الأقباط متحدون - «داعش» فى قلب «المترو»
  • ٠٠:٣٣
  • الخميس , ٤ مايو ٢٠١٧
English version

«داعش» فى قلب «المترو»

مقالات مختارة | عاطف بشاى

٠٤: ١٠ م +02:00 EET

الخميس ٤ مايو ٢٠١٧

عاطف بشاى
عاطف بشاى

إذا كان الداعشيون الفاشيون أعداء للحرية والإبداع.. ودعاة ظلام ورِدة حضارية.. إرهابيون مجرمون يشيعون فتنة بين صفوف الجماعة الوطنية.. وأتوا إلينا بإسلام ليس هو الإسلام السمح الذى نعتنقه.. فمن المنطقى والبديهى أنهم لم يهبطوا علينا من كوكب آخر.. ولم يتسللوا فى جنح الليل كالهكسوس ليسرقوا ثورتين.. ويستعبدوا العباد.. منهم موجودون بيننا.. ويعيشون وسطنا.. ويؤثرون فينا.. ويجتاحون الشارع المصرى منذ سنوات طويلة، ويصبغونه بطابعهم وثقافتهم ومزاجهم العام..

وإذا كانت ظاهرة التحرش الجنسى قد تصاعدت وتفاقمت.. واستشرت منذ حكم الإخوان.. وتحولت من ظاهرة اجتماعية كانت تتم من قبل مراهقين يعانون الحرمان والبطالة ضد فتيات فى الشوارع فى مناسبات وأعياد وسط الزحام وبشكل مختلس يعقبه فرار.. تحولت إلى عنف ممنهج.. ووسيلة واضحة ومباشرة للإرهاب والقمع والقهر السياسى.. وبعد أن كان ميدان التحرير قبلة للمتظاهرين والمتظاهرات يضمهم نسيج واحد.. أصبح بؤرة للعنف الجنسى ضد النساء باستخدام أسلحة بيضاء وآلات حادة.. ففى جمعة الغضب (25 يناير 2011) رصد أحد المراكز لتأهيل ضحايا العنف (6) حالات اغتصاب و(19) حالة تحرش.. وأدت آثار العنف إلى حد استئصال رحم مجنى عليها.. وأخرى طعنها جانٍ بسكين فى فتحة المهبل، ليخرج نصل السكين من فتحة الشرج..

وإذا كان الدعاة المكفرون أصحاب الفتاوى المسمومة ضد المرأة.. ومنهم الشتامون، مثل «عبدالله بدر»، الذى وصم الفنانة إلهام شاهين بالدعارة واعتلاء الرجال لها.. هم متحرشون.. دينيون يبيحون لأنفسهم العدوان اللفظى ضد المرأة بوصفها كائناً دونياً محرضاً على الفسق والفجور وتستحق النبذ والاحتقار واللعنة والتأديب والتقويم باسم الفضيلة ومكارم الأخلاق.. فإن الطامة الكبرى والكارثة الحقيقية، بل المفارقة المذهلة أن يكون التحرش الدينى ليس من قبل الرجال فقط.. فقد امتدت كراهية المرأة واحتقارها.. واعتبارها مخلوقاً غرائزياً مشتعلاً بالرغبة الجنسية العمياء الجامحة.. امتدت إلى المرأة نفسها التى تشارك هؤلاء الشيوخ المتطرفين نظرتهم الدونية للمرأة ومفهومهم المتخلف للعذرية وتصورهم المريض أن مقياس الشرف الوحيد هو النصف الأسفل من جسد المرأة.. وأن ختان الإناث عفة وسلوك إيمانى..

لقد كانت تمثل المرأة -أو فلنقل تمثل أعداء المرأة والأنوثة- هوانم الإخوان المسلمين ابتداءً من مستشارة الرئيس لشئون المرأة التى تجمل قبح المجزرة الإنسانية «الختان»، وتسميها عملية تجميلية.. وتتحرك فى دائرة ثقافة التحريم فتعلل البشاعة والبربرية التى تتمثل فى بتر البظر.. وتستكمل تجميل قبح الفعل الإجرامى، فتهون من بشاعته بوصفه أنه عادة متأصلة ولا يعيب تنفيذه إلا أنه يتم عادة قبل سن البلوغ... لكنه فى النهاية وقاية لشرف المؤمنة وحفظاً لعرضها وعفافها.. وليس عدواناً على الجسم البشرى وتحرشاً ضد المرأة باسم الدين وجوراً على حقها فى المتعة الجنسية المشروعة.. المهم أن يستمتع الرجل ولا شأن للمرأة بذلك على الإطلاق فهى ليست سوى آلة للإنجاب.. لقد كن متحرشات فى دولة دينية تتيه زهواً وفخراً بردة حضارية وإنسانية عشنا فى كنفها..

لذلك، فقد تذكرت على الفور واقعة تمت فى «المترو» فى ذلك العام البغيض للإخوان.. أعيد سردها هنا لأن لتكرارها فى الأيام الماضية دلالات مؤسفة وخطيرة.. تستلزم مناقشتها وتحليلها..

فتاة غضة لم تتجاوز الثانية أو الثالثة والعشرين من عمرها وقتها.. لكنها تعتبر أن ميلادها الحقيقى كان يوم ثورة (25 يناير) التى شاركت فيها مشاركة إيجابية فى الميدان، فرفعت لافتات المناداة بالحرية والكرامة.. وصرخت بهتافات الدعوة إلى حياة أكثر عدلاً ومساواة.. وطيّبت جراح مصابى الغدر وأعداء الوطن.. واشتركت مع أخواتها المسلمات فى فرض سياج الحماية حول المصلين والمصليات الأقباط وتقاسمت معهم كسرات خبز جافة والتحفت بالسماء تشاركهم حلم فجر يوم جديد يطل على وطن تذوب فيه حباً، وقد تطهر من رائحة الفساد..

ركبت الفتاة المترو مستقلة عربة السيدات، واستقرت بين نسوة أغلبهن محجبات ومنتقبات.. توقف المترو فى إحدى المحطات ليستقل رجل ملتح يرتدى جلباباً فقيراً وطاقية وصندلاً ويلوح بعصا غليظة يشير بها إلى النسوة بعينين تشبهان عينى سمكة ميتة.. يمطرهن بكل الفتاوى المتخلفة التى تهين المرأة وترهبها وتزدريها باعتبار أن النساء وقود نار جهنم ووجودهن فى الحياة دنس ورجس وعار وخطيئة.. وعليهن أن يلتزمن منازلهن لا يبرحنها إلا إلى القبر، فالتعليم والعمل حرام.. وإذا اضطررن إلى الخروج للضرورة القصوى، فعليهن إخفاء ملامحهن وجسدهن.. ولم ينس أن يؤكد بسفالة وانحطاط أن وجه المرأة، مثل فرجها، ينبغى ستره عن العيون.. اندفعت الفتاة ونهرته فى انفعال وغضب مدافعة عن كرامة المرأة.. فتعرضت لأقذع الشتائم والضرب المبرح على يدى هذا الشيخ، ولم ينقذها أحد لا من الركاب ولا من رجال الشرطة الذين لم يحركوا ساكناً.. ولا من السيدات المقهورات المستسلمات لطغيان الرجل وجبروته، متصورات أن تلك هى أوامر الدين ونواهيه.. وأغلب الظن أن الجميع تشفوا فى تلك المارقة الفاسقة التى تجاسرت على التطاول على هذا الشيخ الجليل من وجهة نظرهم.. بل إنهم لولا الملامة لكانوا قد شاركوه فى التنكيل بها.. ولِم لا.. وقد مسح دعاة الفضائيات أدمغة الناس.. وصار الشارع المصرى تحكمه ثقافة أحكام الفتاوى المسمومة..

إن خفافيش الظلام وفقهاء الكآبة والمصادرة وأعداء الحياة.. خرجوا من جلباب الإخوان والسلفيين وأتوا من كهوف التخلف والجهامة والانحطاط والدمامة.. ثم بعد انصرافهم من المشهد بعد ثورة (يونيو) لم يتغير الموقف بل باتوا أكثر شراً وعنفاً وإجراماً.. يطلون بعيونهم الزجاجية وجلودهم السميكة ومشاعرهم الميتة.. صاروا داعشيين، بل داعشيات داخل المترو الذى يمثل صورة مصغرة من مصرنا المحروسة التى تضج بكل المفارقات والتناقضات، وتئن بكل الجراح وتبرز بكل العورات.. وتتوارث ثوابت الكتب الصفراء وخزعبلات الدجل.. وتخلف وقهر السنوات..

فتاة أخرى تتعرض لعدوان داعشية «بالكاتر» تقص به شعرها المنسدل على ظهرها، مرددة بسادية مرضية وسيكوباتية إرهابية وتشف حقير «عشان تحترمى نفسك بشعرك اللى فرحانة بيه ده» لإكراهها على ارتداء الحجاب.. وعندما فزعت الضحية وصرخت، أسرعت راكبات المترو وأنزلن السيدة المعتدية فى أول محطة.. ودفعوا الفتاة بالقوة داخل العربة لأنها هددت بتقديم بلاغ ضد الإرهابية..

إن الداعشيين يعلنون أنهم أصبحوا فى قلب «المترو».. فى قلب «مصر».. فى عروقها ومفاصلها.. فى شوارعها ودروبها وحواريها ومنازلها.. فى نيلها وترعها وسطحها وقاعها.. وأن «المتطوعة» هى رسولهم لتؤدى مهمتها المقدسة فى «النهى عن المنكر» تساندها مؤمنات يرين أن فعلتها واجب دينى.. فتصبح الجريمة عقاباً مستحقاً ومشروعاً ومطلوباً.. وضرورياً وملزماً.. وتصبح الحرية الإنسانية فى الدرك الأسفل والدولة المدنية نكتة سخيفة، فيخنقون الشمس، ويقذفون بنا خارج التاريخ.. ساعين إلى إطفاء شموع الحضارة..

ورعب أكثر من هذا سوف يجىء...
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع