيذ والمواقع المستهدفة، حيث تنوعت ما بين أعمال انتحارية فى البطرسية وطنطا والإسكندرية، وهجوم مسلح فى المنيا، وإن كان الجديد هنا هو محاولة إثناء هؤلاء المسيحيين العزل عن إيمانهم لإنكار مسيحيتهم قبل قتلهم، وهو ما يعيد للأذهان ما حدث فى فبراير 2015 للمسيحيين فى ليبيا وذبحهم بشكل شنيع بعد تمسكهم بمسيحيتهم.

لكن ما يهمنى هنا هو كيفية تعامل المجتمع ككل مع هذه الجرائم، فبيانات الشجب والتنديد لم تعد مجدية فى ضوء تراخى وتكاسل الجهات المعنية بالأمر عن القيام بدورها، فالإرهاب يطال العالم أجمع وليس مصر فقط، ولكن هناك فروقا عديدة بين التعامل فى الخارج مع الأخطار الإرهابية وردود فعل الداخل، وهذا الفارق هو ما ينبئ بمزيد من العمليات الإرهابية مستقبلا، بل وأخشى أن تكون أكثر خطورة وكارثية فى ضوء عدم إحساس كل من فى موقع المسؤولية بخطورة الفاجعة، وكأنه ما لم يصل إليه الخطر بشكل مباشر فهو غير معنى بالأمر.

مثلا، أين مجلس النواب من توفير حزمة من التشريعات تساعد المجتمع على مواجهة خطر الإرهاب؟ فلا يوجد نص قانونى يجرم الحض على الكراهية والعنف، ففى ظل اختلاط الأوراق وظهور كثير من الأشخاص ممن يروجون لأفكار متطرفة عنيفة، لم يتم منعهم من بث سمومهم، وما فعله الشيخ سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق، خير دليل على ذلك، فما صرح به بأن المسيحية عقيدة فاسدة أمر يدخل فى نطاق الحض على الكراهية وليس ازدراء الأديان، ومن مثل هذه التصريحات تبنى الجماعات الإرهابية موقفها من الهجوم على المسيحيين، كذلك لم يقدم المجلس حتى الآن قانون المجلس الأعلى لمكافحة التطرف، وهو الذى أعلن عنه الرئيس السيسى فى 9 إبريل الماضى عقب جريمتى طنطا والإسكندرية، أليس هذا تراخيا يساعد على تنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية؟

وأيضا، يبدو لى أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، غير معنى بالأمر، وردود أفعاله مع الحوادث الإرهابية غير مجدية، وتفرغ للقيام بمهام زيارة المصابين ومواساة أهالى الشهداء، والتجاهل التام لأى خطوات تشريعية أو تنفيذية لمواجهة هذا الخطر، حيث اكتفى بالانتقال إلى طنطا والمنيا فور وقوع الحوادث، وتقديم واجب العزاء، ولكننا لم نسمع منه عن مطالبته وزير الداخلية بوضع خطة أمنية محكمة لمواجهة خطر الجماعات الإرهابية، وهل هناك تصور من الحكومة لهذا الأمر أم لا؟ وهل لدى حكومة شريف إسماعيل تصور جاد وحقيقى لمكافحة الإرهاب أم لا؟

وسبق أن كتبت عن ضرورة أن يهتم المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب بتحليل ظاهرة انضمام كثير من أصحاب المؤهلات العليا والتخصصات العلمية إلى الجماعات الإرهابية، وضرورة اختيار أعضاء المجلس واللجان التابعة له من أصحاب الخبرة والملمين بأبعاد القضية، حتى لا تظل اجتماعات هذا المجلس كغيره من المجالس المتخصصة التى يتم وضع تقاريرها فى الأدراج، على أن تكون قرارات المجلس ملزمة لكل مؤسسات الدولة، حتى لا تقتصر أعماله على توصيات غير ملزمة لأجهزة الدولة، إلا أن التباطؤ فى تشكيله والقانون الحاكم له رسالة سلبية للغاية وتكشف عن عدم اهتمام بما يحدث رغم أن من دعا إليه رئيس الجمهورية، وهو ما يصب فى إطار اتحاد بعض المؤسسات لعرقلة مبادرات الرئيس السيسى نحو مواجهة شاملة للإرهاب.

وأتابع أيضا ما يكتب من المتخصصين فى ملف الإسلام السياسى، وتحذيرهم من تغير نوعى يطول أساليب الجماعات الإرهابية فى تنفيذ مخططاتها الدنيئة، واحتمالات استهداف الأديرة أو رحلات الأقباط التى تنشط فى فصل الصيف، واستغلال حالة التراخى الأمنى فى تأمين الطرق الزراعية والصحراوية، مع توفر مساحات شاسعة فى الصحراء تعد أماكن للهرب يستغلها الإرهابيون بعربات الدفع الرباعى، فى ضوء ضعف تدريب أفراد الشرطة على التعامل مع هذه النوعية من الجرائم، إلى جانب عدم توفر الأجهزة الحديثة التى تسمح بملاحقة الجناة بشكل سريع وعدم عرقلتهم قبل أن يفروا للأماكن الصحراوية البعيدة عن أعين الأمن، وللأسف لم أجد ما يطمئننى على أن هناك استفادة من أخطاء الماضى لتصحيحها وإبطال مخططات جرائم قادمة تعد لها الجماعات الإرهابية.

وأثمن التحرك العاجل الذى قام به الرئيس السيسى وأمره بتوجيه ضربات عسكرية لمعسكرات الإرهاب خارج وداخل مصر، ولكنى فى نفس الوقت أتمنى أن تطال منابر بث التطرف والعنف ضربات موجعة حتى لا تستمر فى بث سمومها، سواء كانت مناهج تعليمية تحض على الكراهية، أو قنوات فضائية ومنابر إعلامية مستمرة فى نشر أفكارها، إلى جانب فشل الحكومة والمحافظين فى وضع نهاية لجلسات العرف التى تعمل على إهدار دولة القانون وتسمح للمتطرفين بفرض شروطهم، ولنا فى المنيا نماذج عديدة، فخلال الشهور الماضية تم منع المسيحيين من الصلاة بزعم عدم حصولهم على تراخيص، وانصياع رجال الشرطة والمحافظ لشروط السلفيين فى السماح للمسيحيين بالصلاة فى مبنى بدون صليب ولا قبة ولا منارة فى تحدٍ كبير لدولة القانون.

محافظة المنيا شهدت النسبة الأكبر من الاعتداءات على الكنائس عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، وكان لها نصيب الأسد من حوادث الفتن الطائفية قبل ثورة 25 يناير، وتسارعت الوتيرة بعدها لتصبح أكثر الأماكن الحاضنة لمعسكرات المتطرفين والإرهابيين التى بحاجة لمواجهتها، ليس بالمواجهة الأمنية والعسكرية فقط، وإنما بالدستور والقانون والإرادة الجادة فى مواجهة التطرف وليس بالنوايا فقط!

* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع