الأقباط متحدون - شبرا .. الرواية والحنين للوطن الحقيقي
  • ٠٦:٠٠
  • الثلاثاء , ١٨ ابريل ٢٠١٧
English version

شبرا .. الرواية والحنين للوطن الحقيقي

سليمان شفيق

حالة

٢١: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٨ ابريل ٢٠١٧

شبرا .. الرواية والحنين للوطن الحقيقي
شبرا .. الرواية والحنين للوطن الحقيقي

سليمان شفيق
لن أصم أذاني عن أنين الضحايا ، ولا دموع الثكالي ، ولن اغفر للمتواطئين ، ولكنني سوف أعود إلي شبرا مع الروائي نعيم صبري افتش في أشلاء الوطن عما تبقي من شبرا ومن الوطن

"ان تحليل ثمرة الجوز يعني كسرها وتذوقها قبل تحليلها "

الفيلسوف الالماني انجلز
هكذا كانت ثمرة الجوز "شبرا" لنعيم صبري ، والتي لايمكن تذوقها الا من خلال تفكيكها بنيويا ثم تذوقها ،نحن نبحرفي :

 (316)صفحة من القطع الصغير ، تنقسم الي (167) مشهدا، تتحرك فية الشخوص الرئيسية والثانوية من شبر المظلات وحتي محطة مصر بين (14) شارع ،ثلاثة دور سينما  (47)شخصية رئيسة تسكن منزل مكون من دور ارضي وسطوع وثلاثة طوابق ، يتشابكون مع (21)شخصية ثانوية ، وشخصيتان بدون اسما (ممرضة وقسيس) وينتمون الي اصول عرقية مصرية ويونانية وارمينية وايطالية ولبنانية ، يجسدون ثلاثة اديان الاسلام والمسيحية واليهودية ، ومذاهب دينية مختلفة ، يدخلون في علاقات خاصة كريستينا اليونانية المسيحية ومجدي المسلم ،ميشيل المسيحي الارثوذكسي واناهيد المسيحية الارمينية ، وسعيد المسيحي ونبيلة المسلمة ،وعباس الخربوطلي المسلم وايرين اليونانية ، وصالح المسلم وهيلينا المسيحية اليونانية ، وباستثناء علاقة سعيد ونبيلة كانت كل تلك العلاقات الخاصة كاملة .. دارت الرواية في شوارع شبرا (شبرا والترعة والجزيرة والزهور والبعثة كوبري شبرا وسينما دولي والامير والجندول) وخرجت بشخوصها الي سليمان باشا ، والكورنيش ، سوق الخضار ، مدرسة كالو سديان، كلية الهندسة، كلية الزراعة، مدرسة الفرير، كنيسة العذراء بعياد بك، محل شيكوريل، مدرسة السيدة حنيفة، كافتيريا نايت اند ،دي ، الازهر، مديرية الامن، التبين ، المطار.

يقول الراوي عن الحي : (يمتلئ حي شبرا بمحلات يديرها الاجانب من اليونانيين والارمن والايطاليين ، ويدير المصريون أهل البلد بعضها الاخر، محلات بقالة ، وافران افرنجية وبلدية ، وخمارات ، محلات جزارة ،ومحلات خضار وفاكهة ، محلات عصير قصب ، ومحلات فراشة ، محلات كشري ، ومحلات فول وطعمية،ومقالي لب ،هذا الي جانب العديد من المقاهي البلدية)

حي لا هو بالارستقراطي ، ولا هو بالحي الشعبي في مجملة ، هو حي بين بين ، تجد فية الاسر الموسرة والاسر محدودة الدخل ، لكن ما يميزة هو رؤس ابنائة ، اقصد عقلياتهم طبعا، فهي عقلية الطبقة الوسطي التي كانت العقلية المتفتحة للتواصل والتعلم والتفهم والتطور ، وقبل ذلك جميعا ، المحبة وقبول الاختلاف ، مما يجعل الحياة مع الاخرين متعة وهناء وعشرة طيبة .)

مفتتح الرواية : الست بطة تصرخ:" والله العظيم دي مسخرة وقلة ادب ... عشنا وشفنا . دا بيت ناس محترمين " وذلك بعد ان ضبطت البنت سميحة المومس شقة جيرانها ، وتنتهي ب" ان كان رحيلك محتوما

لا تنس
ان تكتب لي
في فرحك او في احزانك
ولنتذكر
عنواني شارع شبرا ،
حيفا ، لبنان "

هكذا ضفر الراوي المدخل نحو الجسد والخروج بالغربة عن الجسد ، وليس للجسد عن نعيم صبري جغرافيا ، الاسكندرية(مصيف ابو قير)، امريكا ، ليبيا، شربين ، حلوان، امبابة والكيت كات امبابة ، روض الفرج ، بيروت .

البيت : الحي والوطن والعالم :
البيت هو المرتكز عند نعيم ومنة ندخل ونخرج ونحب ونتزوج وننجب ونموت ، فقط العلاقات الخاصة غير الشرعية مرفوضة في البيت كما صرح ذلك نعيم علي لسان الست بطة ، وهلم نصعد سويا الي البيت من الارضي وحتي السطوح :

ندخل الي البيت : ارضي وسطوع وثلاثة طوابق
1/ الحاجة فريدة وابنائها :رشدي وصالح وسالم واماني ونادية ، وخادمتها انصاف .
2/ المهندس أميل زوجتة بطة واختها الين .. وابنهما الوحيد ميشيل .
3/ الست عائشة وزوجها فهمي افندي وابنهما مجدي وبناتهم نبيلة ونور
4/ الحاج سيد البواب وزوجتة فاطمة وابنتيهما زينب ونجاة وحفيدهم الوليد صالح ابن زينب
5/ هيلينا اليونانية مع ابنها اندريا جوانيدس ، وزوجتة ماريا والاحفاد: انجيلاوالحفيد كوستا .وكريستينا حفيدتها من ابنتها ايرين.
6/ ستاسيا أخت اندرية والمتزوجة من نيكولاس وابنائهم : جورج وميكس ويانيس
7/ انوش الارمينية واخيها المسيو هايج وابنائة : زارية واناهيد
8/ عايدة رزق الله : مسيحية ،وابنها الوحيد سعيد وابنتها أمال
9/ ماري خوري مسيحية مارونية ، واختها سيلفيا وابن ماري ريمون(رور)
هؤلاء هم شبرا اوطن والحزن والحب والغربة ، الي جانبهم خدم نعيم عليهم بشخصيات ثانوية اصر علي ان يهتم بها دون ملل او كلل: 1

ـ نسيم بائع السجاير، عباس الخربوطلي صاحب محل الفراشة ورفيق ايرين بنت هلينا وأم كريستينا، عم زين الحلاق، عطية بائع الخضار، اميل الخردواتي، عم جاد لتلميع الاحذية، عم قناوي الفكهاني ، مدام راشيل (اشكينازي) اليهودية من سكان شارع البعثة وصاحبة شقة ابو قير أرملة مسيو حليم اشكينازي وابنائهم جابي وسامي وسونيا ورحلت دون انذار، ايفيت التي تسكن بشارع جزيرة بدران وانطوانيت التي تعيش مع امها المسنة بشارع السالمي (شلة الكونكان في شقة ماري خوري)، الراقصة دولت رفيقة الخواجا جوانو الايطالي صاحب الورشة التي يعمل بها نيكولاس زوج ستانسيا ابنة هيلينا ،خيرية "اللواء خيري"صاحبة بيت الدعارة، فوزية الغانية ، مازن صديق رور، الست اسماء ام مازن، علي صديق وزميل مجدي، رزق الله جاد رزق طبيب امراض النساء الذي اجري الاجهاض لكريستينا، محسن طبيب اطفال صديق علي صديق مجدي، محسن طبيب اطفال صديق علي صديق مجدي، كريمة زوجة شريف شقيق مدام عائشة، حسين صديق سالم واختة نفيسة،لم يهمل الراوي اي من شخوصة مطلقا ماعدا الممرضة التي كانت تعمل عن الدكتور رزق جاد رزق والذي اجري الاجهاض لكريستينا ،وكذلك القسيس الذي كان يحاور سعيد حينما اراد ان يشهر اسلامة ومن ثم ان الانا الساردة لم "تكرة" شخصيتين سواهما .

انشودة الجسد والخمر والحرية :سفر اعمال الجسد
الحقيقة سفر شبرا ، واعمال الجسد كان المفتتح الحقيقي والكود الذي من خلالة نعبر الي الراوية ، ونتوقف احاديث الجسد والحرية :
المهندس اميل :"خرج من الحمام بالفانلة واللباس"،زوجتة بطة أسم علي مسمي ، أمراة ممتلئة تتهادي في مشيتها كالبطة ، واردافها الضخمة تعلو وتهبط بانتظام " ،وفي علاقة كريستينا مع مجدي نجد مشاهد الجنس والخمر وفض البكارة ، في علاقة تصل الي اجهاض كريستينا ، واستمرار العلاقة ، كذلك علاقة صالح ب هيلينا : " احتضنها بقوة طقطقت لها فقراتها فرنت ضحكتها معلنة عن متعة ممزوجة ببعض الالم ، اخمدها بقبلة متوحشة تداعت لها مدام هيلينا متراخية في خدر جليل ، وهي تنظر الية برجاء واستسلام " ، " ثم بدأ في الشراب بعد ان ضاجعها مرتين "، الاجساد والشراب مفتاح للحرية وكأن تضاريس الجسد هي تضاريس شبرا تلك المرحلة .

اجهاضين وموتي وولادة وتستمر الحياة :
كان الاجهاض الاول لكريستينا من مجدي ، والاجهاض الثاني ستانسيا ابنة هيلينا، بعود ملوخية خوفا من زوجها ان انجبت ، مما ادي الي ثقوب بالرحم ادت لوفاتها ، وانهيار الام هيلينا ،ويرصد ايضا الكاتب وفاة مستر هايج ، ويربط بينها وبين ميلاد للطفل صالح ابن زينب ابنة البواب ويري بذلك نعيم ان الحياة مستمرة ، وكأننا اما احدي روائع زولا عن انتصار الحياة .

ومن الاجهاض والموت الي الغربة :
وفي تعدد لالوان الحبكة وكأنها حجر كريم كلما سقط علية ضوء عكس الوان مختلفة ، يمتزج الرحيل مع الغربة والموت ، مدام اشكيناز الي اسرائيل ، زارية الي امريكا، مجدي لندن، واخرين الي بيروت وباريس ، والغربة الوحيدة الايجابية كانت غربة سعيد ونبيلة ،وكأن الانا الساردة تقص امتزاج الغربة عن الاسرة بعد اعلان سعيد اشهار اسلامة للزواج من نبيلة ، بالغربة الجغرافية الايجابية الي ليبيا هنا الانا الساردة جسدت كل الام وقسوة ديستويفسكي في اننا لم نخلق قساه بل عالمنا كان اكثر قسوة ، مؤكدا نعيم بأن غربتنا ليست عن الوطن ولكن عن النفس والاهل ، الحقيقة قصة سعيد ونبيلة رواية اخري داخل الرواية ومختلفة عنها ، عالم اخر لايوجد فية بين الحبيبين جنس ولا تلامس ولا قبلات ولا خمر ، حب عذري في عالم محيط بهما يعج بالجنس والخمر والاجهاض والموت الجسدي او المعنوي ، نعم الحب الوحيد الذي انتصر هو حب سعيد ونبيلة ولكنها كانت ولادة قيصرية علي صعيد الاسرتين أسرة سعيد وأسرة نبيلة ، الا ان البيت والحي والوطن كان يرعي ولادة الزواج الذي يتم بين مختلف الديانة بما يشبة الولادة القيصرية التي تتم بدون بنج وتوجع الجميع الا انهم يرحبون بفرح بالولادة الجديدة ، ما احوجنا للتوقف امام تلك الرواية الداخلية الموازية للسرد "رواية حب سعيد ونبيلة" خاصة كرد فعل لما يحدث هذة الايام .

سيفونية الحب والحي والحرية :
لايفوتنا ان نعرج الي الموسيقي الداخلية للرواية ، وكيف وظف نعيم صبري الشعر والموسيقي للانتقال من مشهد الي اخر ، فنجد :
طاغور وقصيدة جميلة عن التدين الشكلي :

"اولئك الذين يعانقون الوهم بأسم الدين
يقتلون ويقتلون
حتي الملحد يحصل علي بركة الله
فلا تفخر بدينك "

في تواري مرتبط بعلاقة سعيد ونبيلة .
ونجد موتسارت كونشيرتو رقم 488تصنيف كوشل ، من مقام لاماجور، واستدعاء الم الغربة ووجع البعاد.
ويبرز الامل مع الست أم كلثوم وكؤؤس البيرة :
" وغدا تألف الجنة انهارا وظلا
وغدا ننسي علي ماض تولي "

نحن أمام انا ساردة كالحجر الكريم متعدد الالوان والاشعاع ، نعيم صبري )الشاعر ، الموسيقي ، الروائي ، الفنان التشكيلي الخ ) نحن امام رواية تقترب من عالم زولا في تعدد الاجيال ، وكزانتزاكي في اناشيد الجسد والخمر والحرية ، وديستويفسكي في القسوة والفربة التي داخلنا ، وتوجينف في رواية سعيد ونبيلة .

وانهي بالشاعر نعيم صبري بعد ان خرج من بيت ام بطة ، وشبرا ، والسياق الكوزموبوليتان وكأنة يبكي نفسة والحي والوطن ، بل يبكيني حينما انهمرت دموعي علي اخر سطور الرواية :
عنواني
شارع شبرا
حيفا، لبنان
ولنتذكر
ان تكتب لي
في الفرح والاحزان
في شارع شبرا ... كانت أيام
ومضت ايام
تتوالي في طيات الاعوام
واكيد سوف تعود الايام
..........................................
حان الوقت
للوعي بمعني الغربة والترحال
حطت قافلة العمر بأرض القهر الملعونة
لاقصر ابيض ، ولا عرس ، لا ابناء
والفيلم يؤجل فيما بعد
لاترحل ... فالغربة مثل السوط
تجلد فينا كل الاشياء
هل حقا ترحل
...........................
ان كان رحيلك محتوما
عنواني
شارع شبرا
حيفا، لبنان
ولنتذكر
ان تكتب لي