الأقباط متحدون - تحوّلات كبرى وخطيرة
  • ١٩:٠١
  • الاثنين , ٢٩ مايو ٢٠١٧
English version

تحوّلات كبرى وخطيرة

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٠٤: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٩ مايو ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

عاش المصريون حياة مشتركة حتى مطلع سبعينات القرن الماضى، كانت مساحة المشترك بين المصريين كبيرة جداً، وكانت مساحة الذاتى أو الخاص محدودة للغاية، تكاد تنحصر فى ممارسة طقوس العبادة، حتى الأعياد كان يجرى الاحتفال بها بشكل مشترك، وكان المصريون يشارك بعضهم بعضاً فى المناسبات الاجتماعية بل وبعض المناسبات الدينية، وسادت الأسماء المشتركة بين المصريين بحيث كان يصعب التمييز بين المصريين من الأسماء.

مع مجىء «السادات» إلى السلطة عام ١٩٧٠ بدأ التحول، حيث وظف «السادات» الدينَ فى خدمة السياسة، شكّل الجماعات الدينية وأمدها بالسلاح، قام بتديين المجال العام، وصف نفسه بالرئيس المؤمن، ومصر بدولة العلم والإيمان، سعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، بما فيها الحدود، لا سيما حد الردة، دخل عامداً فى صدام مع الكنيسة المصرية، وسحب غطاء الدولة من فوق رأس المسيحيين، فلجأوا إلى الكنائس للاحتماء بأسوارها والبحث عن الأمان بداخلها، ومن ثم أصبحت الكنيسة هى ممثل الأقباط أمام الدولة، وهى معادلة استقرت وباتت مفيدة لطرفَيها، فالدولة اختزلت الأقباط فى الكنيسة، والأخيرة مارست دوراً سياسياً حرصت على استمراره، وكان ضحية ذلك الدولة المدنية والنخب القبطية المدنية التى تعرضت للتضييق من قبل طرفَى المعادلة.

استمر الحال كذلك إلى أواخر عهد مبارك والبابا شنودة أيضاً، ففى أعقاب جريمة نجع حمادى فى ليلة عيد ميلاد عام ٢٠١٠، خرج الشباب القبطى إلى الشارع وبدأ فى التظاهر أمام مؤسسات الدولة طلباً لحقوق المواطنة، وفى أعقاب جريمة تفجير كنيسة القديسين ليلة رأس السنة، عبّر الشباب القبطى عن رفضه لمعادلة الدولة / الكنيسة، وبدأ يتجاوز الكنيسة، خرج خارج أسوارها وتحرك فى الشارع بقوة، وهو ما تبلور أكثر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث تجاوز دور الكنيسة بل وبدأ فى توجيه النقد لها، وللأجيال السابقة التى رأى أنها فرطت فى حقوقه كثيراً، لم يستمع إلى رجال الدين، بل لم يصغِ إلى مناشدات البابا شنودة فى أواخر أيامه، وبدأ يهاجم رجال الدين ودورهم فى ضياع حقوق الأقباط، طلب منهم العودة إلى كنائسهم وعدم ممارسة أى دور سياسى.

سعى أبناء هذا الجيل إلى ممارسة دور وطنى على أرضية المساواة وحقوق المواطنة غير المنقوصة، وشكلوا حركات وجماعات تعمل على انتزاع حقوق المواطنة الكاملة، مارسوا دوراً قوياً فى مواجهة حكم المرشد والجماعة وكان لهم دور فاعل فى تسيير المظاهرات وأعمال الاحتجاج ضد حكم المرشد والجماعة، وتحركوا بقوة من أجل التصدى لتجاوز الجماعات الدينية المسلحة، بل واجهوا سياسات المواءمة التى كانت تتبعها الكنيسة وتصدوا لها.

دعم أبناء هذا الجيل ثورة الثلاثين من يونيو وأملوا أن تنهى حالة الاغتراب التى تعرضوا لها والتهميش الذى عانوا منه وسياسات التمييز التى وقعوا ضحية لها، تحملوا آلام المرحلة الانتقالية التى شهدت حرق كنائس وقتل أقباط، مراهنين على تغير الحال مع استقرار الأوضاع فى البلاد، وعندما أدركوا عدم حدوث تغيير حقيقى، بدأ أبناء هذا الجيل فى التحرك خارج سياق المؤسسات، اتسمت ردود فعلهم على سياسات التمييز وعلى الجرائم التى تقع بحقهم والتجاوزات التى تمارسها مؤسسات الدولة، بالقوة بل ووصلت إلى مشارف استخدام العنف فى مواجهة العنف. ومع عدم تحسن الأحوال بدأ حديث هامس داخل تجمعاتهم عن سبل التعامل مع ما يجرى من جرائم واعتداءات فى ظل ما يرونه من خلل فى أداء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الداخلية، طرحوا أفكاراً كثيرة وصل بعضها إلى درجة الشطط، فإذا كان نجاح أى مجتمع يعتمد على درجة تماسكه، فالبيت المنقسم على ذاته يخرب، فإننى أحذر بوضوح من تبلوّر أفكار وتوجهات لدى الأجيال الجديدة من الأقباط باتت تتحدث عن حلول خارج سياق الإجماع الوطنى، حلول لم تكن مطروحة لدى الأجيال السابقة ولا كانت متصورة، فعدم الجدية فى التعامل مع مشكلات الأقباط وهمومهم سوف يضعف تماماً من قدرة الأجيال الأكبر على ضبط توجهات وأفكار الأجيال الأحدث، كما بدأ توجه لدى هذه الأجيال بتجاوز دور الكنيسة والبابا شخصياً، ومن ثَم يصعب ضبط توجهات هذه الأجيال التى ولدت فى أجواء طائفية ولم تعِش فى مصر وطن الجميع، اعتبروا هذا الكلام صرخة أو تحذيراً جدياً قبل فوات الأوان.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع