الأقباط متحدون - دين الإرهاب
  • ١٢:٣٣
  • الاثنين , ٢٩ مايو ٢٠١٧
English version

دين الإرهاب

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٠٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٩ مايو ٢٠١٧

سحر الجعارة
سحر الجعارة

أطفال فى عمر الزهور، كانوا يقبضون الكفوف الصغيرة على أحلامهم، لغتهم البريئة لم تلوثها كلمة «داعش»، وقاموسهم لم يسجل عبارات التطرف والكراهية، عقولهم لا تستوعب «الطعن فى العقيدة» ولا تنشغل بكتائب التكفير، وقلوبهم تهفو إلى دير «الأنبا صمويل»، فهناك سوف يصلون سوياً، ويوقدون شمعة وهم يبتهلون للسيدة «مريم» العذراء.. ويوقنون أن السماء تسمع ترانيمهم، وأنها ستلبى أمنية قد لا تتجاوز «ربى احفظ لى أمى وأبى».

فجأة تبددت الأحلام، تساقطت الأمنيات مع نزيف الدماء، أُبيدت أسر بأكملها فى فوضى الرعب والهلع ونيران الإرهاب الجهنمية، التهم الرصاص الطائش الطفولة، اغتال حتى الصرخة الملتاعة: (ابنى.. بنتى).. ومن قلب الفوضى والضجيج صعدت الأرواح التى لم تنعم بالسلام فى أوطانها لتنعم بصحبة الشهداء.

رحل الأحباء وتركوا لنا اللوعة والحزن، تركوا لنا خطاب الكراهية ونفى الآخر، تركوا لنا «تراثاً» من التعصب والأفكار المضللة ينشرها حزب «التكفير الرسمى»، وكتائب حسبة تطارد أى محاولة لتنقية خطاب الدين الإسلامى، سلمونا لدولة عاجزة عن مواجهة الغزو الوهابى لعقول المصريين.. ورحلوا.

(أهديكم المحبة فتصدرون لى فتاوى القتل، أصلى فتغرق كنيستى فى الدماء، أنام فيحترق المنزل بى وبأسرتى، ما ذنبى سوى أننى مصرى).. إنه المسكوت عنه فى ضمير كل قبطى، لو نطقت جثث الشهداء لباحت به!.

فى مواكب الشهداء تحترف «النخبة» الحديث عن حقوق المواطنة، وقانون الطوارئ، والمجلس القومى لمواجهة التطرف، وتدشن المقالات عن التسامح ووسطية الإسلام، ومساواة المواطنين «فقط أمام الموت»، ويرفع الكل شعار «الإرهاب لا دين له».. لا بل له دين.

دين الإرهاب هو «التعصب» بكل أشكاله، هو احتكار الأغلبية للإعلام ودور العبادة ونشر سطوة الثقافة الإسلامية على المجتمع، وفرض قواعد «الأقلية الدينية» على الأقباط، والتحكم حتى فى تشريع قانون «دور العبادة».

دين الإرهاب هو أن نتبرأ من أفعال «داعش» ونحترف تنفيذ تعاليمها، فالمسيحى كافر وذمى ويجب فرض الجزية عليه، والكنائس ليست «بيوتاً لله»، وأعراض الصبايا حلال لنا فيُثاب من يدخل صبية الإسلام بالزواج!.

الإرهاب له منظومة فكرية تغذيه بنصوص واضحة، نصوص تمتلئ بها عقول طلبة التعليم الأزهرى، يؤمنون بها ويعملون بتعاليمها الدموية حتى لو تعارضت مع القرآن والسنة، وهى نفس النصوص التراثية التى تبرر كل أعمال القتل واستباحة الأعراض والممتلكات والأرواح.

ما الذى فعله شاب مثل «محمود شفيق»، مفجر الكنيسة البطرسية، سوى أنه اطلع على تراث فقهى مفخخ بفتاوى القتل ومرصع بالجنة الموعودة وبنات الحور، وحين توفر لديه المال والسلاح تحول إلى حزام ناسف انفجر فى المصلين الأبرياء؟!

وما الذى نفعله نحن لتفكيك العبوات الناسفة فى عقول الشباب، نحن غارقون فى سجال تاريخى حول الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية، ندخل حقول الألغام بإرادتنا ونتبارز: (هل انتشر الإسلام بالسيف؟؟).. ونفتح إعلامنا الأهوج لمن ينشر الفتنة الطائفية دون هدنة من مأتم لآخر!.

الإرهاب لا ينمو وينتشر فقط بقوة السلاح، بل ينتشر حين يكرس الدستور «الكهنوت الدينى»، وتسمح الدولة بأحزاب دينية نكاية فى نفس الدستور، وتغلق الدولة منابر «الإخوان» على القنوات الفضائية والإنترنت ولا تقترب من موقع إرهابى يبث سمومه فى المجتمع مثل «أنا سلفى».

تنظيم «داعش» نفسه يجند الشباب ببث فيديوهات للجماعات الإرهابية، تتحايل بالدين وتجتزئ بعض الآيات القرآنية من سياقها لإقناع البسطاء بالقتل والتدمير، وكان آخر هذه الفيديوهات تسجيلاً مصوراً لمفجر الكنيسة البطرسية هدد فيه المسيحيين فى مصر، وقال إن الأقباط «هدفنا الأول وصيدنا المفضل».

الإرهاب، كما قال الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، يسعى إلى إسقاط الدولة المصرية، باستهداف الأقباط وضرب الاقتصاد والسلام الاجتماعى، وقواتنا المسلحة قادرة على ضرب معسكرات الإرهاب فى «أى مكان»، والقيادة السياسية قادرة على معاقبة الدول التى تؤوى وتمول وتدرب الجماعات الإرهابية.. لكن معركة حماية العقل المصرى من التطرف لم تبدأ بعد.

مواجهة التطرف ليست مجرد «معركة دينية»، ولا يجب أن تقتصر على الأزهر ورجاله، إنها «معركة فكرية» بالأساس، تحتاج إلى مجموعة متناغمة ومتجانسة من المفكرين والمثقفين ورجال الإعلام والتعليم والفن.. قبل رجال الدين.

مجموعة تتوفر لها حصانة من «قانون الازدراء»، ويوجد فيها المسلم والمسيحى، ترسى قواعد الدولة المدنية والمساواة والعدل أمام الدستور والقانون.. وتراعى «الخصوصية الثقافية» للمجتمع المصرى الذى يختلف جذرياً مع المجتمع السعودى بمركزه «اعتدال».

نحن دولة فيها تعدد دينى واختلاط بين النساء والرجال فى مواقع التعليم والعمل وغيره، كفانا استيراداً للعنف وإقصاء الآخر وسياسة «عزل النساء والأقباط»، لا بد من تجفيف منابع التطرف.. فما يعد «اعتدالاً» هناك.. هو التطرف بعينه هنا!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع